آخر الأخبار

صراع النفوذ في شرق اليمن: قراءة في تصادم الأجندات بين الرياض والانتقالي

شارك


تمثل اتهامات المحللين السعوديين للمجلس الانتقالي بالارتباط بأجندة إسرائيلية توظيفاً سياسياً لورقة "الشرعية القومية" في معركة النفوذ. فالرياض، من خلال هذا الربط، تسعى إلى عزل المجلس سياسياً وإضعاف جاذبية خطابه في الأوساط العربية والمحلية، محولةً الخلاف من صراع على السيطرة في حضرموت والمهرة إلى قضية "أمن قومي" عليا.
في المقابل، يرى المجلس الانتقالي في هذه الاتهامات محاولة سعودية لالتفاف على طموحاته السياسية، معتبراً أن انفتاحه السابق على الخيارات الدولية لم يكن إلا جزءاً من براغماتية سياسية تهدف لتأمين اعتراف دولي بمشروعه، وهو ما تصطدم به الرياض التي تفضل بقاء الجنوب ضمن توازنات تحت سيطرتها المباشرة.
جغرافيا الصراع تتركز اليوم في حضرموت والمهرة، وهما المنطقتان اللتان تمثلان "الدرع الشرقي" للمملكة ونافذتها الحيوية نحو بحر العرب. بالنسبة للرياض، فإن تمدد قوات الانتقالي في هذه المناطق يكسر (الوضع الراهن) الذي حاولت الحفاظ عليه عبر قوات "درع الوطن" والمكونات الحضرمية المحلية.
ترى السعودية أن سيطرة فصيل واحد موالٍ لأطراف إقليمية أخرى على هذه الحدود يخرج الملف اليمني من يدها ويضعه في حسابات معقدة لا تخدم أمنها الحدودي. أما المجلس الانتقالي، فيرى أن أي مشروع جنوبي لا يسيطر على حضرموت والمهرة هو مشروع "منقوص السيادة"، ولذا فهو يخوض معركة "تثبيت الأقدام" معتبراً أن تراجعه الآن يعني انحسار نفوذه إلى حدود عدن ولحج فقط.
اللافت في هذا التصعيد هو الانتقال السريع من "حرب التغريدات" إلى "حرب التحذير الجوي". الضربات التي نُفذت قرب تمركز قوات الانتقالي في غيل بن يمين تنهي مرحلة التفاهمات الضمنية وتدشن مرحلة "فرض الإرادة بالقوة". السعودية، من خلال هذه الضربات، تؤكد أنها لن تسمح بتغيير خارطة النفوذ في حضرموت مهما كان الثمن، بينما يجد الانتقالي نفسه في موقف معقد؛ فالتصادم المباشر مع الرياض مكلف سياسياً وعسكرياً، والانسحاب المهين قد يزعزع ثقة قاعدته الشعبية والميدانية. هذا المأزق يدفع الطرفين نحو حافة الهاوية، حيث تصبح لغة القوة هي الأداة الوحيدة للتفاوض بعد فشل اللجان الأمنية والوساطات السياسية.
في الختام، يبدو أن المشهد في جنوب وشرق اليمن يتجه نحو إعادة صياغة جذرية لموازين القوى. السعودية قررت استرداد نفوذها التاريخي في حضرموت والمهرة بصرامة، مستخدمة مزيجاً من الضغط العسكري والتشهير السياسي.
وفي المقابل، يراهن الانتقالي على قدرته على الصمود ميدانياً وتحويل حضرموت إلى "أمر واقع" يصعب تجاوزه. وبين "المطرقة السعودية" و"السندان الانتقالي"، تبقى المنطقة مرشحة لمزيد من التصعيد، في صراع لم يعد هدفه "تحرير الأرض"، بل الاستحواذ على "القرار السيادي" وتحديد هوية القوة التي سترسم ملامح جنوب اليمن في مرحلة ما بعد الحرب.

- نقلا عن عرب جورنال



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا