كتب طوني عيسى في"الجمهورية": بعض الخبراء في
واشنطن لهم تبريرهم للموقف الأميركي الإيجابي من قرارات الحكومة. يقولون إنّ خلفيته هي نظرة
الأميركيين إلى
لبنان ودوره، ضمن استراتيجيتهم الشاملة في
الشرق الأوسط . إنّهم يريدون الإقليم حكراً لنفوذهم كلياً، ولبنان هو واجهة هذا المشروع من جهة العالم العربي نحو المتوسط وأوروبا. وهذه النظرة تستدعي قيام حكومات ومجتمعات مستقرة في دول الإقليم كافة، لأنّ الاستقرار حاجة أساسية لضمان نجاح مشروع التعاون الشرق أوسطي الواسع، والذي يريد الأميركيون أن تكون
إسرائيل جزءاً "طبيعياً" فيه. وهذه النظرة تبرّر تعاطي واشنطن المرن مع لبنان، ومنحها حكومته الفرصة تلو الأخرى لنزع السلاح وتحقيق الإصلاحات.
في هذه الخريطة الواسعة، لبنان الصغير يحتل حيزاً معنوياً ومادياً. لذلك، تريده واشنطن متماسكاً ومستقراً وجزءاً أساسياً من نفوذها. وهذا ما يدفع البعض إلى اعتبار السفارة في عوكر بمنزلة وسطى بين السفارة الحصينة والقاعدةالعسكرية الصغيرة. ولضمان نجاحهم في حضانة لبنان، يراعي الأميركيون وضعه إلى الحد الأقصى، ويحاذرون اندلاع حرب أهلية تُمرّغ استقراره في الفوضى وتفكّك السلطة المركزية. في الواقع، في خضم التغيّرات الجيوسياسية المتسارعة التي تعصف بالشرق الأوسط، يبرز لبنان الصغير ساحةً رئيسية لتشابك المصالح الأميركية مع تعقيدات الداخل والإقليم. ولطالما بدا أنّ السياسة الأميركية تجاه لبنان يكتنفها الغموض. لكن الرضى الأميركي على بيان الحكومة قبل أيام، كشف فهماً أعمق للواقع اللبناني وتجنّباً للدخول في مواجهة قد تفجّر نزاعاً داخلياً. فهذا الموقف لا يعكس تراجعاً أميركياً، بل هو جزء من استراتيجية مدروسة.
الولايات المتحدة تدرك أنّ الضغط المباشر لتجريد "
حزب الله " من سلاحه الآن قد يدفع البلد إلى فوضى. وهذا يتعارض مع أهدافها الأوسع المتمثلة في تحقيق الاستقرار. والأرجح أنّ الإدارة الأميركية ستعمل في مختبراتها السياسية على تحضير المعادلة الكيميائية التي توفّر توازناً دقيقاً بين منسوب الضغط السياسي وتجنّب الفوضى في لبنان. لقد ظهرت ملامح الاستراتيجية الأميركية، وتبين أنّ موقع لبنان مضمون فيها. وبعدما حسمت معركة النفوذ في الشرق الأوسط لمصلحتها، انتفت الحاجة إلى المواجهة المفتوحة في لبنان. وعلى العكس، أصبح الهدف هو الحفاظ على استقرار البلد الصغير. وهي لن تسمح بانهياره، سواء بحرب أهلية أو باستفراد أي قوة إقليمية به، سواء كانت إسرائيل أو
إيران أو حتى تركيا أو
سوريا الجديدة. ولكن، سيواجه لبنان تحدّياً داخلياً هو: أي مستقبل سيختاره اللبنانيون أنفسهم لبلدهم، هل ستكون فيه دولة مستقرة ومجتمع متماسك وجدير تأسيس شراكة داخل المنظومة الإقليمية؟ كما سيواجه تحدّياً خارجياً لا يقلّ خطورة هو: هل ستنجح الولايات المتحدة في منع إسرائيل من تهديد الجنوب اللبناني، أو وضع اليد تدريجاً على بقعة في جنوب الليطاني مثلاً، بعد عام أو اثنين أو أكثر؟