د. حسن أيوب: تشكيل المجلس "غير قريب" بسبب تعقيد المشهد الميداني بغزة وتعثر تنفيذ المرحلة الأولى من "خطة ترمب"
نيفين عبد الهادي: وجود تمثيل فلسطيني مؤهّل داخل مجلس السلام بشأن غزة ليس خياراً ثانوياً بل شرط أساسي لنجاحه
د. حسين الديك: الإعلان عن المجلس قد يتم قبل نهاية العام لكن التطبيق العملي قد يبدأ خلال النصف الأول من العام المقبل
نبهان خريشة: يشكّل استبعاد بلير أول شقّ في "خطة السلام لغزة" وقد يكون مقدمة لتأجيل المشروع أو إعادة صياغته
د. عقل صلاح: بلير قد يبقى ضمن لجان إدارية أو تنفيذية بحكم ثقة أمريكا وإسرائيل به من دون أن يتصدر المشهد
ماجد هديب: إدراك أمريكي متأخر بأن الحلول المفروضة من الخارج محكومة بالفشل ما لم تحظَ بتوافق عربي وإقليمي
يشكّل استبعاد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير من التشكيلة المتوقعة لـ"مجلس السلام" بشأن قطاع غزة نقطة تحول لافتة في مسار النقاشات الدائرة حول إدارة غزة بعد الحرب، خاصةً أن ذلك لم يأتِ كتعديل عابر، بل كاستجابة مباشرة لرفض عربي واسع لقيادة شخصية مرتبطة بملفات حساسة لمسار سياسي بالغ التعقيد.
ويوضح كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، أن هذا التطور يعكس تحوّلاً في مقاربة الأطراف الإقليمية والدولية، باتجاه منظومة حكم انتقالية تستند أكثر إلى قبول عربي وفلسطيني، بعيداً عن الرموز المثيرة للجدل مثل باير التي قد تفقد مشروع مجلس السلام شرعيته قبل انطلاقه.
ويشير بعض الكتاب والمحللين والمختصين وأساتذة الجامعات إلى أنه رغم خروج بلير من التشكيلة الأساسية للمجلس، قد يبقى بلير حاضراً في مواقع تنفيذية أو تنسيقية غير معلنة في المجلس المرتقب، كدور غير مباشر ينسجم مع خبرته الطويلة في هندسة الأنظمة السياسية، ومع تصورات أمريكية إسرائيلية ترى في خبراته إضافة إلى أي هيكل انتقالي، حتى لو كان حضوره خارج الضوء.
في الوقت نفسه، يشيرون إلى أن استبعاد بلير يكشف حجم التباينات العميقة المحيطة بطبيعة "مجلس السلام" نفسه، سواء ما يتعلق بصلاحياته، أو موقعه القانوني، أو شكل القوة الدولية المرتبطة به، بينما تظهر هذه التعقيدات أن تشكيل المجلس ما يزال رهناً بالتحولات الميدانية والسياسية، وأن أي صيغة مستقبلية لغزة لن تنجح من دون شرعية عربية وفلسطينية واسعة تُعيد تعريف طبيعة الحكم والضمانات خلال المرحلة المقبلة.
استبعاد بلير لا يعني غيابه عن المشهد
يرى أستاذ العلوم السياسية والمختص بالشأن الأمريكي د. حسن أيوب أن استبعاد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير من عضوية "مجلس السلام" المرتقب لا يعني غيابه عن المشهد.
ويشير إلى أن بلير كان قبل أيام في جولة داخل المنطقة التقى خلالها مسؤولين فلسطينيين، بينهم حسين الشيخ، نائب الرئيس، في رام الله، وهو ما يعكس استمرار دوره المركزي في أي ترتيبات "سلطوية" تتعلق بما يُوصف بأنه شكل "الحكم" المقترح لقطاع غزة.
وأوضح أيوب أن السلطة الفلسطينية وبعض الأطراف العربية لا تُبدي اعتراضاً مبدئياً على أن يكون بلير جزءاً من مسار إدارة القطاع، رغم استبعاده من تولّي رئاسة الذراع التنفيذية لمجلس السلام أو تنسيق هيئة الحكم التي ستتولى إدارة غزة.
ويربط أيوب ذلك بخبرة بلير الطويلة في ملفات تفكيك وإعادة بناء الكيانات السياسية بالمنطقة، وبطبيعة الدور المتوقع في إطار التصور الإسرائيلي–الأمريكي للحكم الانتقالي.
ويشير إلى أن الإشكالية الأكبر تتعلق بوجود "مجلس السلام" بحد ذاته، خاصة عقب صدور قرار مجلس الأمن 2803، الذي وضع هذا المجلس "فوق القانون الدولي" وفوق المنظومة الأممية التي يفترض أن يكون مجلس الأمن والأمين العام مرجعيتها.
ويلفت إلى أن تشكيل المجلس "غير قريب" بسبب تعقيد المشهد الميداني في غزة وتعثر تنفيذ المرحلة الأولى من "خطة ترمب" المقترحة.
ويؤكد أيوب أن إسرائيل ترسم حالياً -بقوة السلاح والإجراءات الأمنية- الإطار الجغرافي والسياسي والقانوني للمجلس في حال تشكيله، فيما لا توجد حتى الآن إجابات واضحة حول طبيعة صلاحياته ومهامه، خصوصاً ما يتعلق بدور "قوة الاستقرار الدولي" التي ما تزال ملامحها غامضة.
ويعتبر أيوب أن التسمية نفسها تحمل مؤشرات تتجاوز صلاحيات قوات حفظ السلام التقليدية في النزاعات المشابهة، بما يعكس توجهاً أمريكياً–إسرائيلياً لاستغلال التفويض الدولي لتحديد وظائف للمجلس والقوة الدولية تعيد تشكيل قطاع غزة من حيث الجغرافيا والسكان والبنية السياسية.
ويرى أيوب أن هذه التصورات تتقاطع مع خبرة توني بلير في عمليات إعادة هندسة الأنظمة السياسية، ومع الرؤية العقارية– الأمنية التي طرحها جاريد كوشنير لمستقبل غزة وفصلها عن الضفة الغربية، ما يعزز القناعة بأن المعركة على شكل غزة القادم تُدار في مسارات سياسية وأمنية معقدة، فيما يبقى التشكيل النهائي لمجلس السلام رهناً بتطورات الميدان.
غزة على مفترق طرق حاسم بين خيارات متناقضة
ترى الكاتبة والمحللة السياسية نيفين عبد الهادي، وهي مدير تحرير في جريدة الدستور الأردنية، أن واقع قطاع غزة، الذي يمرّ اليوم بظروف لا تختلف كثيراً عن الأمس، يقف على مفترق طرق حاسم بين خيارات متناقضة، في ظل تزايد الجدل حول أي مقترحات تتعلق بمستقبل القطاع بعد عامين من الحرب والإبادة والمجازر.
وتشير إلى أن ما يميّز اللحظة الحالية هو حالة التوافق العربي غير المسبوقة على ضرورة إنهاء الحرب والبدء بتهيئة المرحلة التي تليها، بما يعيد لأهالي غزة حقهم في الاستقرار.
وتؤكد عبد الهادي أن اتفاق "شرم الشيخ"، الذي جاء بعد مقترح من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، يمثّل اليوم الإطار الأكثر حضوراً في النقاشات العربية، لكونه ينص بشكل واضح على وقف الحرب، ويشكّل العنوان العريض للحلم الفلسطيني والعربي.
ويتضمن الاتفاق -بحسب عبد الهادي- إنشاء "مجلس سلام" يقوده ترمب ويضم مراقبين دوليين، على أن توضع غزة تحت إدارة انتقالية مؤقتة للجنة تكنوقراطية من خبراء فلسطينيين ودوليين تشرف عليهم قيادة المجلس.
وتلفت عبد الهادي إلى أن قائمة أعضاء المجلس لم تُحسَم بعد، باستثناء اسم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير الذي كان قد اقترحه ترمب، غير أن الاعتراضات العربية الواسعة على ترشيحه -بسبب دوره في الحرب على العراق- دفعت إلى استبعاده.
وتعتبر أن هذا الاستبعاد لتوني بلير مؤشر مهم على وجود إرادة عربية ودولية وأمريكية لإنهاء الحرب بطريقة لا تشوّه مسار السلام، مؤكدة أن العرب لن يقبلوا بوجود شخصية يَدين لها تاريخ المنطقة بالدمار.
وتؤكد عبد الهادي أن الولايات المتحدة لن تفرض تركيبة للمجلس لا تحظى بقبول فلسطيني وعربي، وهو ما تؤكده المؤشرات الأولية، لا سيما الحديث عن تمثيل فلسطيني واسع وفاعل داخل المجلس.
وتشير إلى معلومات نشرتها "فاينانشال تايمز" حول ترشيح نيكولاي ملادينوف لرئاسة لجنة تنفيذية ضمن هيكل إدارة غزة بعد الحرب، ليتولى تنسيق العمل بين مجلس السلام واللجنة التكنوقراطية الفلسطينية المسؤولة عن الإدارة اليومية.
وترى أن العدّ التنازلي لتشكيل المجلس بدأ بالفعل، من دون القدرة على تحديد موعد نهائي للإعلان عنه، سواء قبل عيد الميلاد أو بعده، إلا أن المرحلة المقبلة تتطلب صياغة بنية حكم آمنة عربياً وفلسطينياً.
وتؤكد عبد الهادي أن الدول العربية تقف اليوم صفاً واحداً دعماً لحقوق الشعب الفلسطيني ولتحقيق سلام عادل وشامل، وأن وجود تمثيل فلسطيني مؤهّل داخل المجلس ليس خياراً ثانوياً بل شرطاً أساسياً لنجاحه.
استبعاد بلير نتيجة ضغوط عربية مباشرة
يؤكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية والمختص بالشأن الأمريكي د.حسين الديك أن استبعاد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير من ما يُعرف بـ"مجلس السلام" بشأن غزة، جاء نتيجة ضغوط عربية مباشرة وفاعلة، في مقدمتها الموقفان المصري والسعودي إلى جانب الدور التركي، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تعكس حضوراً عربياً أكثر تأثيراً في صياغة توجهات الإدارة الأمريكية حيال غزة.
وبحسب الديك، فإن هذه الضغوط ترتبط بـ"الإرث السياسي السلبي" لبلير، سواء خلال رئاسته للجنة الرباعية التي لم تُحقق أي تقدم على صعيد القضية الفلسطينية، أو موقفه المساند للاحتلال الإسرائيلي، وكذلك دوره في حرب العراق عام 2003.
ويشير الديك إلى أن الرفض لعودة بلير إلى أي موقع مؤثر في ملف غزة كان شعبياً ورسمياً على مستوى الدول العربية.
إدارة ترمب تسعى لتقليل انشغالها بالشرق الأوسط
ويوضح الديك أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تسعى إلى تقليل انشغالها بقضايا الشرق الأوسط ضمن ما يعرف بـ"استراتيجية الانسحاب"، لكنها ترفض في الوقت ذاته "العربدة الإسرائيلية" في غزة وسوريا ولبنان، وهو ما دفع ترمب إلى استدعاء بنيامين نتنياهو لعقد لقاء في فلوريدا يوم 29 من الشهر الجاري، لإبلاغه بضرورة الالتزام بخطة واشنطن بشأن قطاع غزة ووقف التدخلات الإقليمية.
وبحسب الديك، فإن "مجلس السلام" الذي يجري الإعداد للإعلان عنه قبل نهاية الشهر، سيضم 12 عضواً برئاسة ترمب بصفة فخرية، على أن تعمل تحته إدارة تكنوقراط محلية من داخل غزة.
ويرى الديك أن أي إدارة لا تمتلك سيطرة أمنية ولا استقلالية مالية ستفشل في تحقيق الاستقرار أو تحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة.
ويشير إلى أن المرحلة المقبلة مرشحة لمزيد من الضبابية في ظل استمرار الانتهاكات الإسرائيلية، وتعثر تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترمب، والتي تشمل فتح معبر رفح بالاتجاهين، وإدخال نحو 600 شاحنة مساعدات يومياً، ووقف العمليات العسكرية داخل غزة.
ويبيّن الديك أن إسرائيل تواصل خرق المرحلة الأولى، إضافة إلى توسعة "الخط الأصفر" الذي وصل اليوم إلى نحو 60% من مساحة القطاع.
ويلفت إلى أن الاتصال الهاتفي الأخير بين ترمب ونتنياهو، الذي استمر 40 دقيقة، ترك أثراً على خطاب نتنياهو الذي أظهر "مرونة لفظية" تجاه السلام مع العرب دون التطرق إلى الدولة الفلسطينية.
ويعتقد الديك أن الإعلان عن "مجلس السلام" بشأن قطاع غزة قد يتم قبل نهاية العام، لكن التطبيق العملي على الأرض لن يبدأ قبل بداية العام المقبل أو خلال الأشهر الستة الأولى منه.
أول مؤشر على تصدّع مبكر في مشروع ترمب
يرى الكاتب الصحفي نبهان خريشة أنّ استبعاد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير من عضوية مجلس السلام لإدارة غزة، المقترح ضمن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لإعمار القطاع وإدارته بعد الحرب، لا يُعدّ مجرد تعديل شكلي، بل يمثل أول مؤشر على تصدّع مبكر في المشروع الذي قدّم باعتباره "حلاً دولياً" شاملاً لغزة.
وبحسب خريشة، جاء خروج بلير من تشكيلة المجلس بعد اعتراضات عربية وإسلامية واسعة، إذ رأت هذه الدول أنّ ترشيحه لا يليق بهيئة يُفترض أن تمنح الفلسطينيين إدارة عادلة ومرحلة انتقالية أكثر استقراراً.
ويشير خريشة إلى أن ماضي بلير السياسي، ولا سيما دعمه لغزو العراق عام 2003، جعل حضوره داخل مجلس مخصص لغزة موضع رفض واضح، خشية أن يؤدي ذلك إلى تهميش الفلسطينيين مرة أخرى ضمن إدارة تُفرض عليهم من الخارج.
ورغم أن إدارة ترمب كانت تراهن -وفق خريشة- على بلير بوصفه "شخصية دولية قوية" تمتلك خبرة في ملفات الشرق الأوسط، وأن إسرائيل بدورها تنظر إليه بإيجابية باعتباره شخصية قد تضمن مصالحها الأمنية والإدارية في غزة، إلا أن الضغط العربي والإسلامي أدى إلى إسقاط اسمه من القائمة الأولية.
لكن خريشة يؤكد أن استبعاد بلير لا يعني بالضرورة نهاية دوره في الخطة، إذ تطرح بعض الدوائر فكرة أن يتولى قيادة "لجنة تنفيذية" مصغّرة ضمن الهيكل نفسه، يشارك فيها مسؤولون أمريكيون وغربيون وعرب، من بينهم مستشارو ترمب، جارد كوشنر وستيف ويتكوف، ما يعني أنّ بلير قد يبتعد شكلياً عن المجلس ليظهر مجدداً في موقع آخر داخل المنظومة نفسها.
مشروع مجلس السلام يواجه عقبات حقيقية
ويشير خريشة إلى أنّ مشروع مجلس السلام يواجه عقبات حقيقية تفوق قضية استبعاد بلير؛ فحتى اللحظة لا يوجد إعلان رسمي يؤكد بدء عمل المجلس أو تفعيل هيكله التنفيذي، رغم أن الخطة طُرحت قبل أشهر، كما أن الخلاف حول الأعضاء وفقدان التوافق الإقليمي يقوّضان شرعية المجلس على المستويين العربي والإسلامي.
ويرى خريشة أنّ المشهد بات مفتوحاً على عدة سيناريوهات: الأول: إعادة تشكيل المجلس بأعضاء يحظون بقبول عربي وإسلامي أكبر، بما يعيد شيئاً من شرعيته.
والثاني، وفق خريشة، استبدال المجلس بهيكل تنفيذي ضيّق يقوده غربيون وعرب مقرّبون من خطة ترمب، بما يعني عملياً إدارة دولية - عربية للقطاع دون مشاركة فلسطينية حقيقية.
ويشير خريشة إلى السيناريو الثالث هو فشل المشروع بالكامل نتيجة الاعتراضات الحالية وغياب التوافق الدولي، ما قد يؤدي إلى تعطيل الخطة أو استبدالها بنموذج آخر لإدارة غزة.
وبذلك، وفق خريشة، يشكّل استبعاد بلير أول شقّ في "خطة السلام لغزة"، وقد يكون مقدمة لتأجيل أو إعادة صياغة المشروع برمّته.
شخصية بلير مثار جدل واعتراض واسعَين
يؤكد الكاتب والباحث السياسي وأستاذ النظم السياسية المقارنة د. عقل صلاح أن شخصية رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير ما تزال مثار جدل واعتراض واسع فلسطينياً وعربياً وأوروبياً، بفعل انحيازه الواضح لإسرائيل ودوره السابق في دعم مشاريع تُهمّش الدور الفلسطيني.
ويوضح أن الفلسطينيين، وخاصة حركة حماس، عبّروا بوضوح للوسطاء عن رفضهم تولي بلير أي دور قيادي في مجلس السلام المقترح لإدارة مرحلة ما بعد الحرب في قطاع غزة، نظراً لسجله السياسي "السيئ جداً" وانحيازه التام لصالح إسرائيل.
ويشير صلاح إلى أن رفض بلير فلسطينياً يرتبط أيضاً بحساسية تاريخية تتعلق بالدور البريطاني في الانتداب على فلسطين عام 1923، بينما تنطلق المعارضة العربية من مسؤوليته عن حرب العراق عام 2003، أما أوروبياً، فترى دول الاتحاد الأوروبي أن الشرعية يجب أن تكون فلسطينية، عبر لجنة فلسطينية تتولى إدارة غزة في إطار ترتيبات دولية متفق عليها.
ويلفت صلاح إلى أن وجود بلير على رأس مجلس السلام كان سيُولّد اعتراضات واسعة، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى استبعاده من رئاسة المجلس، رغم الثقة الكبيرة التي يضعها فيه، ورغم دعم إسرائيل لدوره. ويعتقد صلاح أن بلير قد يبقى ضمن لجان إدارية أو تنفيذية بحكم الثقة الأمريكية والإسرائيلية به، دون أن يتصدر المشهد.
وفيما يتعلق بمجلس غزة، يرى صلاح أن ترمب يسعى لتشكيل مجلس يحظى بقبول فلسطيني وإقليمي ودولي، ويستطيع التنسيق مع اللجنة الفلسطينية من التكنوقراط التي ستُكلّف بإدارة شؤون القطاع، وسيكون المجلس مخوّلاً بتقديم مقترحات لقيادة القطاع، والإشراف على مرحلة ما بعد الحرب، وتنفيذ خطة ترمب ذات البنود العشرين.
ويوضح صلاح أن استبعاد بلير جاء لتجنّب ردود الفعل السلبية، ومنح المجلس فرصة للحصول على القبول المطلوب لبدء عملية إعادة الإعمار وتثبيت الاتفاق.
ويرجّح صلاح الإعلان عن المجلس قبل 25 كانون الأول/ديسمبر، مستفيداً من مؤشرات استعداد حماس للتعامل مع المرحلة الثانية والموافقة على مناقشة ملفات حساسة مثل قضية السلاح، ما يعزز من فرص تشكيل المجلس سريعاً وبداية ترتيبات إعادة الإعمار والإيواء.
أربعة سيناريوهات محتملة بشأن المجلس
ويطرح صلاح أربعة سيناريوهات محتملة بشأن مجلس السلام، أبرزها السيناريو الأول القائم على تطبيق تدريجي لخطة ترمب وإطلاق المجلس بصلاحيات واسعة وبدعم إقليمي ودولي، شريطة تحقيق وحدة فلسطينية حقيقية وعدم إقصاء حماس.
أما السيناريوهات الأخرى وفق صلاح، فتتراوح بين التأجيل بسبب الخلافات، أو الفشل الكامل نتيجة غياب التوافق والدعم الدولي، أو القبول المؤقت بالصيغة المطروحة والعمل على تطويرها لاحقاً.
ويشير صلاح إلى أن السيناريو المرجح هو الأول، بوصفه الأكثر قابلية للتنفيذ ولبدء عملية إعادة الإعمار وإنهاء المأساة الإنسانية في قطاع غزة.
دلالات سياسية عميقة
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي ماجد هديب أن خروج رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير من مجلس السلام المرتقب الإعلان عنه يحمل دلالات سياسية عميقة، أبرزها أن إدارة المرحلة الانتقالية في غزة لا يمكن أن تُسند إلى شخصية مثيرة للجدل، بل يجب أن تقوم على قبول عربي وإسلامي وفلسطيني لضمان شرعية محلية وإقليمية للمجلس الجديد، بعيداً عن الهيمنة الغربية والإسرائيلية.
ويوضح أن هذا التحول لم يكن ليحدث دون طلب وضغط مباشرَين من المملكة العربية السعودية، نظراً لحساسية الدور التاريخي والجغرافي لسلوك ومسلكيات المرشحين لتولي المجلس وموقع البلدان التي ينتمي إليها هولاء الأشخاص المرشحين من الاستعمار وموقفها أيضاً مما تم ارتكابه من جرائم.
ويؤكد هديب أن دولاً وشعوباً عدة اعترضت على تولي بلير رئاسة المجلس بسبب سجله السيئ في الشرق الأوسط، ودوره في حرب العراق، إضافة إلى التخوف من تهميش الفلسطينيين وتعزيز الوصاية الدولية على قرارهم، ما كان سيؤدي إلى "غياب الشرعية الفلسطينية وعودة أشكال الانتداب القديمة".
ويشير هديب إلى أن استبعاد بلير يعكس إدراكاً أمريكياً متأخراً بأن الحلول المفروضة من الخارج محكومة بالفشل ما لم تحظَ بتوافق عربي وإقليمي، وهو ما دفع واشنطن إلى إعادة النظر في تركيبة مجلس السلام والاقتراب من خيار عودة السلطة الفلسطينية لدورها الطبيعي.
ويؤكد أن هذا التطور يبرهن أن الدول العربية والإسلامية ليست أدوات تنفيذ لدى البيت الأبيض، بل أطراف فاعلة في رسم مستقبل غزة والنظام السياسي الفلسطيني.
وعن شكل المجلس المرتقب، يوضح هديب أنه سيكون أقرب إلى هيئة إشراف عربية– دولية لإدارة غزة خلال المرحلة الانتقالية، وصولاً إلى حل سياسي شامل، مع عمل متوازٍ لإعادة الإعمار وتوحيد النظام السياسي الفلسطيني.
وبحسب هديب، يرتكز المجلس على ثلاثة مكونات رئيسية: مجلس الوصايا الدولي برئاسة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، ولجنة التكنوقراط التنفيذية من شخصيات فلسطينية وعربية وغربية مستقلة وذات تاريخ مهني مشرف، وقوة الاستقرار الأمنية التي ستساند الأجهزة الأمنية الفلسطينية بعد عودتها للعمل.
ويرى هديب أن قوة الاستقرار ستتكوّن على الأرجح من قوات عربية إسلامية، في مقدمتها مصر وباكستان.
أما الإعلان عن المجلس، فيُرجّح هديب أن يتم قبل أعياد الميلاد وفق معلومات من وسطاء عرب وفلسطينيين وتقارير غربية، رغم الضبابية التي ما تزال تحيط بالأسماء والصلاحيات.
ويستعرض هديب أربعة سيناريوهات لمسار تشكيل المجلس وعمله: الأول: تشكيل مجلس توافقي من شخصيات دولية يمنح شرعية واسعة ويعزز فرص النجاح، والثاني: الفشل، خاصة إذا همّش المجلس الفلسطينيين، ما سيؤدي إلى فراغ إداري خطير مع بقاء قوة الاستقرار لحماية حدود إسرائيل.
ويشير هديب إلى السيناريو الثالث المرجّح وهو بروز قيادة فلسطينية تكنوقراطية مستقلة تعمل تحت إشراف دولي عربي دون خضوع كامل له، بما يحفظ الكرامة والشرعية الفلسطينية ويدعم إعادة الإعمار.
ويتطرق إلى السيناريو الرابع وهو أن يكون مجلساً دولياً بمشاركة عربية – غربية متساوية، يمنح الدول العربية دوراً مباشراً في الإعمار وتوحيد الفلسطينيين ووضع أسس سلام شامل.
ويرى هديب أن الفلسطينيين يقفون أمام "ضوء في نهاية النفق" بعد عامين من الحرب وثمانية عشر عاماً من الانقسام، مع فرصة حقيقية لتحقيق تطلعاتهم نحو الدولة الفلسطينية، شرط الالتفاف الوطني حول ما سيُعلن قريباً، وغياب الهيمنة العسكرية لحركة "حماس" عن المشهد السياسي.
المصدر:
القدس