آخر الأخبار

"الموت البطيء" يحصد مرضى السودان

شارك الخبر
مصدر الصورة

تشهد مختلف مناطق السودان وضعاً صحياً حرجاً بسبب تفشي عديد من الأوبئة الفتاكة التي حصدت مئات الأرواح، مما زاد من معاناة المواطنين جراء الحرب المندلعة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” قرابة الـ18 شهراً، والتي أدت إلى خروج نحو 80 في المئة من المستشفيات عن الخدمة في مناطق النزاع النشطة و45 في المئة في المناطق الأخرى، فضلاً عن النقص الحاد في المعينات الطبية، والضعف الكبير في الاستجابة الدولية والمحلية لدرء هذا الخطر القاتل.

وحذرت منظمات محلية ودولية عدة عاملة في مجال المساعدات الإنسانية من تدهور الأوضاع الصحية في السودان بسبب انتشار الأمراض المختلفة بخاصة الكوليرا التي فاق مستوى وفياتها المعدل الطبيعي، في وقت يعاني نحو 25 مليون مواطن سوداني الجوع مما تسبب بسوء التغذية بين الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن.

فما حقيقة الوضع الصحي في البلاد؟ وما أنواع الأوبئة التي اجتاحتها وأخطارها وإمكان السيطرة عليها والحد من انتشارها؟

تدهور البيئة

تقول عضو لجنة أطباء السودان أديبة إبراهيم السيد إن “انتشار الأوبئة بهذه الصورة جاء نتيجة عدم وجود مراكز عزل، وخروج 90 في المئة من مستشفيات البلاد من الخدمة بسبب سيطرة قوات ’الدعم السريع‘ على معظمها وقصف طيران الجيش بعضها، فضلاً عن عدم وجود ممرات آمنة لإدخال المعينات الطبية وتوقف 57 منظمة تطوعية من الخدمة، ونزوح معظم الكوادر الصحية إلى داخل البلاد وخارجها من ويلات الحرب وتعرضها للموت والاعتقال أثناء تأدية عملها، إلى جانب التكدس في معسكرات النزوح ومراكز الإيواء، وتدهور البيئة وتلوث المياه، وتفشي المجاعة والنقص الواضح في جميع الأدوية خصوصاً المنقذة للحياة، إضافة إلى انتشار الجثث في الشوارع وغيرها من مخلفات الحرب وتراكم الأوساخ”. وتابعت “تعد حمى الضنك والكوليرا أكثر الأمراض انتشاراً وفتكاً، إذ سجل 244 حالة وفاة، و9738 إصابة في ولايات القضارف وشمال دارفور وكسلا وجنوب كردفان والخرطوم والجزيرة خلال الفترة من الـ15 من يوليو (تموز) إلى الـ27 من أكتوبر (تشرين الأول)، إلى جانب انتشار مرض سوء التغذية وسط الأطفال والأمهات، والملاريا وحميات أخرى مجهولة المصدر لانعدام المعامل وهجرة الفنيين. كما انتشر أيضاً مرض الطفح الجلدي والتهاب العين الحاد”.

وأردفت السيد “في الحقيقة أن الصورة قاتمة والوضع الصحي كارثي ومأسوي، إذ تشهد المستشفيات في معظم مدن الولايات المختلفة حالة تكدس للمرضى في ظل سوء البيئة الصحية، فضلاً عن تلوث المياه الذي أدى بدوره إلى انتشار أمراض مختلفة وكثيرة وسط الأطفال والأمهات وكبار السن، ومصابي الأمراض المزمنة”. وواصلت “هذا إلى جانب عدم توفر المعينات الطبية بالمستشفيات المتمثلة في الأدوية المنقذة للحياة وأدوية مرضى الكلى والقلب، والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، إضافة إلى انعدام المحاليل الوريدية (الدربات)، فعلى سبيل المثال يحتاج مريض الكوليرا إلى ما بين 50 و60 محلولاً في اليوم وعدم توفرها أدى إلى عدد كبير من الوفيات، لذلك نجد من الصعوبة حصر الوفيات بصورة دقيقة، فضلاً عن نقص الكوادر الطبية في المستشفيات مقارنة مع استقبال عدد كبير من المرضى والمصابين مما أدى إلى خلل كارثي ومأسوي”.

ولفتت عضو لجنة أطباء السودان إلى أن “هذا الوضع يتطلب من المنظمات الدولية والإنسانية الإسراع في توفير المعينات الطبية والأدوية المنقذة للحياة، وأن يقوم طرفا النزاع بفتح مسارات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية، فضلاً عن ضرورة عدم إقحام كل الكوادر الطبية في الصراع الدائر، والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين من الأطباء والمتطوعين في غرف الطوارئ، في وقت نجد أن الأطباء في وضع لا يحسدون عليه لتعرضهم لشتى أنواع الانتهاكات من قبل القوتين المتحاربتين”.

انهيار كامل

في السياق أوضح الناشط الاجتماعي عروة الصادق أن “الأوبئة التي تنتشر في كل مناطق البلاد تهدد حياة الملايين، وتضع ضغطاً هائلاً على النظام الصحي الهش والبنية التحتية المتآكلة أو المدمرة بفعل الحرب، وقد انتشرت الكوليرا بصورة مرعبة في عديد من المدن مثل كسلا والدبة والدامر وكوستي والدويم والخرطوم، وهناك ولايات خارج الرصد الصحي للحكومة أو المنظومة الصحية العاملة فيها، وهي من أخطر الأوبئة التي انتشرت بصورة واسعة في السودان، كما انتشرت حميات الضنك والملاريا التي أودت بعدد كبير من المواطنين، فضلاً عن الحصبة وسط الأطفال لغياب التحصين الدوري وضياع مخزون كبير من الأمصال أو تلفها أو عدم وصولها نتيجة الحرب”.

وأضاف الصادق “كذلك ينتشر الإسهال المائي الحاد بخاصة في مناطق الاكتظاظ السكاني ودور الإيواء والمناطق التي تأثرت بالخريف وارتفاع منسوب النيل، كما يعاني كثير من السودانيين سوء التغذية لا سيما الأطفال بسبب نقص الغذاء النظيف والمياه الصالحة للشرب، إضافة إلى أمراض فقر الدم والأنيميا بين النساء الحوامل. وللأسف حتى المصابين جراء العمليات العسكرية يموتون بأسباب بسيطة كالنزف والإصابات الطفيفة لانعدام توفر الطبابة المناسبة وهجرة مختصي الأوعية الدموية والجراحين”. وزاد “كما أدى سوء التغذية وعدم توافر الرعاية الطبية لكبار السن إلى ضعف جهاز المناعة، مما جعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض والموت، إذ تزايدت نسب وفاتهم بصورة مزعجة، ونجد أن نقص الأدوية والمستلزمات الطبية وانعدام المعينات الطبية الأولية في المرافق الصحية يعد من أسباب الانهيار الكامل والعجز في مداواة المرضى. كذلك أدى انعدام الأدوية والأمصال المضادة للفيروسات إلى تفشي الأمراض الفيروسية، كما تسبب الإهمال لمرضى غسل الكلى إلى وفاة جزء كبير منهم جراء توقف عدد كبير من مراكز العناية الداعمة والغسل. وللأسف لجأ البعض لاستخدام وصفات تقليدية وأنماط علاج متخلفة تسببت في وفاة عدد منهم، فضلاً عن اتجاه آخرين إلى معالجة الكسور بالطرق التقليدية مما أدى إلى تلف أعضاء بعض المرضى وبترها”.

وختم الناشط الاجتماعي “في المقابل تشهد المستشفيات نقصاً في الإمدادات والمستلزمات الطبية الأساسية، مما حد من قدرتها في تقديم الرعاية الصحية اللازمة للمرضى، وقد تعرض عديد من المستشفيات والمرافق الصحية للتدمير أو التخريب نتيجة للحرب، لذا هناك نقص في الأسرة والغرف الجراحية والمختبرات، فضلاً عن فرار عديد من الأطباء والكوادر الطبية المتخصصة من البلاد. كما شكل الانقطاع الدائم للمياه والكهرباء من المستشفيات سبباً رئيساً في تردي جودة الخدمات المقدمة، فالمركز الصحي كمستشفى ’البلك‘ للأطفال يتعرض للانقطاع الكهربائي بصورة شبه يومية، بخاصة أنه أصبح المستشفى المرجعي الوحيد للأطفال في كل محليات أم درمان، وهناك مستشفيات صارت عبارة عن أكوام للدمار والخراب حتى مستشفى الولادة الرئيس في أم درمان بعد أن تم افتتاحه تعرض للقصف المدفعي مما جعل المستشفى الوحيد العامل الآن في هذه المدينة هو المستشفى السعودي وجزء صغير في مستشفى ’النو‘ وبعض المراكز التخصصية التجارية”.

استقرار نسبي

من جانبه أشار مدير عام وزارة الصحة في ولاية شمال دارفور إبراهيم عبدالله خاطر، إلى أن “الوضع الصحي في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور مستقر نسبياً حتى الآن، إذ لا يوجد أي مرض يهدد حياة المواطنين سواء الكوليرا أو غيرها، فحتى الملاريا نجد أن معدلات الإصابة بها أقل من العام السابق، لكن المهدد الوحيد هو القصف المدفعي من قبل ’الدعم السريع‘ تجاه المؤسسات الصحية ومراكز إيواء النازحين والأحياء الآمنة، مما أدى إلى إصابات بالغة لعدد كبير من المدنيين مما شكل عبئاً ثقيلاً على قطاع الصحة في الولاية”. وتابع “حالياً لا يوجد وباء في الفاشر، لكننا وضعنا كل الاحتياطات اللازمة في حال ظهور أي نوع من الأمراض، من خلال التعاون والتنسيق بين وزارة الصحة الولائية والوزارة الاتحادية والشركاء المحليين والدوليين التابعين للمنظمات العاملة في هذا المجال”. ومضى “بالنسبة إلى المستشفيات في المدينة فإن كثيراً منها خرج من الخدمة، والآن توجد ثلاث مؤسسات صحية تقدم خدمات الرعاية الصحية الثانوية، وثمانية مراكز صحية للرعاية الأولية. أما على مستوى الولاية فهناك نحو 18 مستشفى ريفياً يعمل بالجهود الذاتية مع دعم بسيط من المنظمات المحلية والدولية”.

ونوه بأن هناك نقصاً في مجال الأدوية الأساسية والخاصة بالأطفال أقل من خمس سنوات، في وقت تقوم القوات المسلحة السودانية بجهود كبيرة في توفير كمية معقولة من الأدوية المختلفة حيث تلبي حاجة المرضى كافة.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك الخبر

إقرأ أيضا