تعد البصمة الرقمية أحد أسهل الطرق التي تتيح لأي جهة تتبع شخص ما عبر الإنترنت والعثور عليه وربما فهم شخصيته، وتكون لمحة أولية عنه، لذلك تستخدم في الإعلانات بكثرة.
ورغم كون توجيه الإعلانات وتخصيصها أحد أبرز أهداف استخدام البصمة الرقمية، فإن لها استخدامات أخرى تمتد إلى التجسس على الضحايا، وتجهيز هجمات الاحتيال التصيدية التي تعتمد على آليات الهندسة الاجتماعية لخداع الهدف.
ويجعلها هذا من الأدوات الخطرة التي يمكن إساءة استخدامها في حال وقعت بأيدي الأشخاص الخطأ، ولهذا يجب مراعاة ما تحمله البصمة الرقمية وتقليل حجمها قدر الإمكان.
ويكمن التحدي في خفض حجم البصمة الرقمية في أنها بصمة غير ملموسة أو محسوسة، ولا يمكن الوصول إليها بالطرق المعتادة، فكيف يمكننا اكتشاف بصمتنا الرقمية والتحكم فيها من أجل الحماية المستقبلية؟
قبل الحديث عن آلية خفض حجم البصمة الرقمية والحماية منها، فإنه من المهم معرفة ما هي البصمة الرقمية؟ وكيف تتكون في الإنترنت؟ ولماذا توجد من الأساس؟
وتكمن الإجابة على هذه الأسئلة في مفهوم البصمة الرقمية، فهي تشمل كل ما تتركه خلفك أثناء استخدامك الإنترنت، سواء كان ملفات ارتباط "كوكيز" أو حتى أدوات تتبع تجمع بياناتك أو منصات تقوم بالتسجيل فيها باستخدام بريدك الإلكتروني.
وتنقسم البصمة الرقمية إلى جزئين، الأول وهو البصمة الرقمية النشطة التي تشير إلى الأشياء التي تتركها برغبتك الكاملة، مثل الصور والمنشورات ورسائل البريد الإلكتروني وغيرها.
ويمثل الجزء الثاني وهو البصمة الرقمية غير النشطة، وتعبّر عن الأشياء التي يتم جمعها عنك دون معرفتك أو رغبتك، وهي تضم سجلات البحث وملفات تعريف الارتباط وملفات التتبع المثبتة في المواقع ومنصات التواصل الاجتماعي.
وتجدر الإشارة إلى أن المواقع تعتمد على مجموعة من الأكواد البرمجية التي تربط بينها وبين منصات التواصل الاجتماعي، حتى تتمكن من تتبع نشاطك داخل منصات التواصل الاجتماعي والربط بينه وبين نشاطك خارجها.
لا يمكن بشكل دقيق أو واضح الوصول إلى حجم البصمة الرقمية وإزالتها بشكل كامل من الإنترنت، خاصة عند استخدام الهواتف المحمولة أو منصات التواصل الاجتماعي بكثرة.
ولكن على الصعيد الآخر، يمكن التحكم في حجم البصمة الرقمية عند استخدام الحواسيب، وذلك عبر التحكم في حجم البيانات التي تتم مشاركتها من خلال متصفح الإنترنت الرئيسي الخاص بك.
وتتيح غالبية المتصفحات المعتادة التحكم في الكثير من آليات التتبع وملفات الارتباط، كما يمكن حذفها باستمرار للتأكد من أنك لا تترك خلفك بصمة رقمية كبيرة وواضحة تقود إليك.
كما توجد مجموعة متخصصة من المتصفحات التي تضع الخصوصية نصب أعينها، ولا تتيح للمواقع والمنصات جمع بصمة رقمية واضحة عنك، ومن بينها متصفح " تور " الذي يعد الأشهر في هذا المجال، فضلا عن متصفح "داك داك غو" (Duck Duck Go) و"بريف" (Brave) وغيرها.
يمكن الاعتماد على مجموعة من الأدوات التي تقيس حجم البصمة الرقمية بعدة طرق مختلفة، من بينها التي تختبر المتصفح الذي تستخدمه لتتأكد من حجم البصمة التي يتركها.
وتوجد أداوت أخرى تبحث في قواعد الاختراقات والتسريبات بحثا عن بياناتك والبصمة الرقمية التي تركتها وراءك.
ومن بين أشهر الأدوات التي تقوم بقياس البصمة الرقمية تأتي أداة "كوفر يور تراكس" (Cover Your Tracks).
طرحت مؤسسة الحدود الإلكترونية وهي مجموعة حقوقية رقمية غير ربحية أداة تدعى "كوفر يور تراكس" (Cover your tracks)، وكما يبدو من اسمها فهي مختصة بقياس حجم البصمة الرقمية.
ولكن اختارت المنظمة أن تعتمد على قياس مدى حماية المتصفح الذي تقوم باستخدامه للبيانات الخاصة بك، وذلك حتى تتمكن من استخدام متصفح أكثر أمنا أو حتى مراقبة نشاطك عبره.
وتعمل الأداة بشكل بسيط على اختبار المتصفح الخاص بك عبر مجموعة من الطلبات المقدمة من طرف ثالث خارجي، ثم تعرض لك نتيجة تبين حجم البيانات التي يجمعها المتصفح عنك.
ويمكن اختبارها بسهولة عبر زيارة الموقع الخاص بالأداة وتشغيل الاختبار مباشرة من خلاله، والانتظار حتى تظهر النتيجة.
ولا تختلف كثيرا نتائج الاختبارات بين المستخدمين المختلفين، إذ إن السبب الأكبر للاختلاف يعود للإضافات والأدوات الخارجية المستخدمة في المتصفح.
لذلك قام موقع "ديجيتال تريندز" بإجراء اختبار موسع لمجموعة من أبرز المتصفحات المستخدمة بكثرة عالميا، ومن بينها "كروم" و"سفاري" و"فيفالدي" و"أوبرا" لقياس حجم البصمة الرقمية التي يخلفونها، وجاءت النتيجة كالتالي:
ويمكن ملاحظة تشابه النتائج بين العديد من المتصفحات، وهذا لأن غالبيتها يعتمد على نواة "كروميوم" (Chromium) مفتوحة المصدر، وهي تترك وراءها حجما ثابتا من البيانات، كما أن "سفاري" و"فيفالدي" هما الأقل في حجم البيانات المخلفة وراءهم.