في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
غزة– اضطر محمد عدنان إلى خسارة 350 دولارا من إجمالي ألف دولار وصلت حسابه البنكي مؤخرا، مقابل أن يحصل على المبلغ نقدا بسبب إغلاق البنوك الفلسطينية العاملة في غزة أبوابها منذ بداية حرب إسرائيل على القطاع قبل سنتين.
وأفرز العدوان الإسرائيلي ظواهر لم يكن يعهدها سكان غزة من قبل، وأبرزها ما يعرف بـ"التكييش" أو التسييل وهو الحصول على سيولة نقدية مقابل نسبة مالية وصلت في بعض الأوقات إلى 50%، مما زاد من تبعات الحرب الثقيلة على كاهل الفلسطينيين.
الجزيرة نت تتبعت بداية ظهور (التكييش) وكيف اتخذ منحنى تصاعديا؟ والأسباب التي أدت لانتشاره، ومن يتحكم بنسبة العمولة؟
منذ اليوم الأول للحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول أغلقت جميع فروع البنوك في قطاع غزة أبوابها، مما حال دون تمكن الغزيين من الحصول على أموالهم المودعة في أرصدتهم البنكية.
ومع طول أمد الحرب بدأ الغزيون يفقدون السيولة النقدية ولا يستطيعون الحصول عليها، وبدأ بعض التجار الذين يملكون مبالغ نقدية، منحها لمحتاجي السيولة مقابل خصم 5% من قيمة المبلغ المحول لحسابه إلكترونيا.
تفاقمت أزمة السيولة النقدية شيئا فشيئا في قطاع غزة، وارتفعت نسبة "التكييش" حتى وصلت إلى ما يزيد عن 50% في يونيو/حزيران الماضي مع إغلاق جميع المعابر وعدم إدخال قوات الاحتلال أيّا من المساعدات والسلع حتى ذلك الوقت.
وتعود أزمة السيولة النقدية إلى أسباب تراكمية منذ عدة سنوات كما يقول الباحث في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر، وينص بروتوكول باريس الاقتصادي الموقّع بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية عام 1994 على أن يضخ الاحتلال ما يحتاجه قطاع غزة من سيولة نقدية، ويخرج الفائض منها وقت الحاجة التي تقررها سلطة النقد الفلسطينية، وكان ذلك منتظما حتى قبل فرض الحصار الإسرائيلي على القطاع عام 2007.
وأشار أبو قمر في حديث لـ(الجزيرة نت) إلى أنه بعد تولي حركة حماس حكم قطاع غزة أصبح الاحتلال يدخل كميات غير منتظمة من السيولة تتراوح ما بين 30% إلى 50% من احتياج القطاع فقط.
ويقدر احتياج القطاع شهريا بـ100 مليون شيكل (29.8 مليون دولار).
وبقي الوضع على حاله حسب الباحث الاقتصادي حتى العام 2018 عندما أضافت المنحة القطرية لسكان غزة 30 مليون دولار شهريا.
ورغم عدم وجود أرقام معلنة للأموال المتوفرة داخل قطاع غزة بما يعرف بالمعروض النقدي، فإن أبو قمر يقدرها بـ1.4 مليار دولار، على اعتبار أن جميع المعروض النقدي في الأراضي الفلسطينية يبلغ 13 مليار دولار، وتبلغ حصة غزة من الودائع البنكية المعلنة 8.5%.
ورغم الواقع المالي غير المستقر في قطاع غزة قبل الحرب، فإن طول أمد العدوان أدى لتفاقم أزمة السيولة، وتراجع المتاح منها في الأسواق وذلك لعدة أسباب يسردها الباحث الاقتصادي وهي:
يتساءل الفلسطينيون داخل قطاع غزة، حول المتحكم بنسب العمولة التي يتم فرضها مقابل الحصول على الأموال نقدا في ظل تردي الأوضاع المعيشية في قطاع غزة، إذ ارتفعت أسعار بعض السلع إلى أكثر من 1000%، وتجاوزت نسبة الفقر والبطالة 80% حسب منظمة العمل الدولية .
تتبعت الجزيرة نت من خلال أحد تجار المواد الغذائية مسار عملية "التكييش" الذي وصل إلى تقاسم أموال الغزيين مقابل حصولهم عليها.
وحسب التاجر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، فإن دفع ثمن استيراد السلع التجارية من الجانب الإسرائيلي يتم عبر التحويلات البنكية وليس نقدا، وبالتالي يلجأ بعض ممن يملكون أموالا بحساباتهم البنكية إلى شراء كميات كبيرة من السلع التي يستوردها التجار مقابل الدفع الإلكتروني.
ويعيد أولئك الأشخاص بيع تلك السلع في الأسواق نقدا بسعر أقل من ثمن الشراء، بهدف الحصول على سيولة نقدية، ثم يستغلون وجود السيولة معهم في عملية "التكييش" ويقدمونها للناس في القطاع مقابل عمولة لتجاوز خسارة البيع النقدي للسلع، وتحقيق ربح مرتفع.
وضرب التاجر مثالا على ذلك قائلا: اشترى صاحب رأس مال بضائع بقيمة 100 ألف دولار عبر حوالة بنكية، وأعاد بيعها في السوق بقيمة 85 ألف دولار في سبيل الحصول على مبالغ نقدية، وبذلك يكون تكبد خسارة 15% من قيمة المدفوع، ولكن كي يتجاوز تلك الخسارة يعيد بيع الأوراق النقدية مقابل حصوله على نسبة 30%، مما يعني أنه أعاد لحسابه البنكي 115 ألف دولار".
ويشير التاجر إلى أن من يتحكم بنسبة العمولة هم الأشخاص الذين لديهم مبالغ مالية مودعة في حساباتهم البنكية وقرروا العمل بهذه الطريقة مستغلين حاجة سكان القطاع لمبالغ نقدية لشراء احتياجاتهم.
يستغل العاملون في "التكييش" الأوضاع الأمنية المعقدة في قطاع غزة التي تحول دون وجود جهات رقابية فاعلة وضابطة للأسواق، رغم أن تعميمات صادرة عن الجهات الحكومية حذرت من استغلال حاجة المواطنين وإجبارهم على دفع مبالغ طائلة مقابل حصولهم على أموالهم.
وفي محاولة لثنيهم عن استغلال المواطنين نفذت الجهات الأمنية في غزة قبل أسابيع هجوما على عدد من مستغلي احتياج السكان للسيولة، لكنها لم تتمكن من وضع حد لهذه الظاهرة.
ويعتقد مختصون اقتصاديون أن المخرج لهذه الأزمة يتمثل فيما يلي: