آخر الأخبار

المرحلة الثانية ... مسار أمريكي لتكريس الحلول المؤقتة وفرض الإدارة الخارجية

شارك

د. دلال عريقات: الخطر يكمن بنجاح المرحلة الثانية وفق شروط أمريكية إسرائيلية تُعيد إنتاج غزة كأزمة إنسانية مُدارة لا كقضية تحرر وطني

د. قصي حامد: الانتقال للمرحلة الثانية الاختبار الحقيقي لتنفيذ الاتفاق وترمب يدفع نحو تقدمها بما يخدم رؤيته رغم إدراكه تعقيدها

د. رائد أبو بدوية: الإعلان ليس بروتوكولياً بل محاولة لفرض الهيمنة الأمريكية على مسار المرحلة الثانية وتثبيت وقف النار ومنع التصعيد

د. جمال حرفوش: الانتقال للمرحلة الثانية دون تثبيت التزامات المرحلة الأولى تجاوز خطير لقواعد حسن النية في تنفيذ الاتفاقات الدولية

د. سعيد شاهين: إسرائيل تنافس رغبة ترمب في النفوذ الكامل على قطاع غزة لتشاركه في الاستحواذ على ثرواته وليس لدوافع أمنية

د. رائد الدبعي: التركيز على ترتيبات الحكم قبل الحديث عن إنهاء الاحتلال يُحوّل الأزمة الإنسانية بغزة إلى مدخل لفرض إدارة خارجية

يعيد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قُرب بدء تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار قبل حلول أعياد الميلاد المخاوف من تشكيل المشهد السياسي المتعلق بقطاع غزة وهندسة "اليوم التالي" بمعزل عن الفلسطينيين.

ويشير كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، إلى مخاوفهم من محاولة لفرض إيقاع أمريكي خاص على مسار ما بعد الحرب، ووضع واشنطن في موقع الموجه المركزي للمرحلة المقبلة، سواء في ضبط التهدئة أو في تحديد طبيعة الإدارة التي ستُفرض على القطاع.

ويرون أن استعجال واشنطن في الانتقال للمرحلة الثانية لا يعكس مجرد حرص على تثبيت وقف إطلاق النار، بل يحمل أبعاداً أعمق ترتبط بقطع الطريق على أي تحرك دولي قد يطالب بمساءلة إسرائيل، والتأكيد على بقاء الولايات المتحدة الطرف المهيمن على مسار الترتيبات الأمنية والسياسية.

في المقابل، تتعاظم المخاوف الفلسطينية من أن يتحول هذا المسار إلى بوابة لفرض إدارة خارجية على غزة، أو لإبقاء القطاع في حالة تهدئة هشة بلا أفق سيادي أو سياسي.

مؤشر سياسي مركّب لا خطوة تقنية

تؤكد أستاذة الدبلوماسية وحل الصراعات في الجامعة العربية الأمريكية د.دلال عريقات أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بدء ترتيبات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة قبل أعياد الميلاد ليس خطوة تقنية أو ظرفية، بل مؤشر سياسي مركّب يعكس توظيفاً منظماً للبعدين الإنساني والديني في خدمة أجندة استراتيجية أمريكية تسعى إلى تثبيت دور واشنطن كقوة مهيمنة على مسار الأزمة، دون تقديم أي التزام فعلي بإنهاء الاحتلال أو فتح مسار سياسي حقيقي.

وتوضح أن الإدارة الأمريكية تستثمر توقيت الأعياد لتلميع صورة ترمب أمام الرأي العام الغربي وتقديم التهدئة كمنّة سياسية، في الوقت الذي يُفترض فيه أن تكون وقف الحرب ورفع الحصار استحقاقات قانونية وحقوقية للفلسطينيين.

وترى عريقات أن هذا التوظيف العاطفي يهدف إلى تحويل معاناة غزة من ملف عدوان واحتلال إلى مادة علاقات عامة سياسية.

وترى عريقات أن توقيت الإعلان يعكس أيضاً محاولة أمريكية واضحة لاستباق الضغوط الدولية، سواء داخل مجلس الأمن أو في المحافل الأممية، لمنع تشكّل إرادة دولية تطالب بمساءلة أو محاكمات أو وقف شامل للحرب. ووفق عريقات، تسعى واشنطن لإعادة تدوير نفسها كوسيط "لا يمكن تجاوزه"، رغم كونها شريكاً مباشراً في العمليات العسكرية والدعم السياسي لإسرائيل.

كما ترى أن جوهر التحرك الأمريكي لا يهدف إلى حل جذري للصراع، بل إلى إدارة الأزمة على مراحل، بما يضمن منع الانفجار الإقليمي ويحافظ على توازن ميداني يخدم الأمن الإسرائيلي قبل أي اعتبار آخر، مع إبقاء غزة في دائرة "التهدئة الهشّة" بعيداً عن أي أفق سيادي أو سياسي حقيقي.

ثلاثة سيناريوهات محتملة للمرحلة الثانية

وبشأن السيناريوهات المحتملة للمرحلة الثانية، تشير عريقات إلى ثلاثة مسارات رئيسية، جميعها محفوفة بالمخاطر، السيناريو الأول –وهو الأخطر– يقوم على تثبيت تهدئة طويلة دون مسار سياسي، تُدار فيها غزة عبر ترتيبات إنسانية بينما يبقى الحصار قائماً جزئياً، ما يؤدي إلى تكريس واقع "غزة بلا سيادة" وتحويلها إلى ملف إغاثي دائم، إضافة إلى خطر مصادرة أجزاء من أراضيها.

أما السيناريو الثاني، وفق عريقات، فيربط المرحلة الثانية بترتيبات أمنية دولية، تشمل قوة استقرار وإعادة تشكيل الإدارة في غزة ومسار إعمار مشروط سياسياً، ما يعني عملياً فرض حلول فوقية وتهميش منظمة التحرير والقرار الوطني الفلسطيني.

في حين يبقى السيناريو الثالث –الأفضل وطنياً لكنه الأضعف دولياً– وهو بحسب عريقات تحويل وقف إطلاق النار إلى مدخل لمسار سياسي شامل يربط غزة بالضفة والقدس، ويُنهي الانقسام، ويؤسس لعملية سياسية تقوم على إنهاء الاحتلال.

وتؤكد عريقات أن الخطر الحقيقي لا يكمن في فشل المرحلة الثانية، بل في نجاحها وفق شروط أمريكية–إسرائيلية تُعيد إنتاج غزة كأزمة إنسانية مُدارة، لا كقضية تحرر وطني، ما يجعل مواجهة "تطبيع الكارثة" مهمة سياسية مركزية للفلسطينيين في المرحلة المقبلة.

أبعاد متشابكة وسيناريوهات معقدة

يوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس المفتوحة د. قصي حامد أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب البدء بترتيبات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة قبيل أعياد الميلاد، يحمل أبعاداً متشابكة تتعلق بإنهاء الحرب، وإدارة غزة، ومستقبل التوازنات السياسية داخل إسرائيل والمنطقة، إضافة إلى سيناريوهات معقدة تلوح في الأفق بشأن "اليوم التالي".

ويرى حامد أن إعلان ترمب يحمل ثلاث دلالات محورية، الأولى تتعلق برغبة واشنطن في إغلاق ملف الحرب الراهنة في غزة، تمهيداً للانتقال إلى ترتيبات جديدة تشمل نزع سلاح حركة حماس، وإعادة تشكيل إدارة القطاع، وتثبيت قوة سلام دولية تشرف على المرحلة المقبلة.

ويعتبر أن ترمب يسعى من خلال ذلك إلى تحرير جدول أعماله الدولي للتركيز على ملفات كبرى تشمل الصين وروسيا وأوكرانيا، إلى جانب دفع اتفاقات اقتصادية جديدة مع دول عربية.

أما الدلالة الثانية وفق حامد، فإنها مرتبطة بمخاوف واشنطن من عزم بنيامين نتنياهو الالتفاف على الاتفاق وإطالة أمد المرحلة الأولى من الاتفاق، كونها حققت له مكسباً مركزياً هو استعادة الأسرى الإسرائيليين.

ويشير حامد إلى أن نتنياهو يناور لإبقاء الحرب بصيغة عمليات محدودة تضمن استمرار الضغط العسكري، وتوظيف ذلك في معاركه السياسية الداخلية، سواء عبر استثمار الملف للضغط على واشنطن بشأن العفو من المحاكمات الجارية ضده، أو عبر استخدام استمرار الحرب كأداة لترتيب موقعه في المرحلة المقبلة للانتخابات الإسرائيلية.

وتتمثل الدلالة الثالثة، وفق حامد، في الضغوط العربية والإسلامية على الإدارة الأمريكية، وخصوصاً من مجموعة الثمانية، لإلزام إسرائيل بالانتقال إلى المرحلة الثانية وتثبيت وقف إطلاق النار، في ظل مخاوف من انهيار التفاهمات القائمة إذا استمر التعطيل الإسرائيلي، فيما يؤكد حامد أن الانتقال إلى المرحلة الثانية لن يكون سهلاً.

ويشير حامد إلى ثلاثة سيناريوهات محتملة، جميعها محاط بتعقيدات كبيرة، السيناريو الأول يتمثل في رفض نتنياهو أو تباطؤه في تنفيذ المرحلة الثانية أو وضع عراقيل أمام تنفيذها.

أما السيناريو الثاني، وفق حامد، فيتعلق بإمكانية لجوء نتنياهو إلى إعادة التصعيد العسكري في غزة، إذا واجه مأزقاً سياسياً داخلياً أو شعر بتهديد من مسار محاكمته، وقد يكون هذا التصعيد محدوداً لكنه متكرر بهدف إعادة خلط الأوراق.

ويبيّن أن السيناريو الثالث يرتبط باحتمال رفض "حماس" مبدأ نزع سلاحها، ما يفتح الباب أمام مواجهة مباشرة بينها وبين المجتمع الدولي أو مع القوة الدولية المفترضة، الأمر الذي قد يؤدي إلى توتر واسع يعقّد أي تقدم في عملية تثبيت المرحلة الثانية.

ويشير حامد إلى أن "شكل إدارة قطاع غزة" يمثل أحد أكبر التحديات في المرحلة المقبلة، في ظل فجوة واضحة بين الرؤية الإسرائيلية والمطالب العربية، وبينهما خطة ترمب نفسها، لافتاً إلى وجود مقترحات عدة، من بينها منح السلطة الفلسطينية دوراً جزئياً في إدارة مناطق محددة ضمن إطار إصلاحي، أو تشكيل لجنة تكنوقراط تتبع لمجلس السلام الدولي بطابع فلسطيني، بما قد يشكل حلاً وسطاً لإرضاء الأطراف كافة.

ويبيّن حامد أن نتنياهو يحاول الحفاظ على واقع تقسيم غزة إلى منطقتين شرقية وغربية، لتجنب الذهاب نحو ترتيبات جديدة تعيد توحيد إدارة القطاع، فيما تظل قضية نزع السلاح عقبة رئيسية أمام أي تقدم.

ويرى حامد أن الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار يمثل الاختبار الحقيقي لتنفيذ الاتفاق، فهو يشمل الانسحاب الإسرائيلي، ونزع سلاح حماس، وإدارة غزة، وهي ملفات يدرك ترمب أنها شديدة التعقيد، ومع ذلك يدفع نحو تقدمها بما يخدم رؤيته لترتيب المنطقة.

سعي واشنطن لفرض إيقاع سريع على الملف الغزي

يؤكد أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة العربية الأمريكية د.رائد أبو بدوية أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قرب البدء بتنفيذ المرحلة الثانية من ترتيبات وقف إطلاق النار في قطاع غزة قبل أعياد الميلاد يشكّل خطوة استراتيجية متعددة الأبعاد، تتجاوز الجانب الإجرائي إلى محاولة واضحة لفرض السيطرة الأمريكية على مسار التسوية والتحكم بموازين القوى داخل غزة وحولها.

ويوضح أن الإعلان جاء في إطار سعي واشنطن لفرض إيقاع سريع على الملف الغزي، بما يضمن تثبيت وقف إطلاق النار قبل أي تدخلات إسرائيلية قد تعطل الخطة الأمريكية، ويعزز قدرة الولايات المتحدة على الظهور باعتبارها صاحبة القرار الأساسي في رسم شكل المرحلة المقبلة.

ويرى أبو بدوية أن الإعلان المبكر يمارس ضغطاً مباشراً على الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو، إذ يحد من هامش العودة إلى التصعيد العسكري الذي قد يُفشل الرؤية الأمريكية، ويدفع إسرائيل للتوافق مع الجدول الزمني الذي تفرضه واشنطن.

ويشير أبو بدوية إلى أن واشنطن تسعى أيضاً إلى تقليص قدرة القوى الإقليمية على التأثير في غزة خلال مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، عبر إدارة مشهد انتقالي تحت إشراف دولي–أمريكي يضمن حماية مصالحها في المنطقة.

ويرى أن إعلان ترمب أدى إلى دفع الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها "حماس"، إلى تقديم مواقف متعلقة بسلاحها وشروط تسليمه، وهو ما يمنح الولايات المتحدة قدرة إضافية على التحكم بالمرحلة الثانية دون إقصاء الحركة عن كونها طرفاً تفاوضياً مركزياً.

ويعتقد أبو بدوية أن تصريحات "حماس" الأخيرة بشأن رفض نزع سلاحها قد تفتح الباب أمام منح السلطة الفلسطينية دوراً رمزياً أو محدوداً في إدارة القطاع مدنياً، خصوصاً في الملفات المتعلقة بالمعابر والخدمات وإعادة الإعمار، بما يعي صبغة "شرعية فلسطينية" على العملية الانتقالية من دون أن تكون السلطة محوراً رئيسياً فيها.

ويلفت إلى أن تصريحات وزير الخارجية المصري المتعلقة بالإسراع في نشر قوة استقرار دولية تأتي في إطار التوجه الأمريكي نفسه، إذ يشكل الدور المصري جزءاً من شبكة ضامنين دوليين متوافقة مع الأهداف الأمريكية.

وفي ما يتعلق بالسيناريوهات المتوقعة، يرى أبو بدوية أن واشنطن تبدو قادرة على فرض جدولها الزمني على حكومة الاحتلال، ما يتيح لها تثبيت وقف إطلاق النار ومنع أي تصعيد جديد، إلى جانب إدارة انتقالية خليطة تشرف على الخدمات والمعابر وإعادة الإعمار تحت إشراف دولي–إقليمي منسق، مع مشاركة فلسطينية مدنية محدودة.

وبحسب أبو بدوية، فإن واشنطن ستسعى للتوازن بين النفوذين السياسي والعسكري لـ"حماس" وضمان المصالح الأمنية الإسرائيلية، خاصة في ما يتعلق بالحدود ومنع تهريب الأسلحة.

ويرى أن إعلان ترمب ليس خطوة إدارية بروتوكولية، بل محاولة واضحة لفرض الهيمنة الأمريكية على مسار المرحلة الثانية، وتثبيت وقف إطلاق النار، ومنع التصعيد، وإعادة ضبط مواقف الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية ضمن إطار دولي–إقليمي متوافق، مع احتمالية منح السلطة الفلسطينية دوراً رمزياً في إدارة القطاع.

دلالات سياسية وقانونية وجيوسياسية عميقة

يرى أستاذ مناهج البحث العلمي والدراسات السياسية في جامعة المركز الأكاديمي للأبحاث في البرازيل البروفسور د.جمال حرفوش أن إعلان ترمب لا يمكن التعامل معه بوصفه خطوة تقنية في مسار التهدئة، بل يحمل دلالات سياسية وقانونية وجيوسياسية عميقة تعكس توجهاً لإدارة الصراع لا لإنهائه.

ويوضح أنّ الإعلان يأتي في لحظة سياسية حرجة، تحاول فيها الولايات المتحدة إعادة تثبيت دورها كراعٍ حصري لمسار التسويات في الشرق الأوسط، على الرغم من التراجع الحاد في شرعيتها الأخلاقية بسبب ما شهدته غزة من جرائم وانتهاكات.

ويشير حرفوش إلى أن توقيت الخطوة يرتبط أيضاً بالداخل الأمريكي، حيث يسعى ترمب إلى توظيف الملف الفلسطيني في سياق الصراع الانتخابي، وإعادة تقديم نفسه بوصفه صاحب "الصفقات الكبرى"، حتى وإن بدا ذلك على حساب قواعد القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني.

وعلى الصعيد القانوني، يشير حرفوش إلى أن الانتقال إلى المرحلة الثانية من دون تثبيت التزامات المرحلة الأولى، خصوصاً ما يتعلق بوقف شامل لإطلاق النار، وفتح الممرات الإنسانية، وانسحاب القوات الإسرائيلية، يُعد تجاوزاً خطيراً لقواعد حسن النية في تنفيذ الاتفاقات الدولية، كما ورد في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات.

ويرى حرفوش أن هذا النهج يثير مخاوف من استخدام المرحلة الثانية كغطاء سياسي لإعادة تدوير الاحتلال بصيغة جديدة تُحافظ على السيطرة دون تحمل كلفة الاحتلال العسكري المباشر.

أما جيوسياسياً، فيرى حرفوش أن الإعلان قبل أعياد الميلاد يحمل رمزية محسوبة تهدف إلى إظهار الولايات المتحدة كقوة "صانعة للسلام"، بينما تواصل الوقائع الميدانية في غزة تكذيب هذا الخطاب، وسط استمرار الدمار والانتهاكات واتساع الفجوة بين التصريحات السياسية والحقيقة على الأرض.

وفي ما يتعلق بالسيناريوهات المحتملة للمرحلة الثانية، يعرض حرفوش ثلاثة مسارات رئيسية: أولها سيناريو "التسوية المشروطة" الذي يتضمن انسحاباً تدريجياً وإدارة انتقالية وإعادة إعمار، لكنه يظل ضعيف الاحتمال في ظل غياب الإرادة الإسرائيلية والانحياز الأمريكي.

أما السيناريو الثاني، وفق حرفوش، وهو الأكثر تداولاً، فيتعلق بإدارة دولية قسرية ووجود قوة متعددة الجنسيات ومحاولات لنزع سلاح المقاومة، وهو ما يمس حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وقد يعيد إنتاج الاحتلال بأسلوب ناعم، في حين يبقى السيناريو الثالث -"الفشل والانفجار"- الأكثر خطورة، إذ يقود إلى انهيار التفاوض وعودة المواجهة واتساع رقعة الصراع إقليمياً.

ويؤكد حرفوش أن أي مرحلة سياسية لاحقة لن تكون مستقرة ما لم تُبنَ على وقف دائم للعدوان، ومساءلة قانونية لمرتكبي جرائم الحرب، وتمكين الفلسطينيين من إدارة أرضهم بحرية، وإنهاء الاحتلال لا إعادة تدويره.

السلوك الإسرائيلي يضع ترمب في موقف حرج

يوضح أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الخليل د. سعيد شاهين أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بات في مرحلة تسمح له بالضغط على رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد استكمال المقاومة الفلسطينية تسليم الأسرى الإسرائيليين -أحياء وجثثاً- باستثناء جثة واحدة، وتنفيذ التزاماتها في المرحلة الأولى دون خروقات.

وبحسب شاهين، يأتي ذلك مقابل استمرار إسرائيل في خرق الاتفاق عبر قتل أكثر من 300 فلسطيني في غزة، وما يرافقه من هجمات، وهدم، واستهدافات عسكرية، الأمر الذي يكشف نية حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل مواصلة الحرب حتى تحقيق أهدافها التي أخفقت في تحقيقها ميدانياً.

ويؤكد أن هذا السلوك الإسرائيلي يضع ترمب في موقف حرج أمام حلفائه العرب والمسلمين المشاركين في قمة شرم الشيخ، خاصة مع تزايد الانتقادات الدولية المطالِبة بالحفاظ على الهدنة ووقف استهداف المدنيين، في وقت يسعى ترمب لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة والحفاظ على صورة بلاده كضامن رئيسي للاتفاق.

ويرى أن ترمب ينظر إلى الاتفاق كأداة لتحقيق هدفين رئيسيين: الأول تمكين إسرائيل من نزع سلاح المقاومة وتفكيك حكم حركة حماس في قطاع غزة، والثاني تحويل الاتفاق إلى صفقة تدرّ عليه وعلى صهره وشركائه الاستثمارات الضخمة المرتبطة بإعادة إعمار قطاع غزة وإدارته عبر حكومة تتبع مجلس السلام الذي يرأسه، بعد حصوله على تفويض أممي يتيح له السيطرة عملياً على القطاع.

ويشير شاهين إلى أن ترمب يتطلع إلى استغلال ما يقدّره خبراء بمئات مليارات الدولارات من الغاز والنفط والعقارات في غزة.

لكن، في المقابل، يوضح شاهين أن إسرائيل نفسها تتنافس مع رغبة ترمب في النفوذ الكامل على قطاع غزة، لتشاركه الاستحواذ على ثروات القطاع خاصة النفط والغاز، وليس لدوافع أمنية، إلى جانب مشاريع الاستيطان وتثبيت وجود دائم في بعض المناطق.

ويشير إلى أن أطرافاً إقليمية تتطلع إلى أن تكون جزءاً من مشاريع الاستثمار وإعادة الإعمار في المرحلة المقبلة، في حين ترفض حركة حماس وشركاؤها القبول بإقصائها عن إدارة غزة أو إخراجها من المشهد السياسي الفلسطيني، كما ترغب إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الحلفاء.

ويلفت شاهين إلى أن المشهد العام محكوم بتعقيدات كبيرة وتشابكات سياسية واقتصادية تجعل كل السيناريوهات المتعلقة بالمرحلة الثانية شديدة الغموض والتداخل.

محاولة لفرض مسار يتوافق مع الرؤية الإسرائيلية

يعتبر الناطق باسم جامعة النجاح الوطنية وأستاذ العلوم السياسية د.رائد الدبعي أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بدء ترتيبات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار قبل أعياد الميلاد محاولة أمريكية لفرض مسار يتوافق مع الرؤية الإسرائيلية، بعيداً عن أي توافق فلسطيني أو احترام لمبدأ السيادة الوطنية.

ويوضح أن الإدارة الأمريكية تُحاول استثمار حالة الانقسام الفلسطيني وغياب رؤية وطنية موحدة لتحديد مستقبل قطاع غزة ضمن الإجماع الوطني، بما يجعل الموقف الفلسطيني هشّاً أمام مقترحات تُطرح بمعزل عن الحقوق المشروعة والقرارات الدولية.

ويؤكد الدبعي أن رفض إسرائيل عودة منظمة التحرير الفلسطينية لممارسة سلطتها القانونية على القطاع يشكّل محوراً أساسياً في التوجه الأمريكي الجديد، الذي قد يُفضي إلى ترتيبات سياسية وأمنية تُفرض على الشعب الفلسطيني دون موافقته.

محاولة لتسويق إنجاز سياسي داخلي في واشنطن

ويشير الدبعي إلى أن توقيت إعلان ترمب يبدو أقرب إلى محاولة تسويق إنجاز سياسي داخلي في واشنطن، عبر الظهور أمام الرأي العام الأمريكي باعتباره القادر على وقف الحرب وإدامة حالة وقف إطلاق النار، فيما يبقى الفلسطينيون في غزة تحت وطأة العدوان والدمار والحصار، دون أي ضمان حقيقي لوقف الجرائم الإسرائيلية أو رفع القيود المفروضة على القطاع.

ويلفت إلى أن التركيز الأمريكي على "ترتيبات الحكم" قبل الحديث عن إنهاء الاحتلال أو وقف العدوان يعكس توجهاً خطيراً، إذ يُحوّل الأزمة الإنسانية في غزة إلى مدخل لفرض إدارة خارجية أو ترتيبات أمنية منفصلة عن البعد الوطني للقطاع، بما يجعله منطقة اختبار سياسي بدلاً من كونه جزءاً أصيلاً من دولة فلسطين.

وفي ما يتعلق بالمرحلة الثانية ذاتها، بشدّد الدبعي على أن أي ترتيبات مقبلة يجب أن تقوم على وقف شامل للعدوان، ورفع الحصار، وفتح المعابر، وإطلاق عملية إعادة إعمار تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

ويدعو الدبعي إلى توافق وطني كامل على أي صيغة لإدارة القطاع، بما يضمن تمثيل جميع الفلسطينيين وإعادة توحيد غزة والضفة كجغرافيا سياسية واحدة.

ويحذّر من أن أي إدارة تُفرض من الخارج، سواء كانت دولية أو إقليمية أو تعمل بمعزل عن منظمة التحرير، ستُكرّس الانقسام وتُمهّد لانتزاع الحق الفلسطيني في السيادة.

ويؤكد الدبعي أن تحويل المرحلة الثانية إلى مجرد هدنة طويلة دون أفق سياسي سيُبقي غزة رهينة الانفجار، ويحوّل الترتيبات إلى إدارة أزمات بدلاً من معالجة جذور الصراع.

ويعتقد الدبعي أن جوهر المرحلة الثانية يجب أن يرتكز على إنهاء السيطرة المفروضة على الفلسطينيين وتمكينهم من تقرير مصيرهم بقيادة وطنية منتخبة، مؤكداً أن المطلوب هو التحرر من "الزنزانة" وليس تحسين شروطها، والانعتاق من الاحتلال لا التعايش مع قسوته.

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا