تشهد المناطق الحدودية الشرقية لفلسطين المحتلة مع الأردن تحركات عسكرية إسرائيلية مكثفة وحالة من الاستنفار غير المسبوق في صفوف جيش الاحتلال، وتأتي هذه التطورات في ظل مزاعم أمنية إسرائيلية تروج لاحتمالية استغلال فصائل عراقية أو جماعة الحوثي في اليمن للأراضي الأردنية كمسار لتنفيذ عمليات هجومية ضد أهداف إسرائيلية.
وكشفت وسائل إعلام عبرية أن جيش الاحتلال شرع فعلياً في إعادة انتشار قواته على طول الشريط الحدودي الشرقي، متخذاً قراراً بإعادة تشغيل مواقع عسكرية كانت قد أهملت وأصبحت مهجورة منذ توقيع اتفاقية التسوية مع الأردن عام 1994. وفي إطار هذه التحركات، تم تشكيل خمسة ألوية جديدة تتألف من جنود الاحتياط القدامى الذين تم استدعاؤهم للتطوع في مهام المراقبة والحراسة. يذكر أن الاحتلال كان يحتفظ بنحو 46 موقعاً عسكرياً متقدماً على امتداد منطقة وادي الأردن خلال فترات الحروب السابقة لمنع عمليات التسلل، إلا أنه قام بإخلائها تدريجياً استناداً لتقديرات سابقة باستقرار الحدود.
وأشارت التقارير إلى أن العقيدة العسكرية التي سادت لدى الاحتلال خلال تسعينيات القرن الماضي كانت تعتبر هذه النقاط الحدودية غير ضرورية، نظراً لحالة الهدوء والمصالح المشتركة على ضفتي النهر. وكانت التقديرات الإسرائيلية تعول بشكل كبير على الجهود الأردنية في الجانب الشرقي لضبط الحدود ومنع أي عناصر معادية من الوصول إلى الضفة الغربية، حيث اعتبرت تل أبيب أن عمان تبذل جهوداً حثيثة لتأمين المنطقة.
وأحدثت عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023 تغييراً جذرياً في الحسابات الأمنية الإسرائيلية؛ فقد دفع الهجوم المباغت رئيس أركان جيش الاحتلال السابق هرتسي هاليفي إلى تشكيل فريق خاص عُرف بـ"الفريق الأحمر" لدراسة السيناريوهات المحتملة لهجمات من جبهات غير متوقعة. وخلصت نتائج هذا الفريق إلى تصنيف الحدود الشرقية كواحدة من أكثر الجبهات هشاشة وضعفاً، مما استوجب قراراً فورياً بإعادة بناء المنظومة الدفاعية بالكامل في تلك المنطقة.
وفي سياق الإجراءات الميدانية، أعاد جيش الاحتلال تأهيل تحصينات قديمة تعود لحقبة حرب الاستنزاف، شملت جدرانًا مدعمة بالحصى والشبكات المعدنية، وأنفاقاً ضيقة، وقنوات اتصال محصنة. وبحسب قادة ميدانيين في جيش الاحتلال، فإن هذه المواقع التي كانت مكباً للنفايات قبل أسابيع، باتت اليوم مجهزة بأنظمة رصد وإطلاق نار متطورة، وتديرها طواقم مختلطة. ويسعى الاحتلال لتجنب تكرار سيناريو انهيار المواقع العسكرية في غلاف غزة، من خلال جعل تحصينات الحدود الأردنية أكثر متانة واستعداداً.
وتنظر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بقلق إلى طبيعة التضاريس في منطقة الأغوار ووادي الأردن، حيث تغطي النباتات الكثيفة قاع الوادي مما قد يشكل ساتراً طبيعياً، ورغم أن التلال المطلة توفر مجال رؤية واسع لجيش الاحتلال، إلا أن التضاريس المتقطعة قد تمنح المتسللين غطاءً للحركة. ولمواجهة ذلك، أعاد الاحتلال سيطرته على التلال الحاكمة وأنشأ عشرات المواقع الأمامية لضمان تغطية نارية ومراقبة شاملة للمنطقة.
وتندرج هذه التعزيزات ضمن مخاوف تل أبيب مما تصفه بـ"التهديد الإيراني" ومحاولات طهران تطبيق استراتيجية "طوق النار" حول الكيان الإسرائيلي. وتزعم التقارير العبرية أن إيران لم تتخلَ عن خطط قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، وتسعى لاستخدام الحدود الأردنية كمنصة لاستهداف الاحتلال عبر وكلاء إقليميين، مما يجعل الحدود الأردنية-الفلسطينية واحدة من أكثر الجبهات توتراً وحساسية في الوقت الراهن.
وضمن خطة إعادة الهيكلة الدفاعية، يعمل الاحتلال على تأسيس ما أسماه "كتائب داود"، لتكون القوة الضاربة لفرقة "جلعاد" العاملة على الحدود الشرقية. ويتم تسليح عناصر هذه الكتائب من جنود الاحتياط بأسلحة خفيفة يحتفظون بها في منازلهم لضمان سرعة الاستجابة والالتحاق بقواتهم فور صدور الأوامر، وهو نموذج يهدف لتجاوز المعوقات اللوجستية وتقليص زمن الوصول إلى خطوط المواجهة.
وبالتوازي مع التحشيد البشري، بدأت وزارة أمن الاحتلال بتشييد جدار أمني جديد يمتد على طول 500 كيلومتر من جنوب الجولان المحتل وحتى إيلات جنوباً، بتكلفة تقدر بـ 5.5 مليار شيكل. وقد تم تسريع العمل في هذا المشروع، خاصة في المناطق المصنفة كنقاط تهريب نشطة قرب طبريا، وذلك بأوامر مباشرة من رئاسة الأركان التي استبقت الجدول الزمني خشية ردود فعل إيرانية عبر الأراضي الأردنية.
المصدر:
القدس