في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
لأكثر من عقدين، امتطت الشابة المغربية آمال الحمري صهوة جوادها، مكرسة حياتها لفن الفروسية التقليدية المعروف بـ"التبوريدة". في هذا الميدان الذي هيمن عليه الرجال طويلا، لم تتتلمذ الحمري على يد جدها فحسب، بل تسلمت منه مشعلا لتحقق به حلم والدتها، وتصبح اليوم مثالا حيا على حرص الأجيال الجديدة، إناثا وذكورا، على صون تراث يجمع بين الشجاعة والفن والفروسية.
و"التبوريدة" هي استعراض فروسي يحاكي معارك التحرير واحتفالات النصر، حيث تنطلق الخيول لمسافة تقارب 100 متر بانسجام جماعي، قبل أن يختتم الفرسان المشهد بإطلاق نار متزامن وموحد في الهواء.
لا تقتصر "التبوريدة" على الاستعراض فحسب، بل ترتبط بها عوالم واسعة تمتد من تربية الخيل إلى فنون الصناعة التقليدية، حيث يجد الحرفيون والحرفيات في هذا الميدان ساحة للتفنن والإبداع. فمن صناعة السروج الجلدية المزخرفة، إلى تصميم ملابس الفرسان التقليدية وأحذيتهم الجلدية الطويلة، يعبر الحرفيون عن شغفهم بالخيول ويكسونها ما غلا ثمنه وحسن شكله، لتغدو زينة للفرسان ومجدا للتقاليد.
وبحسب "الشركة الملكية لتشجيع الفرس" (مؤسسة حكومية)، يرتبط الفرس ارتباطا وثيقا بتاريخ المغاربة. ويعتبر الفرس البربري أول سلالة في المغرب، قبل أن يأتي العرب إلى المنطقة بسلالتهم الخاصة، أي الحصان العربي. أما الفرس العربي-البربري، فقد جاء من تهجين بين السلالتين، وتتميز كلتاهما بالقدرة على التكيف مع محيطهما الطبيعي القاسي. وقد احتفظ المغاربة للفرس بمكانة متميزة، إذ يتعلقون به شغفا وحبا للزينة، ويرتبطون به في الأعياد والحفلات والمواسم الشعبية.
ولكي تظل "التبوريدة" حاضرة في أنحاء المملكة، يحرص الآباء والأجداد على نقل تجربتهم ومعارفهم إلى الأبناء والأحفاد من الذكور والإناث على حد سواء. وتجذب مهرجاناتها ومسابقاتها جمهورا كبيرا من مختلف الأعمار، يتابعون بشغف استعراضات فرق الخيالة "البواردية"، التي تنطلق على وقع الأهازيج الشعبية، مثل "الطقطوقة الجبلية" ووصلات "النفار" وفرق "الطبالة" و"الغياطة".
وتعنى مؤسسات عدة، مثل "الشركة الملكية لتشجيع الفرس"، بتنظيم هذه المسابقات التي تظهر، ضمن أمور أخرى، مدى تحكم الفارس في جواده.
تروي الحمري لوكالة الأناضول أنها اليوم "مقدمة" (قائدة) السربة النسوية التي تمثل مدينة القنيطرة (شمال غرب)، بعد أن ورثت هذا الشغف عن جدها الذي كان بدوره "مقدم سربة".
وتضيف: "كانت أمي تعشق التبوريدة لكن لم يسعفها الحظ لتركب الخيل، فحققنا لها أنا وأختي حلمها بأخذ المشعل من والدها، ولا نزال نتشبث بهذا التراث إلى يومنا هذا".
وتسترجع بداياتها: "بدأت التبوريدة منذ عام 2004، بعدما مارست القفز على الحواجز، ثم عشقتها. إنه حب وعشق، وأيضا وراثة من جد". وتشدد الحمري على ضرورة الحفاظ على هذا الموروث، لكي يظهر بأحسن حلة في المستقبل.
"ليست هناك منافسة مع الرجال في التبوريدة، وإنما هناك تكامل في لعب أدوار متعددة، فالمرأة تقدم صورة جميلة للميدان كما هو الشأن بالنسبة للرجل أيضا"، هكذا توضح الحمري رؤيتها لدور المرأة في هذا الفن.
وتزيد: "أتمنى أن يسود التعاون بين الرجال والنساء في هذا المجال، بحب واحترام ورأفة، دون حسد ولا منافسة غير شريفة، لأن الأمر يتعلق بفن مغربي أصيل، علينا أن نحافظ عليه رجالا ونساء".
وتوضح الحمري أن للتبوريدة تقاليدها وأعرافها الراسخة، وفي مقدمتها "الشياخة"، وهو مصطلح يعني التتلمذ على أيدي الخبراء الذين سبقوك إلى هذا الميدان. وتتابع: "أن تكون مقدما فذلك تكليف قبل أن يكون تشريفا، وهذه الهواية في حاجة إلى التعاون المادي والمعنوي".
وقد حرصت الحمري على المشاركة في مهرجان مدينة القنيطرة الثقافي، الذي أقيم بين 22 و24 أغسطس/آب الماضي، حيث نظمت مسابقة "التبوريدة" بمشاركة عشرات السربات التي تمثل مختلف أقاليم المملكة. وشهدت هذه المسابقة حضورا جماهيريا كبيرا، تفاعل بحماس خاصة مع اللحظة التي يطلق فيها الفرسان طلقات بنادقهم بشكل موحد، بناء على إشارة من "المقدم".