يبقى
سلاح
حزب الله القضية الأكثر تعقيداً وتشعباً في الداخل اللبناني، إذ يختلط فيها العامل المحلي بالتوازنات
الإقليمية والدولية. وبينما ترى بعض القوى السياسية أن استمرار الحزب في امتلاك ترسانة عسكرية خارج إطار الدولة يشكّل انتقاصاً من سيادتها، ترى أطراف أخرى أن السلاح لا يزال حاجة في ظل التهديدات والخروقات
الإسرائيلية المتواصلة ورفض اسرائيل الخروج من النقاط الخمس التي تحتلها.
في زيارتها الأخيرة إلى بيروت، أبدت الموفدة الأميركي
مورغان أورتاغوس تفهماً للطروحات الرسمية
اللبنانية ، متحدثة بلغة هادئة ومرنة. إلا أن الهدوء الدبلوماسي الأميركي لم ينعكس داخليًا، إذ تصاعدت نبرة الخطاب السياسي، فرئيس
حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، دعا إلى نزع سلاح حزب الله خلال ستة أشهر، في خطوة تعكس حجم التصعيد القائم من حزب القوات ضد حزب الله.
اللافت أن هذا التصعيد السياسي أتى بالتوازي مع تصريح لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، أعلن فيه عن نيته إطلاق حوار مباشر مع حزب الله لمناقشة ملف السلاح. وأشار إلى أن الحزب أبدى مرونة في مقاربة هذا الملف، ملمحا إلى إمكانية التوصل إلى صيغة تفاهم مشترك ضمن خطة زمنية معينة، وهذا يؤشر إلى توسيع دور الجيش اللبناني بشكل تدريجي في مناطق حساسة.
ومع أن الحزب لم يظهر اعتراضاً علنياً على دور الجيش جنوب نهر الليطاني، تظل المسألة أكثر تعقيدًا في المناطق الأخرى، وكأن هناك انتظار لنضج شروط إقليمية ودولية تؤسس لمرحلة جديدة. ووفق مصادر سياسية متابعة، فإن موقف الحزب وربطاً بموقف الحكومة اللبنانية يرتبط إلى حد بعيد بمآلات التفاوض الجاري بين
واشنطن وطهران، الذي يظل حجر الأساس في تحديد حدود دور الحزب.
في موازاة الخطاب الداعي إلى نزع السلاح بالقوة، تطرح سيناريوهات بديلة على طاولة النقاش. ومن بين هذه الطروحات، فكرة دمج عناصر حزب الله تدريجياً في الجيش ، على غرار تجربة "الحشد الشعبي" في
العراق ، وهي صيغة يرى فيها البعض تسوية عملية تحفظ دور الحزب وتؤمن مظلة سيادية للبلد. إلا أن هذا الطرح يلقى اعتراضاً حاداً من أطراف سياسية أساسية، أبرزها
القوات اللبنانية ، التي ترى فيه إنهاء للبنان وللجيش وللكيان كما أشار النائب بيار أبو عاصي في أحد تصريحاته، فيما لا تعارضه قوى أخرى كالحزب التقدمي الاشتراكي الذي سبق أن اقترح في عام 2008 استيعاب سلاح
المقاومة ضمن استراتيجية دفاعية وطنية شاملة.
لكن يبقى السيناريو الأكثر واقعية، بحسب مصادر متابعة، القائم على حل تفاوضي تدريجي، يبدأ بتوسيع دور الجيش في مناطق جديدة، بموافقة حزب الله وتحت سقف خطة زمنية واضحة، تواكبها تفاهمات إقليمية تساهم في تخفيف التوتر وفتح نوافذ للحل.
من هنا، فإن الضغط على الجيش أو الزج به في مواجهة مباشرة مع الحزب، قد يكون مؤشر للفوضى والانهيار، بحسب ما تحذر غالبية
الأطراف
الداخلية وبعض الدول الأوروبية والعربية، علما أن أوساطاً سياسية تعتبر أن النزع القسري للسلاح يبقى خياراً نظرياً أكثر منه مساراً عملياً قابلاً للتنفيذ، وفي السياق أكد النائب علي فياض الأسبوع الفائت أن الضغط على الجيش لنزع سلاح حزب الله ومحاصرة
لبنان مالياً، ومنع المساعدات عنه، وإعاقة عملية إعادة الإعمار، واختلاق الأكاذيب المفبركة حول دور مرافئه، وآخرها إستهداف مرفأ بيروت بهدف إخضاعه للوصاية الأمنية الأميركية، مضافاً إلى تغطية الإغتيالات التي يقوم بها العدو
الإسرائيلي ، إنما يُشكّل تهديداً مباشراً للاستقرار اللبناني". وتجدر الإشارة إلى أن المعلومات تشير إلى أن هناك "265 نقطة عسكريّة تابعة لـ"حزب الله"، محدّدة في جنوب الليطاني، سلّم الحزب منها قرابة 190 نقطة للجيش .
الواقع يظهر أن الحوار بين رئيس الجمهورية وحزب الله بشأن نزع السلاح، حتى لو أُطلق فعلياً، فإن مآلاته ستبقى رهن نتائج المفاوضات الجارية بين
الولايات المتحدة وإيران. وهذا ما يؤكد أن هذا الملف يتجاوز الحدود اللبنانية، ويدرج ضمن منظومة تفاهمات إقليمية ودولية أوسع، تتعلق ليس فقط بالبرنامج
النووي
الإيراني ، بل أيضا بدور طهران ونفوذها في المنطقة، بما في ذلك ملفات حلفائها، وعلى رأسهم حزب الله.