بعد سنوات من السعي والطموح، نجح المغرب أخيرا في تحقيق حلمه الكبير بتنظيم كأس العالم لكرة القدم لعام 2030 بشراكة مع إسبانيا والبرتغال، حيث يمثل الإعلان التاريخي عن احتضان المملكة لمونديال 2030 إنجازًا استثنائيًا للمغرب الذي لطالما راوده هذا الحلم على مدار عقود من العمل الدؤوب والطموحات المتجددة.
وقررت المملكة المغربية، للمرة السادسة في تاريخها، التقدم بطلب الترشح لاستضافة نهائيات كأس العالم 2030، في ملف مشترك مع كل من إسبانيا والبرتغال، كأول ملف في تاريخ كرة القدم بين دول من قارتين مختلفتين.
بعد 30 عاما على أول محاولة لاستضافة أول نسخة، وأربع محاولات أخرى فاشلة، سيستضيف المغرب الحدث العالمي للمرة الأولى في تاريخه، بعد اعتماد الملف المغربي الاسباني البرتغالي ترشيحا وحيدا لنسخة 2030 من طرف الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، مع منح أمريكا الجنوبية ثلاث مباريات.
إصرار لتنظيم المونديال
على مدار العقود الماضية، قدم المغرب نفسه كواحد من أكثر الدول إصرارًا وطموحًا لتنظيم كأس العالم، حيث خاض خمس محاولات جادة لاستضافة هذا الحدث الكروي الأضخم. ورغم التحديات والإخفاقات، ظلت المملكة تُؤمن بقدرتها على تحقيق هذا الحلم، مُستخدمة كل محاولة كفرصة لتطوير بنيتها التحتية وتعزيز مكانتها الرياضية والدولية.
بدأت رحلة المغرب نحو تنظيم المونديال منذ أوائل التسعينيات، عندما قدم أول ملف ترشح لاستضافة كأس العالم 1994، ورغم المحاولات المتكررة في 1998، 2006، و2010، إلا أن المغرب لم يحالفه الحظ، حيث كانت المنافسة شرسة مع دول ذات إمكانيات رياضية واقتصادية كبيرة، لكن رغم الإخفاقات، ظل المغرب متمسكًا بحلمه، ومصرا على إثبات قدرته على احتضان هذا الحدث العالمي.
المحاولة الأولى للمملكة المغربية كانت لتنظيم مونديال 1994، حيث كان المغرب في بداية التسعينيات، أول دولة إفريقية تتقدم بملف ترشح لاستضافة كأس العالم، ورغم حداثة التجربة، قدم المغرب ملفا طموحا، لكنه خسر المنافسة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية التي تم اختيارها لاستضافة النسخة.
المحاولة الثانية تعود لمونديال 1998، حيث لم تثنِ الهزيمة الأولى عزيمة المغرب، فعاد للتقدم بملف جديد لاستضافة مونديال 1998، إذ تمحور الملف حول تطوير البنية التحتية الرياضية واستضافة مباريات على ملاعب حديثة، ومع ذلك، فازت فرنسا بالاستضافة بعد منافسة شديدة، ليظل الحلم المغربي مؤجلاً.
عادت المملكة في محاولة ثالثة لتنظيم كأس العالم 2006، حيث تُعد هذه المحاولة من أبرز المحطات في رحلة المغرب نحو استضافة المونديال، إذ استثمر المغرب موارد هائلة لتقديم ملف قوي تضمن بناء ملاعب حديثة في مدن كبرى مثل الرباط الدار البيضاء ومراكش وطنجة، ورغم الدعم الكبير الذي حظي به الملف المغربي، إلا أن ألمانيا انتزعت شرف الاستضافة بفارق بسيط في الأصوات.
أما المحاولة الرابعة كانت في مونديال 2010، إذ كانت هذه أول فرصة لاستضافة المونديال على الأراضي الإفريقية، وكان المغرب منافسًا رئيسيًا، خاصة مع تقديم ملف قوي يركز على دعم كرة القدم في القارة السمراء، ورغم الجهود المبذولة، فازت جنوب إفريقيا بحق تنظيم كأس العالم، لتظل آمال المغرب مؤجلة مرة أخرى.
المحاولة الخامسة والأخيرة كانت خألمونديال 2026، حيث عاد المغرب للمنافسة بعد غيابه لسنوات، مُستفيدًا من تجربته الطويلة في إعداد الملفات، وركز ملف 2026 على تطوير البنية التحتية واستضافة مباريات على ملاعب صديقة للبيئة، لكن الملف المشترك بين الولايات المتحدة، كندا، والمكسيك تفوق بفارق كبير في التصويت، مما شكل خيبة أمل جديدة للمغرب.
تنظيم استثنائي
جاءت استضافة المغرب لمونديال 2030 في إطار تنظيم ثلاثي مشترك مع إسبانيا والبرتغال، حيث من شأن هذا التنظيم أن يعزز فوز المغرب بتنظيم المونديال مكانته كقوة إقليمية ودولية قادرة على جذب الأنظار واستضافة أحداث رياضية كبرى.
كما يُتوقع أن يُسهم المونديال في إنعاش الاقتصاد الوطني، خاصة في قطاعي السياحة والبنية التحتية، مع تدفق ملايين المشجعين من مختلف أنحاء العالم، فضلا أن هذا الإنجازيُعد تكريمًا للجهود المستمرة التي بذلها المغرب في تطوير كرة القدم الوطنية، والتي تُوجت مؤخرًا بإنجازات بارزة على مستوى المنتخبات والأندية.
واستعدادًا لهذا الحدث المنتظر، استثمر المغرب بشكل كبير في تحديث وتطوير ملاعبه ومدنه الرياضية. من ملعب طنجة الكبير إلى ملعب مراكش، بالإضافة إلى المشاريع المستقبلية التي ستُعزز جاهزية المغرب لاستقبال المنتخبات والجماهير على أعلى مستوى، كما سيتم التركيز على تحسين الخدمات اللوجستية، مثل النقل والإقامة، لتقديم تجربة استثنائية لضيوف المونديال.
ويطمح المغرب لاحتضان نهائي مونديال 2030 في ملعبه الجديد الأكبر في العالم في مدينة بنسليمان، الذي سيسع إلى 115 ألف متفرج، فيما تسعى إسبانيا لاستضافة النهائي على ملعب "سانتياغو برنابيو" معقل نادي ريال مدريد، بعد أن استضاف الملعب ذاته نهائي مونديال 1982 الذي نظمته إسبانيا بمفردها.
وتقدم المغرب بست ملاعب لاحتضان مباريات كأس العالم سنة 2030 بشراكة مع إسبانيا والبرتغال، ويتعلق الأمر بملعب الحسن الثاني في بنسليمان نواحي الدار البيضاء، المجمع الرياضي الأمير مولاي عبد الله، فضلا عن ملعب طنجة وملعب مراكش الكبير وملعب أكادير وملعب فاس.
وحسب ملف الترشح، الذي تقدمت به البلدان المنظمة للاتحاد الدولي لكرة القدم، فإن الملاعب المرشحة ستصبح مغطاة بصفة كاملة مع إزالة الحلبات المطاطية، وخفض مستوى أرضياتها، لتصبح متوافقة مع معايير "الفيفا".
وانطلق المغرب في بناء ملعب الحسن الثاني بسعة 115 ألف مقعد، مع إعادة تهيئة باقي الملاعب المذكورة وإعادة توسيعها، إذ ستصبح 68.700 متفرج بملعب الرباط، و75.600 بملعب طنجة، و55.800 بملعب فاس، و46 ألف مقعد بملعب أكادير، و45.860 مقعد في ملعب مراكش.
إلى ذلك، رشح المغرب المسرح الكبير بالرباط لاحتضان قرعة الدور التمهيدي والأدوار النهائية، مع ترشيحه قصر المؤتمرات بابن جرير لاحتضان الأوراش والندوات الخاصة بالمنتخبات المشاركة، والمسرح الكبير بالدار البيضاء لاستقبال مؤتمر الاتحاد الدولي لكرة القدم.
وبخصوص المواقع المرشحة لاحتضان المشتجعين، فقد تم ترشيح 12 موقع في ست مدن مختلفة بالمغرب، أبرزها ساحة السويسي بالرباط، الموسيقي، و“كورنيش” الدار البيضاء و"أنفا بارك" بالمدينة ذاتها، و”باب إغلي” بمدينة مراكش.