أزاح المنخفض الجوي الأخير الذي ضرب قطاع غزة الستار عن حجم الكارثة الحقيقية التي تعصف بالبنية التحتية المتهالكة، كاشفاً عن عمق المأساة الإنسانية المتفاقمة، ويأتي ذلك في وقت تقف فيه الجهات المعنية عاجزة عن تلبية نداءات الاستغاثة العاجلة، نتيجة استمرار الحصار الخانق والقيود المشددة التي يفرضها الاحتلال على دخول المساعدات الإنسانية والمعدات الضرورية للحياة.
وفي هذا السياق، أكد مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أمجد الشوا، أن تداعيات الأحوال الجوية لم تقتصر على فضح هشاشة الوضع المعيشي للسكان فحسب، بل شكلت دليلاً دامغاً على عجز المجتمع الدولي وفشله الذريع في ممارسة ضغوط حقيقية على الاحتلال الإسرائيلي لفتح المعابر الحدودية، والسماح بإدخال الآليات والمعدات الثقيلة اللازمة لعمليات الإنقاذ وحماية المدنيين.
وشدد الشوا على أن النقص الحاد في المعدات الثقيلة، وافتقار القطاع لمضخات شفط المياه وآليات تسوية الطرق والأراضي، قد ضاعف من حجم المعاناة التي يتكبدها المواطنون، لا سيما أولئك النازحين في مراكز الإيواء المكتظة، وأشار إلى أن توفر هذه الإمكانيات يعتبر ركيزة أساسية لا غنى عنها للتعامل مع الظروف المناخية القاسية والتقليل من مخاطرها المباشرة على حياة الناس.
ونبه المسؤول الفلسطيني إلى مكمن الخطر الأكبر الذي يتهدد حياة الآلاف من العائلات التي لا تزال تقطن داخل مبانٍ متصدعة وآيلة للسقوط في أي لحظة، ولفت إلى وقوع ضحايا بالفعل خلال اليومين الماضيين جراء ذلك، معرباً عن خشيته من ارتفاع حصيلة الضحايا في الأيام القادمة، خاصة في ظل انعدام أي بدائل سكنية آمنة يمكن اللجوء إليها.
وأوضح أن سيطرة قوات الاحتلال العسكرية على ما يقارب 57% من إجمالي مساحة قطاع غزة تحرم السكان المدنيين من أي خيارات للنزوح نحو مناطق آمنة، مما يجبر الكثيرين قسراً على البقاء داخل منازل مهددة بالانهيار فوق رؤوسهم، وهو الأمر الذي يفاقم المخاطر المحدقة بهم مع كل موجة برد أو منخفض جوي جديد يضرب المنطقة.
ووصف الشوا الأوضاع المأساوية داخل الخيام ومراكز النزوح بأنها "واقع مرير" للغاية، موضحاً أن توقف هطول الأمطار مؤقتاً لا يعني انتهاء الخطر، خاصة مع استمرار موجات البرد القارس وتدني درجات الحرارة، بالتزامن مع افتقار العائلات النازحة لأبسط مقومات التدفئة، والنقص الحاد في الأغطية والفرشات التي تقيهم زمهرير الشتاء.
وأطلق تحذيرات جدية من التبعات الصحية الخطيرة لهذا المنخفض، وتأثيره المباشر على الفئات الهشة كالأطفال والنساء وكبار السن، وأشار إلى أن البرد الشديد قد يكون بيئة خصبة لانتشار الأوبئة والأمراض المعدية، في وقت يعاني فيه النظام الصحي في القطاع من حالة دمار شامل وانهيار شبه كامل في خدماته.
وكشف أن حجم المساعدات الطبية والأدوية التي سُمح بدخولها إلى القطاع لا يغطي سوى 10% فقط من الاحتياجات الفعلية والملحة، في ظل وجود عجز دوائي هائل، كما نوه إلى استمرار منع إدخال الأجهزة الطبية الحيوية، وفي مقدمتها الأجهزة التشخيصية، مما ينذر بكارثة صحية وتدهور متسارع في الحالة الطبية للمرضى والجرحى.
وأشار الشوا إلى أن طواقم البلديات والدفاع المدني، جنباً إلى جنب مع المؤسسات الأهلية والمتطوعين المحليين، يبذلون قصارى جهدهم وبإمكانياتهم المحدودة لتدعيم الخيام ومحاولة التخفيف من حدة الأضرار، إلا أنه استدرك مؤكداً أن هذا المنخفض لن يكون الأخير في هذا الموسم، مما يستوجب البحث عن حلول جذرية ومستدامة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وفيما يخص التحركات الدولية، بين أن المؤسسات الفلسطينية قامت منذ عدة أشهر، وبالتنسيق مع الوكالات الأممية والدولية، بإعداد خطة طوارئ شاملة لمواجهة تحديات فصل الشتاء، وتم رفعها لكافة الجهات المعنية بهدف الضغط للسماح بإدخال المستلزمات الضرورية لتنفيذها قبل فوات الأوان.
ولفت إلى تكدس آلاف الشاحنات المحملة بمعدات ضرورية لإعادة تأهيل شبكات المياه والصرف الصحي المدمرة، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الخيام الجاهزة وكميات ضخمة من المواد الغذائية والأدوية، حيث لا تزال جميعها تنتظر على المعابر بانتظار الموافقة الإسرائيلية للدخول إلى القطاع المحاصر.
وأوضح أن قائمة الممنوعات والقيود تشمل حتى الملابس الشتوية والأغطية والشوادر البلاستيكية اللازمة لحماية الخيام المتهالكة من الأمطار، وذلك رغم وجود نصوص واضحة في البروتوكولات الإنسانية الدولية تلزم بتسهيل دخول هذه المواد والآليات لتمكين المؤسسات الإنسانية من أداء مهامها الإغاثية.
وختم الشوا حديثه بالتأكيد مجدداً على أن مستوى الاستجابة الحالية لا يزال محدوداً جداً ولا يرقى لحجم الكارثة والاحتياجات المتعاظمة، محذراً من أن المواطن الفلسطيني هو من يدفع ثمناً إنسانياً باهظاً من حياته وصحته في ظل هذا الواقع المأساوي المتفاقم، وخصوصاً الفئات الأكثر ضعفاً وتهميشاً في المجتمع.
المصدر:
القدس