لم تتوقف الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، عند القصف والرصاص والحصار المطبق فحسب، بل إن حربا من نوع آخر يتعرض لها الغزيون في القطاع، تتجلى في تصاعد عمليات تهريب ممنهجة للمخدرات، في محاولة لإغراق القطاع الذي يئن تحت وطأة أزمات طاحنة، في وحل هذه الآفة المدمرة.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر أمنية في غزة عن تكثيف قوات الاحتلال الإسرائيلي عمليات تهريب أنواع عدة من المخدرات إلى قطاع غزة، عبر متعاونين معه داخل وخارج مناطق سيطرته، لا سيما الميليشيات المسلحة التي تتمركز خارج الخط الأصفر.
وأكدت المصادر أن قوات الاحتلال تستخدم طرقا وأساليب متنوعة غطاء لتهريب كميات هائلة من المخدرات إلى قطاع غزة، أبرزها قوافل المساعدات التي تدخل إلى قطاع غزة، وشاحنات القطاع التجاري، والتي تعبر من المنافذ التي يسيطر عليها الاحتلال على الحدود مع القطاع.
وذكر مصدر على صلة بهذا الملف في تصريح أن قوات الاحتلال تتعمد دس المخدرات والممنوعات داخل البضائع المدنية والمنتجات الغذائية التي تدخل إلى غزة، من بينها المعلبات والعبوات الغذائية الأخرى، خصوصا تلك المعبأة في صناديق معدنية أو علب من الكرتون المقوى.
مسارات التهريب وحول مسارات تهريب المخدرات، كشف المصدر أن معبر كيسوفيم الواقع شرق دير البلح وسط قطاع غزة يشكل أبرز المواقع التي تدخل منها تلك المواد ضمن عمليات منظمة ومنسقة يشرف عليها جيش الاحتلال بالتنسيق غير المباشر مع بعض التجار، أو بشكل مباشر مع عملاء له داخل القطاع.
وشدد على أن بعض التجار من ضعاف النفوس يقومون بالتنسيق مع وسطاء هم في الأساس عملاء ومتعاونين مع الاحتلال لتهريب المخدرات إلى قطاع غزة، مشيرا إلى أنه جرى رصد حالات لتوريط جمعيات خيرية، وتجار لا علم لهم بعمليات التهريب، عبر دس شحنات من المخدرات أو الممنوعات داخل بضائع مستوردة لصالحهم دون علمهم.
ولفت المصدر على أن التهريب لا يقتصر على المعابر الحدودية، بل يجري جوا أيضا عبر الطائرات المسيرة الصغيرة، مؤكدا أن هذه الطريقة تعد أسلوب تهريب جديد في غزة جرى رصده خلال الحرب على غزة وبعد انتهائها أيضا.
ومفصلا حول هذا الأسلوب قال المصدر: "جرى رصد حالات لتهريب المخدرات في منطقة العلم غرب مدينة رفح، حيث تحلق طائرات مسيرة فوق الحدود في مناطق سيطرة جيش الاحتلال، محملة بكميات صغيرة من المخدرات، ومن ثم تعبر داخل القطاع، ليقوم باستلامها تجار المخدرات أو عملاء، يوزعونها لاحقا على المتعاطين".
وشدد على أن قوات الاحتلال تحاول منع استخدام هذه الطريقة لتهريب المخدرات، وفي المقابل تفتح الباب واسعا أمام التهريب من المعابر، وذلك خشية أن تتحول عمليات التهريب جوا للمخدرات إلى تهريب وسائل قتالية.
وشدد على أن قوات الاحتلال التي تمنع دخول أصناف عدة من المواد الأساسية اللازمة والمنقذة للحياة إلى قطاع غزة، كماد الإيواء والمستلزمات الطبية، وتقوم بإرجاع أو مصادرة أي منها حال وصولها إلى المعابر التي يسيطر عليها، تسهل دخول المخدرات إلى القطاع بل هي من تشرف على تهريبه وترتيب توزيعه وبيعه لاحقا في قطاع غزة.
وأضاف: "لا يمكن للإبرة أن تدخل قطاع غزة إلا بعد خضوعها للفحص الأمني الدقيق بأجهزة فائقة التطور نصبتها قوات الاحتلال على المعابر التي يسيطر عليها، وهذا دليل كاف على تورطه في إدخال المخدرات إلى قطاع غزة"، مشيرا إلى اعترافات وأدلة ضبطتها الأجهزة الأمنية تعزز وقوف الاحتلال وراء هذا العمليات التي تهدف إلى النيل من شبان غزة وتدميرهم عبر تعاطي المواد المخدرة.
أنواع المخدرات بدوره، قال مصدر مسؤول في جهاز مكافحة المخدرات في غزة، إن الجهاز ضبط خلال الفترة الأخيرة كميات كبيرة من المخدرات، أبرزها مخدر الحشيش، والماريجوانا، إلى جانب تشكيلة من الحبوب المخدرة الأخرى، كحبوب روتانا، وحبوب السعادة "اكستازي"، والترامادول التجاري.
وشدد المصدر على التهريب وصل أيضا إلى السجائر وأنواع عدة من "المعسل" الذي يجري تهريبه عبر معلبات صلصلة البندورة.
"القبضة الأمنية" وشكلت القبضة الأمنية الشديدة، والأحكام العالية التي قد تصل إلى الإعدام رادعا حقيقيا أمام عمليات تهريب المخدرات إلى قطاع غزة قبل حرب الإبادة الجماعية، ما أسهم بشكل كبير في تقليل نسبة تجارة المخدرات وتعاطيها في المجتمع الغزي، لكن الأوضاع مختلفة حاليا، إذ تنتشر تجارة المخدرات وتعاطيها على حد سواء، بفعل تراخي القبضة الأمنية نسبيا، وتعمد الاحتلال على مدار حرب استهداف الفرق والعناصر الأمنية والشرطية، في محاولة لخلق حالة من الفوضى والفلتان الأمني.
لكن منذ بدء سريان وقف إطلاق النار في غزة في الـ11 من الشهر الماضي، عاد نشاط الأجهزة الأمنية تدريجيا، خصوصا جهاز مكافحة المخدرات، الذي يقوم بعمليات دهم وتفتيش واسعة لأوكار ترويج وتعاطي المخدرات، فضلا عن قيامه بعمليات اعتراض وملاحقة للشحنات التي يجري تهريبها إلى قطاع غزة.
المصدر:
القدس