ألقت وزارة الداخلية المصرية القبض على عدد من مشاهير تيك توك في حملة أمنية موسعة. كشفت التحقيقات تورط هؤلاء المشاهير في عمليات غسيل أموال، حيث استغل بعضهم نفوذه وشهرته على مواقع التواصل الاجتماعي لغسل ملايين الجنيهات، عبر أساليب ملتوية تشمل الإعلانات الصورية، والشركات الوهمية، وصفقات التسويق المخادعة.
وباشرت نيابة الشؤون الاقتصادية وغسل الأموال بمكتب النائب العام التحقيقات مع 10 من مشاهير تيك توك تم ضبطهم. عُثر بحوزة بعضهم على مواد مخدرة وأسلحة نارية غير مرخصة. كما تم ضبط أجهزة إلكترونية استُخدمت في إنشاء وإدارة حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي يتابعها آلاف الشباب.
أعلنت وزارة الداخلية اتخاذ الإجراءات القانونية ضد صانعة المحتوى سوزي الأردنية، بتهمة غسل 15 مليون جنيه. كشفت التحقيقات الأولية تورط صانع محتوى آخر، يُدعى "مداهم"، في غسل أموال تصل إلى 65 مليون جنيه. كما أكدت التحقيقات تورط أحد أشهر صناع المحتوى على تيك توك، يُدعى "شاكر"، في غسل ملايين الجنيهات.
لكن كيف تتم عملية غسيل الأموال؟ وكيف يحصد هؤلاء المشاهير ملايين الجنيهات من صناعة المحتوى على مواقع التواصل؟ وما هي العقوبات المنتظرة؟
صرح أستاذ الاقتصاد السياسي والمحاضر في إحدى الجامعات المصرية الخاصة الدكتور كريم العمدة، لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت"، بأن الظاهرة الأخيرة المتعلقة بتحقيق مشاهير تيك توك أرباحاً بملايين الجنيهات عبر منصات التواصل الاجتماعي تمثل تطوراً جديداً. وأوضح أن بعض مشاهير تيك توك أعلنوا عن أرباح يومية تصل إلى مليون جنيه، وهو أمر غير طبيعي، مرجحاً أن تكون هذه التمويلات قد جاءت من خارج مصر لغسيل الأموال.
وأشار إلى أن بعض صناع المحتوى يطلقون مشاريع وهمية تصل قيمتها إلى ملايين الجنيهات، قبل أن يتم إغلاقها في وقت قصير بعد تحقيق الهدف، ما يضر بالاقتصاد ويهدر فرص استثمارية حقيقية.
وأضاف أن لهذه الظاهرة أضرارًا اجتماعية خطيرة، إذ تمنح الشباب صورة مضللة عن إمكانية تحقيق مكاسب مالية سريعة من دون جهد حقيقي، وتشجع على الانحراف، فضلًا عن نشر محتوى يسيء للذوق العام ويخدش الحياء.
من جانبه كشف مساعد أمين عام مجلس الوزراء للتحول الرقمي المهندس زياد عبد التواب، لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت"، أن تطبيق تيك توك وصل عدد مشاهديه في مصر إلى قرابة 40 مليون مستخدم، وهو رقم ضخم. وأوضح أن هذا الانتشار الكبير لم ينعكس دائماً في صورة أرباح مشروعة، بل ظهر معه نشاط لشبكات غسيل أموال.
وتمثل هذه الشبكات طوق نجاة لأشخاص يمتلكون مبالغ مالية ضخمة حصلوا عليها بطرق غير قانونية، ولا يستطيعون إيداعها في حساباتهم البنكية بسبب الرقابة المالية. وهنا يأتي دور الوكلاء الذين يتعامل معهم عدد من مشاهير تيك توك.
وقال إن العملية تبدأ بإرسال هدايا افتراضية للمشاهير عبر البث المباشر على تيك توك في أوقات متفق عليها. ثم تُعاد الأموال إلى أصحابها بعد اقتطاع نسبة الوكالة، ليتم لاحقاً تحويلها إلى الحسابات البنكية بشكل طبيعي.
وأشار إلى أن من أقوى الدلائل على وجود غسيل أموال، هو انتشار فيديوهات لا تحمل محتوى جذاباً، ومع ذلك يتلقى أصحابها هدايا بمبالغ كبيرة من حسابات مجهولة الهوية. وأكد أن تيك توك يختلف عن يوتيوب، إذ يعتمد الأول على الهدايا كوسيلة رئيسية للربح، بينما تأتي أرباح "يوتيوب" من الإعلانات المدمجة داخل المحتوى.
وحول العقوبات المتوقعة على هؤلاء المشاهير، يؤكد المحامي بالنقض، وهدان الباز، لـ"العربية نت" و"الحدث.نت"، أن المادة 14 من قانون مكافحة غسل الأموال رقم 80 لسنة 2002 وتعديلاته، تنص على أن كل من يتعمد تحويل أو نقل أو إخفاء أو تمويه طبيعة أموال متحصلة من جريمة، وهو على علم بمصدرها غير المشروع، بقصد إخفاء هذا المصدر أو مساعدة شخص على الإفلات من المساءلة، يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سبع سنوات، وبغرامة لا تقل عن مئة ألف جنيه ولا تزيد على خمسة ملايين جنيه، أو ما يعادل قيمة الأموال محل الجريمة أيهما أكبر.
وأكد أن القانون يجيز الحكم بمصادرة الأموال محل الجريمة والأدوات المستخدمة في ارتكابها، بالإضافة إلى الحرمان من مزاولة بعض الأنشطة أو إغلاق المنشآت التي استخدمت في عمليات الغسل، إذا كانت الجريمة مرتبطة بكيانات أو أنشطة تجارية.