لا يختلف معظم المحللين والمتابعين والأكاديميين، بل وعموم الجمهور، حول أن سنة 2025 تشكل محطة فاصلة في مسار النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، بانتقال الملف فعليا من مرحلة “إدارة النزاع والتدبير” إلى مرحلة “الحسم النهائي والتغيير”، مع رياح هبّت بقوة لتثبيت الترسيخ الدولي لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وأسقطَت آخر الأوراق عن “عورة الانفصاليين” وبَوار داعميهم.
وقد تميزت السنة، التي تلفظ آخر أنفاسها، بتراكم دبلوماسي غير مسبوق وتحولات جيوسياسية عميقة جعلت من مبادرة الحكم الذاتي الحل الوحيد والواقعي المطروح على الطاولة الدولية.
لا يحتاج المتتبع لتحولات القضية الأولى للمغاربة إلى كثير من التأمّل ولا إلى استنزاف الجهد ليَستخلصَ أن العام 2025 سيبقى محفورا في ذاكرة المغاربة، جيلا بعد جيل، بمثابة “سنة ذهبية” للدبلوماسية المغربية، وفق وصف باولو بورتاس، وزير الخارجية البرتغالي الأسبق.
بقرارات أممية، آخرُها القرار 80/89 المعزّز للمسلسل الأممي المؤطر بقرار مجلس الأمن 2797، تترسخ “الواقعية السياسية” وتتجدد توجها دوليا متقدما نحو ترسيخ الخيار السياسي القائم على التوافق والواقعية؛ بما ينسجم مع الطرح المغربي للحكم الذاتي باعتباره مبادرة ذات مصداقية ومرتكزا رئيسيا لإنهاء النزاع المفتعل.
تتميز الحصيلة الدبلوماسية للمغرب لعام 2025، حسب تحليل الأكاديمي لحسن أقرطيط، بـ”القوة والإيجابية” على المستويين السياسي والدبلوماسي، مسجلا أن “قرار مجلس الأمن رقم 2797 شكّل منعطفا حاسما في إدارة النزاع المفتعل.
وبالتفصيل أورد أقرطيط، أستاذ العلاقات الدولية والجيوبوليتيك، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، أن “الحكم الذاتي كخيار وحيد؛ حين حدَّد القرار أفق العملية السياسية باعتبار مبادرة الحكم الذاتي هي الأرضية السياسية الوحيدة والأساسية لأية مفاوضات مستقبلية”، مع “تحديد دقيق للمسؤوليات الدولية”، مشيرا إلى أن “الجزائر وجبهة البوليساريو يعدان طرفيْن أساسيين”.
كما استحضر المصرح ذاته “عزلة الخصوم”؛ بوضع القرار الأطراف الأخرى في “مواجهة مباشرة مع الشرعية الدولية؛ فأية محاولة للالتفاف عليه تُعد انقلابا على المنتظم الدولي، الذي حسم موقفه بتثبيت سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية”.
واعتبر أقرطيط أن “سنة 2025 كرّست المغرب كقوة صاعدة وفاعل محوري في الجغرافيا السياسية العالمية”، مستطردا بالشرح “بروز المغرب كقوة سياسية وجيواستراتيجية وازنة في منطقة شمال وغرب إفريقيا؛ وهو ما تجلى في استضافة مؤتمرات دولية كبرى؛ مثل “مؤتمر الإنتربول” و”مؤتمر الماء” بمراكش.
ولم تغب “القيادة المؤسساتية” عن ناظرَيْ محلل الشؤون الدولية المتابع للدبلوماسية المغربية، مستدلا بترؤس المغرب حاليا أكثر من 50 منظمة وآلية دولية في قضايا استراتيجية، تشمل محاربة أسلحة الدمار الشامل والكيميائي، ومكافحة الفساد، والوساطة الدولية… ناهيك عن “تعزّز الحضور المغربي برئاسة مجلس حقوق الإنسان لولايتين دوريتيْن متتاليتين؛ ما يعكس الثقة الدولية في المسار الحقوقي والمؤسساتي للمملكة”.
وخلص أقرطيط إلى أن المغرب انتقل، في عام 2025، من مرحلة “الدفاع” إلى مرحلة “الريادة وتغيير موازين القوى”، مستندا إلى “قوة المنجَز التنموي الميداني” والاعتراف الدولي المتزايد بمغربية الصحراء كحقيقة ثابتة لا رجعة فيها.
أكد عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض- مراكش، أن الدبلوماسية المغربية شهدت، في السنوات الأخيرة، وتحديدا في 2025، “تنوعا ملحوظا في الوجهات والمداخل” المتعلقة بالتعاطي مع ملف الصحراء المغربية.
ويُعتبر القرار الأممي رقم 2797 الصادر عن مجلس الأمن، بالإضافة إلى قرارات الجمعية العامة وهيئات الأمم المتحدة، تجسيدا للاصطفاف الدولي إلى جانب الشرعية والمشروعية التي يتمتع بها المغرب. هذا الزخم، حسب الأكاديمي ذاته، هو “حصيلة لجهود دبلوماسية حثيثة يقودها جلالة الملك محمد السادس، والتي رسمت معالمها مرتكزات جديدة منذ عام 2016”.
وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، فكك البلعمشي “عقيدة” الدبلوماسية المغربية بأنها تسعى إلى “الترابط لا العزل”، محددا لها ثلاثة أقطاب بارزة، جرّت معها انتصارات القضية الأولى للمغاربة.
الأول هو “تعدد المداخل الاستراتيجية”، إذ تعتمد الدبلوماسية المغربية “نهجا متعدد الوجهات لا يقتصر على الحل السياسي الكلاسيكي؛ بل يربط ملف الصحراء بملفات حيوية أخرى كالهجرة، وحقوق الإنسان، والتعاون الأمني والقضائي”. وثانيها “منطق الشراكات المتكاملة”، حيث يفرض المغرب على شركائه الاستراتيجيين رؤية متكاملة ترفض عزل ملف الصحراء عن باقي أوجه التعاون؛ ما جعل الموقف من القضية الوطنية معيارا أساسيا لصِدقيّة التحالفات الدولية”. يضاف إلى ذلك “تنوع الشركاء”؛ فمنذ عام 2016، نجح المغرب في تنويع شركائه الدوليين متجاوزا المحاور التقليدية، مما عزز موقفه في المحافل الدولية.
وشدد الأستاذ الجامعي المتابع لدبلوماسية الصحراء على أن “التوجه الدولي الحالي، الذي يمثله الأمين العام للأمم المتحدة، بات ينظر إلى حل النزاعات الإقليمية من زاوية تنموية. وفي هذا السياق، استثمر المغرب بشكل مكثف في الأقاليم الجنوبية؛ وهو ما عكسه الخطاب الملكي حول “التمييز الإيجابي” في مجال الاستثمار بهذه المناطق. هذا النجاح التنموي عزز من قيمة مبادرة الحكم الذاتي (المقدّمة عام 2007)، والتي تحولت من “مبادرة مغربية للتفاوض” إلى “توجه عالمي مُعتمد من قبل مجلس الأمن كخيار وحيد لتسوية النزاع”، بتعبير البلعمشي.
تطرق المصرح لهسبريس إلى “الأهمية القانونية والسياسية لافتتاح العديد من القنصليات في مدينتي العيون والداخلة، معتبرا إياها تكريسا لمنطق “القوة والتوازنات الإيجابية” في العلاقات الدولية. كما أبرز دور المغرب كفاعل أساسي في إفريقيا منذ عودته إلى الاتحاد الإفريقي عام 2017، مستعرضا القوة الناعمة للمملكة من خلال البنية التحتية البنكية والخدماتية؛ ما جعل المغرب شريكا لا غنى عنه للقوى الدولية الساعية لتأمين انتقال الرساميل والتعامل مع القارة الإفريقية.
وختم البلعمشي حديثه باستحضار “المبادرة الاستراتيجية الأطلسية” الرامية إلى تمكين دول الساحل من الوصول إلى المحيط الأطلسي. معتبرا أن هذه المبادرة “تفتح هامشا جديدا للتجارة الدولية نحو الأمريكيتين وبريطانيا، خاصة في ظل التوترات التي تشهدها الممرات البحرية التقليدية مثل قناة السويس وباب المندب، أو التداعيات الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية”. وبذلك، لم تعد “مجرد مشروع إقليمي، بل يشكل فضاء خصبا للتجارة العالمية يخدم مصالح القوى الاقتصادية الكبرى”؛ ما ينعكس إيجابا على الموقف السياسي الداعم للوحدة الترابية للمملكة المغربية.
المصدر:
هسبريس