في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في مشهد كوني فريد يكسر القواعد المألوفة لعمر النجوم، اكتشف فريق دولي من علماء الفلك، نظاما ثنائيا مذهلا يزن ما يعادل 163 شمسا.
ورغم أنه ما يزال في مرحلة الشباب النجمي، إلا أن هذا الزوج العملاق يُظهر خصائص تشبه نجوما محتضرة في نهاية أعمارها، ليبدو كأنه يعيش شيخوخة سابقة لأوانها في قلب مجرتنا درب التبانة.
ويعرف هذا النظام النجمي الثنائي باسم "إن جي سي 3603-إيه1″، وتبلغ كتلة الأول نحو 93 ضعف كتلة الشمس، في حين تصل كتلة النجم الثاني إلى حوالي 70 ضعف كتلة الشمس، وهذا يجعلهما من بين أثقل الأزواج النجمية المعروفة حتى اليوم.
والمثير في هذا الاكتشاف، المنشور بدورية "ذا أستروفيزكال جورنال"، هو السرعة الهائلة لدورانهما، فبينما تحتاج الأرض إلى عام كامل لتكمل دورتها حول الشمس، يدور هذان العملاقان حول بعضهما البعض مرة كل 3.8 أيام فقط، أي ما يقارب 100 دورة في السنة الواحدة.
وتحمل قصة هذا الاكتشاف بعدا إنسانيا لافتا، إذ كانت الطالبة الجامعية سارة بودانسكي، والباحثة الحالية بقسم الفلك بجامعة ماساتشوستس، تراجع خلال عملها عن بُعد في صيف جائحة كورونا عام 2020، بيانات قديمة من تلسكوب هابل، فلاحظت أن خطوط الطيف النجمي تنقسم إلى خطين، وهذا كشف أن ما كان يُعتقد أنه نجم واحد هو في الحقيقة نظام ثنائي متفاعل.
ويقع هذا النظام في قلب العنقود النجمي "إن جي سي 3603″، أحد أكثر مناطق تكوين النجوم نشاطا في مجرة درب التبانة، ورغم شبابهما، يظهر النجمان بخصائص تشبه نجوم "وولف رايت" المحتضرة، ما يعكس الظروف القاسية التي يعيشانها.
ونجوم وولف رايت، هي نجوم عملاقة جدا، وعادة تكون في المراحل النهائية من حياتها، وتتميز بعدة خصائص أساسية، منها رياح نجمية قوية تزيح الطبقات الخارجية بسرعة هائلة، وفقدان سريع للكتلة، وحرارة سطحية مرتفعة تمنحها بريقا شديدا وملامح طيفية مميزة.
أما النجمان في النظام الثنائي "إن جي سي 3603-إيه1″، فرغم أنهما شابان نسبيا، فهما يظهران هذه الخصائص بسبب عدة عوامل، أهمها أن كتلتهما الهائلة تؤدي إلى احتراق أسرع للوقود النجمي.
كما أن النجم الأصغر يسرق جزءا من كتلة رفيقه الأكبر، ما جعله يدور بسرعة أكبر، في عملية فلكية تُعرف بـ"نقل الكتلة"، وهذا من شأنه أن يعزز الرياح النجمية، وهذا يشبه تماما السمات التقليدية لنجوم وولف رايت المحتضرة.
ويقول الدكتور أنتوني مينتر، أحد الباحثين المشاركين في تقرير نشره موقع "يونيڤيرس توداي": "هذه الأنظمة النادرة هي بمثابة مختبر طبيعي لفهم كيف تتطور النجوم العملاقة، وكيف يمكن أن تنتهي حياتها كثقوب سوداء ضخمة"، مضيفا أن هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام معرفة أعمق بكيفية تشكل الأزواج النجمية القادرة على إطلاق موجات جاذبية.
من جانبها، وصفت الطالبة سارة بودانسكي تجربتها قائلة: "لم أكن أتوقع أن ملاحظتي البسيطة في بيانات قديمة ستقود إلى اكتشاف بهذا الحجم. إنه شعور مدهش أن أسهم في علم قد يغير فهمنا للكون"، مؤكدة أن التجربة شكلت مصدر إلهام كبير لها في مسيرتها البحثية.
ويؤكد الفريق البحثي أن دراسة مثل هذه الأنظمة ليست مجرد اكتشاف نادر، بل هي نافذة على مستقبل الكون، إذ تعد الأزواج العملاقة من هذا النوع مقدمة لولادة ثقوب سوداء مزدوجة، قد تندمج لاحقا مطلقة موجات جاذبية هائلة، وهي الظاهرة التي بدأ العلماء برصدها منذ عام 2015.