تعاني مدينة الفاشر انقطاعاً كاملاً في خدمات الاتصالات والإنترنت، منذ سيطرة “الدعم السريع” عليها في أواخر أكتوبر الماضي، إذ صادرت أجهزة الإنترنت الفضائي “ستارلينك”.
في وقت حذرت الأمم المتحدة من وجود تحضيرات جارية لاندلاع معارك وتصعيد جديد للقتال في منطقة كردفان، مما يزيد معاناة سكان هذا الإقليم الذين أنهكتهم الحرب منذ فترة طويلة، شن كل من الجيش وقوات “الدعم السريع”، أمس الجمعة، هجمات جوية ومدفعية على ثلاث مدن بشمال وغرب وجنوب كردفان هي الأبيض والنهود والدلنج. وبحسب مصادر عسكرية، فإن طيران الجيش قام بقصف مواقع لـ”الدعم السريع” في مدينة النهود بولاية غرب كردفان أسفر عن سقوط قتلى وتدمير عدد من المركبات القتالية.
في حين هاجمت “الدعم السريع” والحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو بالمدفعية الثقيلة مدينة الدلنج أبرز مدن جنوب كردفان، للمرة الثانية خلال 24 ساعة، كما قصفت مسيرة تابعة لـ”الدعم السريع” مواقع عدة في مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، التي ظلت تتعرض لقصف مستمر بالمسيرات بواسطة الأخيرة التي تتمركز في مناطق عدة حول المدينة.
في الأثناء، حملت مجموعة “محامو الطوارئ” “الدعم السريع” والحركة الشعبية – شمال المسؤولية الكاملة عن الهجوم الذي استهدف مدينة الدلنج وتسبب في مقتل ستة أشخاص وإصابة 12 آخرين بجروح متفاوتة. وأكدت المجموعة في بيان أن القصف العشوائي طاول أحياء سكنية ومرافق حيوية، مما أدى إلى تدمير جزئي للمستشفى التعليمي بالمدينة، مشيرة إلى أن هذا القصف جاء في وقت تعيش فيه المدينة حصاراً خانقاً من قبل القوتين المتحالفتين، مما ضاعف معاناة المدنيين وعرض حياتهم وحقهم في الرعاية الصحية والأمان للخطر. وعد البيان استهداف المدنيين والمنشآت الطبية جريمة حرب وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني الذي يحظر المساس بالمدنيين والمرافق الصحية تحت أي ظرف، مطالباً بوقف الانتهاكات فوراً، ورفع الحصار المفروض على المدينة، وضمان حماية السكان والمرافق الطبية.
ويسيطر الجيش على معظم ولاية جنوب كردفان ومدن كبرى في شمال كردفان مثل الأبيض، ومدن في غرب كردفان مثل بابنوسة، في حين تسيطر “الدعم السريع” على مدن بشمال كردفان مثل بارا والنهود والخوي في غرب كردفان، والدبيبات في جنوب كردفان.
في محور دارفور، استمرت موجات النزوح من مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، بسبب تفاقم الأوضاع الإنسانية، فضلاً عن تزايد أعمال العنف والانتهاكات في حق المدنيين في هذه المدينة المنكوبة إثر سيطرة “الدعم السريع” عليها أخيراً. ووفقاً لمنظمة “أطباء بلا حدود”، فإن نحو 300 شخص وصلوا إلى منطقة طويلة بولاية شمال دارفور، في وقت لا يزال بعض المدنيين عالقين في محيط الفاشر ومحتجزين مقابل فدية. وأشارت المنظمة إلى ارتفاع مستويات سوء التغذية بين الأطفال والبالغين في ظل تدهور الأوضاع الصحية والإنسانية داخل مخيمات النزوح، لافتة إلى أن المرضى الذين يتلقون العلاج في منشآتها تعرضوا لعنف مقلق، إذ تم تسجيل إصابات بطلقات نارية، وكسور، وآثار ضرب وتعذيب، بخاصة بين الأطفال دون سن الخامسة والنساء الحوامل، مما انعكس بصورة خطرة على صحتهم النفسية.
بحسب المتحدث باسم منسقية النازحين واللاجئين في إقليم دارفور آدم رجال فإن 193 أسرة جديدة وصلت من مدينة الفاشر إلى معسكر “كساب” بمحلية طويلة في ولاية شمال دارفور، وقال رجال في بيان “هذه الأسر فرت من ويلات الحرب التي تشهدها الفاشر، في وقت يعيش النازحون الجدد ظروفاً بالغة الصعوبة، ويعانون نقصاً حاداً في أبسط مقومات الحياة، بما في ذلك الغذاء والمأوى والرعاية الصحية. وأشار إلى أن أكثر من 150 امرأة تعرضن للاغتصاب والتحرش الجنسي خلال رحلة الفرار من الفاشر إلى طويلة، في حين بلغ عدد المصابين بالطلقات النارية أكثر من 1300 شخص، بينما يعاني أكثر من 1210 أطفال سوء التغذية، و700 من كبار السن من أوضاع صحية حرجة، وأشار رجال إلى أن عدد الناجين من الفاشر الذين وصلوا إلى منطقة طويلة يزيد على 15 ألف شخص، بعضهم يعاني أوضاعاً صحية سيئة جراء الإصابات والعنف.
ويأتي هذا التدفق الجديد في سياق موجات نزوح متواصلة منذ سيطرة “الدعم السريع” على مدينة الفاشر، مما أدى إلى تفريغها من سكانها المدنيين بصورة شبه كاملة. وتحولت طويلة منذ أبريل (نيسان) عام 2024، إلى مركز رئيس لتجميع النازحين الفارين من الفاشر، وتستضيف المنطقة آلاف الأسر في معسكرات عدة موقتة، وسط ظروف إنسانية متدهورة تتطلب تدخلاً عاجلاً من الجهات المعنية. وتعد طويلة من أبرز المناطق التي استقبلت النازحين خلال الأشهر الماضية، إذ تتزايد أعداد الوافدين بصورة يومية، مما يضغط على الموارد المحلية ويفاقم التحديات اللوجيستية والإنسانية.
إلى ذلك تعاني مدينة الفاشر انقطاعاً كاملاً في خدمات الاتصالات والإنترنت، منذ سيطرة “الدعم السريع” عليها في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إذ صادرت أجهزة الإنترنت الفضائي “ستارلينك”. وأشار مواطنين إلى أن “الدعم السريع” قامت عقب استيلائها على المدينة بمداهمة المنازل والمؤسسات الحكومية، بما فيها “المستشفى السعودي”، ومصادرة أجهزة “ستارلينك”، ونهب هواتف المدنيين داخل المدينة والفارين منها.
وبيّن هؤلاء المواطنون أن هذه القوات احتكرت خدمة الإنترنت تماماً، حيث تزود كل سيارة قتالية بجهاز “ستارلينك” يستخدم لأغراض شخصية، بينما يوظف بعض الجنود هذه الأجهزة في تصوير مقاطع فيديو للسكان ونشرها على منصات التواصل الاجتماعي بهدف طمأنة ذويهم.
وتعيش معظم أحياء المدينة بخاصة أولاد الريف والدرجة الأولى، إضافة إلى مركز الإيواء حالة من العزلة التامة عن العالم الخارجي، نتيجة حظر الاتصالات ونهب الهواتف، مما فاقم معاناة المدنيين في ظل غياب أي وسيلة للتواصل مع ذويهم.
في المحور نفسه، نفذ طيران الجيش هجوماً جوياً مكثفاً استهدف عدداً من المواقع التابعة لـ”الدعم السريع” في مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور، مما أدى إلى تدمير مخازن للسلاح والذخيرة وأجهزة التشويش الإلكترونية التي كانت تستخدمها تلك القوات في تعطيل الاتصالات والرصد الجوي. وأوضحت مصادر عسكرية أن هذه الضربات جاءت في ضوء تتبع تحركات تلك القوات المتمركزة في أطراف المدينة، بعد رصد تحركات عربات قتالية وتجمعات داخل مناطق مدنية تم تحويلها إلى مقار عسكرية. وأشارت المصادر ذاتها إلى أن هذه الضربات الجوية تمت بدقة متناهية لذلك نجحت في أهدافها، إذ تسببت في إرباك منظومات تلك القوات وأفقدتها السيطرة على اتصالاتها الميدانية.
المصدر:
الراكوبة