آخر الأخبار

الفضاء: الكاهن المنسي الذي كشف عن الثقوب السوداء النجمية قبل أكثر من 240 عاما

شارك الخبر
مصدر الصورة

قبل نحو مئتي عام من قبول العلماء بفكرة وجود الثقوب السوداء النجمية، كان كاهن بريطاني يُدعى جون ميتشل قد نشر بالفعل بعضاً من الأفكار تتعلق بتلك الأجرام الكونية الغريبة.

وفيما يعدّ هذا النشر في حد ذاته سبقاً مثيراً للدهشة، يبقى السؤال قائماً حول أسباب عدم شُهرة هذا الكاهن السابق لزمانه.

ولطالما ظلت فكرة الثقوب السوداء النجمية محيّرة، لا سيما في ضوء الفكرة القائلة إن الملايين من تلك الثقوب السوداء ربما تكون موجودة بالفعل في هذا الكون.

وعلى مدى عقود إبان القرن العشرين، رفض علماء طبيعة بارزون فكرة وجود هذه الثقوب السوداء، متجاهلين ما تشير إليه علوم الرياضيات، ومن بين هؤلاء المشككين ألبرت أينشتاين – صاحب النظرية النسبية التي استُعين بها لاحقا للتدليل على إمكانية وجود تلك الثقوب ذاتها.

لكن، كان هناك شخص واحد أظهر بصيرة واضحة بشأن الثقوب السوداء النجمية من قبل حتى أن يولد أينشتاين بزمن طويل.

هذا الشخص هو الكاهن جون ميتشل. وقد كان ذلك في القرن الثامن عشر، وقد استعان ميتشل بقوانين إسحاق نيوتن وحدها، ليستدل بطريقة مدهشة على وجود هذه الأجرام الفلكية الغريبة.

فمن هو جون ميتشل، وبماذا تنبأ؟ ولماذا لم تحظَ أفكاره بالشهرة التي تستحقها؟

مصدر الصورة

في عام 1724 بقرية إيكرينغ بإنجلترا، ولد جون لأبٍ كاهن هو غلبرت ميتشيل. وفي البيت تلقى جون مع أخيه وأخته الصغيرين تعليمه. ومنذ نعومة أظفاره، لفت جون الأنظار بسرعة بديهته.

وفي ذلك، يثبّت المؤرخ راسل مكورمماش، مقولة صديق للعائلة بحق جون وصفه فيها بأنه "صاحب أصفى ذهن قابله في حياته".

وكان الوالد غلبرت يقيم وزناً لاستقلالية الفكر، كما كانت العائلة تُقدّم العقل على النقل، وتُعلي من قيمة التفكير.

ولما حان وقت التحاق جون بالجامعة، كان خيار عائلة الكاهن هو جامعة كامبريدج، حيث رسّخ إسحاق نيوتن مذهب الاستدلال بالعلم على وجود الدين.

وكان يرتاد جامعة كامبريدج في ذلك الحين نحو 400 طالب، وكانت الجامعة تمثل مضماراً مثالياً للنقاش الفكري. وفي كمبريدج قضى جون ميتشل قرابة العشرين عاماً متنقلاً من صفوف المتعلمين إلى كراسي المعلمين.

وفي كامبريدج، درس جون ميتشل علوم اللغة العبرية واليونانية، وعلوم الرياضيات، واللاهوت والجيولوجيا.

وكان ميتشل شغوفاً بالتجريب، وبالوقوف بنفسه على صناعة أجهزته وأدواته التي يستخدمها في البحث العلمي.

وفي تلك الأثناء بكامبريدج، ظهرت قدرة جون ميتشل على التنبؤات العلمية.

وفي عام 1750، نشر ميتشل بحثاً عن المغناطيسية، مميطاً اللثام عن قانون جديد واحد على الأقل هو "قانون التربيع العكسي"، والذي مهّد بدوره الطريق أمام استخدام المغناطيس في النقل البحري.

وفي عام 1760، نشر ميتشل بحثاً عن ميكانيكا الزلازل، متناولاً بالوصف طبقات الأرض المعروفة الآن والتي تشكل "القشرة الأرضية"، متناولاً بالشرح كيف تتحرك الهزات الأرضية عبر تلك الطبقات في صورة أمواج.

وفي ذلك البحث، تحدث ميتشل عن إمكانية أن تتمخض الزلازل تحت سطح البحر عن موجات مدّ كاسحة "تسونامي".

وفي عام 1764، غادر جون ميتشل جامعة كامبريدج، ليتزوج من سارة وليامسون، ويتجه إلى العيش في قرية ثورنهيل بمقاطعة يوركشير، وهناك في يوركشير، اقتفى جون ميتشل آثار أقدام أبيه وأصبح كاهناً.

وفي أثناء عمله بالكنيسة، لم تنقطع المراسلات بين ميتشل وفلاسفة ومفكري عصره، ومن بينهم الموسوعيّ بنجامين فرانكلين.

ومن منظور أبناء القرن الحادي والعشرين، تعتبر فكرة اشتغال قسيس في كنيسة بالعلوم الفيزيائية والفلسفية فكرة مثيرة للدهشة بعض الشيء.

لكن الحقيقة أن معظم مفكري القرن الثامن عشر، ومن بينهم جون ميتشل، لم يكونوا يفرّقون بين الدين والعلم.

صحيحٌ أن اختراع التلسكوب في بدايات القرن السابع عشر كان له أثر فلسفي مزلزل في عموم أوروبا، حيث جعلت فكرة "لا محدودية العالم" تغزو أفكار الكنيسة.

لكن بالنسبة لمفكرين من أمثال جون ميتشل، لم تُطح مثل هذه الثورة العلمية بفكرة الإيمان بالله من قلوبهم، وإنما جددت لديهم فكرة مفادها أن قوانين الطبيعة ما تزال تدور في فلك القوانين الإلهية.

وكما صاغها إسحاق نيوتن في عام 1704 بالقول إن "واجبنا تجاه الله، إضافة إلى واجباتنا تجاه أحدنا الآخر، ستتبدى لنا في ضوء الطبيعة". وعلى هذا المنهج سار جون ميتشل.

وفي ذلك يقول المؤرخ راسل مكورمماش عن ميتشل: "كانت حقائق إيمانه على وفاق مع حقائق الطبيعة".

وعليه، إلى جانب واجباته ككاهن في كنيسة، جعل ميتشل يركز اهتمامه تدريجياً على علم الكونيات - وتحديداً قانون الجاذبية.

هذا التخصص بعينه هو الذي سيشهد خروج ميتشل بنتائج علمية ستظل يُنظَر إليها حتى بعد مرور وقت طويل من وفاة صاحبها على أنها "نبوءة ثورية".

مصدر الصورة

صنع جون ميتشل بنفسه تلسكوباً عاكساً يبلغ ارتفاعه ثلاثة أمتار (10 أقدام).

وفي عام 1767، كان ميتشل أول من سخّر عِلم الإحصاء الرياضي لدراسة علم النجوم المرئية، موضحاً أن نسَق عناقيد النجوم ليس عشوائياً وإنما هو خاضع لقوانين الجاذبية.

ثم عكف ميتشل على ابتكار ما يُعرف باسم "ميزان الالتواء"، في محاولة لاحتساب كثافة كوكب الأرض، لكنه مات قبل أن يستفيد من الجهاز، غير أن صديقه الفيلسوف والعالِم الإنجليزي هنري كافنديش، أكمل التجربة بنجاح في عام 1797.

ولا يزال جهاز ميتشل (ميزان الالتواء) يُستخدم حتى يومنا هذا في قياس ما يُعرف باسم "ثابت الجاذبية" أو قوة الجاذبية الموجودة في العالم.

الكشف عن الثقوب السوداء النجمية

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك الخبر

إقرأ أيضا