في ظل الخيام المتداعية التي غمرتها المياه، وتحت الأمطار الغزيرة المستمرة، تواصل فرق الدفاع المدني في قطاع غزة جهودها الحثيثة للتخفيف من آثار المنخفض الجوي "بيرون" على مخيمات النازحين خلال الساعات الأخيرة.
بينما يرفعون أطراف ستراتهم المبللة ويشدون أغطية رؤوسهم، تتحرك هذه الفرق بأدوات بسيطة وسط الطين اللزج والسيول المتدفقة، للاطمئنان على أحوال النازحين، والبحث عن الخيام التي غمرتها المياه أو العائلات التي تحتاج إلى تدخل فوري.
تظهر مقاطع فيديو نشرها الدفاع المدني في غزة عبر حسابه على "تلغرام"، عناصره وهم يسيرون على امتداد المخيمات سيراً على الأقدام، بعد أن أعاقت الطرق الموحلة وصول المركبات المتهالكة.
فيما انشغل بعضهم بتصريف المياه المتراكمة، وتولى آخرون مساعدة الأطفال وكبار السن على الانتقال إلى أماكن أكثر أماناً.
وفي مواقع أخرى، عمل أفراد الدفاع المدني على تثبيت أعمدة الخيام المتداعية، ورفع الأغطية التي أسقطتها الرياح والأمطار، وبناء حواجز رملية لمنع تسرب المياه، بالإضافة إلى تسوية أجزاء من الطرق لتسهيل الحركة داخل المخيمات.
تكشف المشاهد الميدانية عن حجم الصعوبات التي تواجهها هذه الفرق، حيث يعمل عناصرها بدون سيارات مجهزة بشكل كاف أو مضخات مياه أو معدات إنقاذ متطورة، معتمدين في كثير من الأحيان على وسائل بدائية، وبعضها صنعوه بأنفسهم بجهود شخصية.
تعيش حوالي 250 ألف أسرة فلسطينية في مخيمات النزوح في غزة داخل خيام متداعية تواجه البرد والسيول، وفقاً لتصريحات سابقة للدفاع المدني.
منذ يوم الأربعاء، تحولت آلاف الخيام التي تؤوي الناجين من الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ عامين إلى برك مياه غمرت الفرش والملابس والطعام، وتركت مئات العائلات في العراء القاسي بلا دفء أو مأوى، في مشهد يعكس تفاقم الوضع الإنساني الذي يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.
يتخذ معظم النازحين من هذه الخيام التالفة ملجأً اضطرارياً، بينما قدر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي أن حوالي 93% من خيام القطاع لم تعد صالحة للسكن، أي ما يعادل 125 ألف خيمة من أصل 135 ألفاً.
أكد المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل، في مقطع فيديو بثه الجهاز عبر منصة "تلغرام" يوم الخميس، وهو يقف تحت الأمطار الغزيرة مرتدياً ملابس شتوية واقية، أن الفرق تواصل عملها لمساعدة النازحين رغم الظروف الجوية القاسية.
أشار بصل إلى أن مراكز الإيواء شهدت انهيارات وأضراراً واسعة بعد أن غمرتها المياه بشكل كبير.
وأضاف أن فرق الدفاع المدني تواجه تحديات هائلة أثناء عملها الميداني بسبب الأمطار والسيول، مشيراً إلى أن "الظروف صعبة وقاسية للغاية، وعلى العالم أن يدرك ما يجري في غزة".
وتابع: "الوضع كارثي وصعب، مراكز إيواء أغرقت بالكامل"، مؤكداً أن الوضع يتطلب تدخلاً عاجلاً لإنقاذ العائلات التي فقدت مأواها وسط العاصفة الجوية.
تتواصل نداءات الاستغاثة من آلاف العائلات المتضررة، في وقت يشهد نقصاً حاداً في المعدات والآليات اللازمة للتعامل مع تداعيات المنخفض الجوي.
تأتي هذه الموجة الجوية في ظل أوضاع إنسانية متردية أصلاً، بسبب انعدام مقومات الحياة الأساسية وصعوبة الوصول إلى الاحتياجات الضرورية وتراجع الخدمات الحيوية نتيجة للحصار الإسرائيلي.
على مدى حوالي عامين من الحرب، تعرضت عشرات الآلاف من الخيام في غزة للتدمير أو التضرر، سواء نتيجة للقصف الإسرائيلي المباشر أو استهداف محيطها، فيما تدهور جزء كبير منها بسبب عوامل الطبيعة من حرارة الصيف المرتفعة إلى رياح وأمطار الشتاء.
تعمل فرق الدفاع المدني في غزة تحت ضغط هائل منذ بداية المنخفض الجوي، حيث تلقت أكثر من 2500 نداء استغاثة خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة من نازحين غمرت مياه الأمطار خيامهم، وفقاً لما ذكره بصل في بيان سابق اليوم.
يعتبر هذا الرقم أعلى بكثير من قدرة أي جهاز يعمل بموارد شحيحة وفي ظل حرب مستمرة منذ عامين متواصلين.
خلال الحرب التي بدأت في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بدعم أمريكي، فقد الدفاع المدني معظم معداته وآلياته بسبب القصف، وأصبحت فرقه تعتمد على ما تبقى من سيارات متهالكة ومعدات بسيطة لا تواكب حجم الكوارث المتلاحقة في القطاع.
على الرغم من إعلان وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر الماضي، لا تزال إسرائيل تمنع إدخال المعدات الأساسية التي يحتاجها الدفاع المدني لمواجهة تأثيرات المنخفض الجوي، أو لرفع أنقاض المنازل المدمرة، أو لتأمين المباني المتضررة المهددة بالانهيار.
في وقت سابق يوم الخميس، توفي فلسطيني إثر انهيار جدار أحد المنازل المتضررة بفعل القصف الإسرائيلي خلال الحرب، بينما انهارت ثلاثة منازل أخرى غربي مدينة غزة كانت تؤوي نازحين لجأوا إليها لغياب بدائل سكنية، دون تسجيل إصابات حتى الآن.
حذر الدفاع المدني من مخاطر كبيرة تهدد حياة السكان نتيجة لانهيار المباني المتضررة والآيلة للسقوط، خاصة مع استمرار السيول والأمطار واستمرار النقص في المعدات اللازمة لإنقاذ الأرواح.
المصدر:
القدس