منذ القدم، لعبت الأمراض والأوبئة دورا هاما في إفشال العديد من الحملات العسكرية. فخلال حرب الاستقلال الأميركية، ساهمت أمراض مثل السل والزحار والملاريا في وفاة عدد كبير من الجنود قبل بلوغهم ساحة القتال. وبحرب القرم، تسببت الكوليرا والزحار والتيفوس في سقوط عدد هائل من الضحايا قيل إنه تجاوز عدد القتلى بالمعارك.
إلى ذلك، كان للأمراض والأوبئة دور كبير في إفشال العديد من الحملات العسكرية لنابليون بونابرت. فخلال الحملة العسكرية ضد روسيا، أجهز التيفوس على نسبة كبيرة من جيش نابليون. وأثناء الحملة العسكرية لاستعادة السيطرة على هايتي مطلع القرن التاسع عشر، وضعت الملاريا حدا لطموحات نابليون بونابرت بالمنطقة.
عقب اتفاقية مع الإسبان، حصل الفرنسيون أواخر القرن السابع عشر على منطقة سانت دومينغ (Saint-Domingue)، هايتي حاليا، وحولوها لمستعمرة خاصة بهم. وعلى مدار سنوات، وفرت هذه المستعمرة العديد من الموارد لفرنسا حيث قدمت الأخيرة السكر والقهوة والقطن للفرنسيين الذين صنفوها ضمن قائمة أهم الأراضي القابعة تحت نفوذهم.
وفي خضم أحداث الثورة الفرنسية وحرب التحالف بأوروبا ضد فرنسا، شهدت سانت دومينغ ثورة للعبيد قادها توسان لوفرتور (Toussaint Louverture) وأسفرت عن طرد الفرنسيين من سانت دومينغ التي أعلنت نفسها منطقة مستقلة عن الحكم الفرنسي. ومع بلوغه لسدة الحكم عقب انقلاب العام 1799 الذي أنهى الثورة الفرنسية، اتجه نابليون بونابرت لاستعادة سانت دومينغ مجددا وإعادة العمل بنظام العبودية بها بهدف استغلال مواردها. ولهذا السبب، أرسل نابليون بونابرت الجنرال الفرنسي شارل لوكلير (Charles Leclerc) رفقة 30 ألف عسكري نحو سانت دومينغ لاستعادتها.
خلال شهر شباط (فبراير) 1802، باشرت القوات الفرنسية ببلوغ سانت دومينغ لتواجه بذلك قوات توسان لوفرتور التي شنت حرب عصابات ضد الفرنسيين. وفي خضم المعارك، وقع توسان لوفرتور أسيرا بقبضة الجنرال لوكلير عقب خيانة أحد رفاقه له. لاحقا، نقل لوفرتور نحو فرنسا وظل بالسجن وتوفي بظروف غامضة.
إلى ذلك، كانت العملية العسكرية بسانت دومينغ كارثة حيث واجه الفرنسيون مقاومة شرسة من سكان الجزيرة. ومن ناحية أخرى، واجه الفرنسيون كارثة أخرى تمثلت في تفشي الحمى الصفراء بصفوفهم. وفي الأثناء، تمثلت أعرض هذا المرض في ارتفاع بدرجة حرارة الجسم وتغيير بلون البشرة وميلانه نحو الأصفر إضافة للتقيؤ والنزيف الداخلي. وبالتزامن مع ذلك، نقل البعوض الفيروس المسبب لهذا المرض نحو البشر حيث كانت لسعة بعوضة كافية لنقل المرض لإنسان وقتله.
وخلافا للسكان الأصليين لسانت دومينغ، لم يمتلك الفرنسيون أية مناعة ضد الحمى الصفراء كما لم يكونوا مهيئين لمقاومة المناخ الاستوائي وانتشار البعوض والحرارة المرتفعة.
بشكل سريع تحولت عملية غزو سانت دومينغ لكارثة عسكرية، حيث أدت الحمى الصفراء لوفاة ما يزيد عن 20 ألف جندي فرنسي أي أكثر من نصف القوات التي أرسلت لسانت دومينغ. أيضا، تواجد ضمن ضحايا الحمى الصفراء قائد العملية العسكرية الجنرال شارل لوكلير الذي توفي يوم 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 1802.
وعقب فقدانهم لهذا العدد الكبير من القوات وخسارتهم بمعركة فرتيير (Vertières)، فضل الفرنسيون إنهاء عمليتهم العسكرية والعودة لديارهم خلال شهر ديسمبر 1803 لتعلن بذلك سانت دومينغ، التي أصبحت هايتي، استقلالها يوم 1 يناير 1804.