يتوقع تقرير صادر عن صحيفة اقتصاد الشرق أن تشكل استثمارات كأس العالم 2030 قاطرة رئيسية لنمو الاقتصاد المغربي خلال سنة 2026، في وقت ستبقى فيه سنة 2025 عالقة في أذهان المغاربة بعد تحقيق إنجازات رياضية عديدة وكسر حلقة سنوات الجفاف وتدفق المستثمرين نحو بورصة الدار البيضاء.
ويسجل الناتج المحلي الإجمالي في المغرب نمو بنحو 5 بالمئة خلال العام الجاري، وهو المعدل الأعلى منذ أربع سنوات بدعم من انتعاش القطاع الزراعي والصناعة والخدمات، مقابل 3.8 بالمئة المحققة العام الماضي.
وتبشر نهاية السنة الجارية الممطرة بموسم فلاحي جيد تجنى ثماره السنة المقبلة، مما يرجح مراجعة توقعات النمو نحو الارتفاع، مع استفادة البلاد من أداء استثنائي لقطاع السياحة مدعوم بتدفق الجماهير لمتابعة مباريات كأس أمم أفريقيا 2025 بمدن المملكة خلال شهري دجنبر ويناير.
وتنفذ المملكة مشاريع بنية تحتية ضخمة تقدر قيمتها بأكثر من 100 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة استعدادا للمونديال، حيث تشمل هذه الأوراش تأهيل الملاعب وتوسعة المطارات وتمديد خطوط السكك الحديدية والطرق السريعة.
كما يشيد المغرب في ضواحي مدينة الدار البيضاء ملعبا سيكون الأكبر في العالم بطاقة استيعابية تناهز 115 ألف متفرج، ليكون هذا الاستثمار الرياضي دافع قوي للنمو خلال العام المقبل بنسبة تصل إلى 4.5 بالمئة حسب تقديرات بنك المغرب.
وتعتزم الحكومة ضخ استثمارات عمومية تتجاوز 380 مليار درهم بزيادة قدرها 12 بالمئة مقارنة بالعام السابق، وهو ما يمثل 21 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في رقم غير مسبوق في تاريخ البلاد، حيث تمر هذه الأموال عبر القطاعات الوزارية والصندوق السيادي محمد السادس للاستثمار.
وكشفت نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية أمام المشرعين في شهر أكتوبر الماضي، أن الحكومة ستوجه هذه المبالغ لمشاريع النقل وتوسعة المطارات وتمديد السكك الحديدية وتسريع إنجاز ميناءين في شمال وجنوب المملكة.
ويخطط المغرب لمضاعفة الطاقة الاستيعابية لمطاراته لتصل إلى 80 مليون مسافر بحلول سنة 2030، تماشيا مع نمو قطاع السياحة الذي سجل استقبال 17.4 مليون سائح العام الماضي مع تطلع لرفع الرقم إلى 26 مليون سائح بنهاية العقد.
وتحصد شركات البناء المحلية أغلب صفقات البنية تحتية رغم المنافسة الدولية، ومن أبرزها شركة الأشغال العامة للبناء بالدار البيضاء والشركة العامة للأشغال بالمغرب وجيت كونتراكترز، وهي شركات مدرجة في سوق الأسهم شهدت أسعارها ارتفاع ملحوظ.
كما تواجه المملكة تحديات مستمرة رغم انتعاش الزراعة، وعلى رأسها تحفيز النمو لخلق فرص العمل وكبح جماح البطالة التي تجاوزت 13 بالمئة، ووصلت في صفوف الشباب إلى 38 بالمئة حسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط.
أكد يوسف كراوي الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير في تصريح لـ”اقتصاد الشرق”، أن أكبر تحد يواجه اقتصاد المغرب هو الرفع من مستوى النمو وإحداث تحول في القيمة المضافة لقطاعي الصناعة والخدمات وتقليل التبعية للزراعة.
وأبرز المتحدث في تصريح خص به المصدر ذاته أن التحدي يكمن في الانتقال من نسبة نمو 4 بالمئة إلى 8 بالمئة لامتصاص البطالة، عبر التركيز على الصناعات ذات التكنولوجيا العالية وتجاوز آثار موجة الجفاف التي أثرت على النشاط الفلاحي.
وأفاد فوزي لقجع الوزير المكلف بالميزانية أن البنية التحتية المخصصة لكأس أمم أفريقيا 2025 ستدعم بشكل مباشر استعدادات كأس العالم، مؤكدا اعتماد آليات “تمويل مبتكرة” وشراكات مع القطاع الخاص لتمويل هذه المشاريع دون إثقال كاهل الميزانية.
ويرى المسؤول الحكومي أن تنظيم كأس العالم يجسد منظور استراتيجي تتشابك فيه كل مظاهر التنمية، حيث تلتزم المملكة بتطوير القطاع الصحي وتشييد الملاعب عبر شركات مغربية تشغل يد عاملة محلية.
ولجأت الحكومة لآلية التمويلات المبتكرة لجمع أكثر من 13 مليار دولار عبر بيع أصول عقارية تابعة للدولة ومؤسسات ثم استئجارها، مع استهداف خفض العجز إلى 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في ميزانية العام المقبل.
وأبقى بنك المغرب سعر الفائدة دون تغيير عند 2.25 بالمئة للمرة الثالثة على التوالي نهجا لسياسة الحذر، رغم تسجيل انكماش في أسعار المستهلكين بنسبة 0.3 بالمئة في شهر نونبر الماضي بفضل تراجع أسعار المواد الغذائية.
وأشارت مذكرات بحثية صادرة عن التجاري وفا بنك وبنك أفريقيا، أن قرار المركزي يعكس سياسة نقدية حذرة توازن بين السيطرة على التضخم ومتطلبات دعم دورة الاستثمار الضخمة التي تشهدها البلاد استعدادا للموعد المونديالي.
المصدر:
العمق