بتزامن مع نهائيات كأس الأمم الإفريقية المنظمة بالمغرب، يقدم معرض جديد بالرباط تراثا إفريقيا زاخرا في “رحلة عبر المناظر، والحضارات، والأحلام”، بمقر أقدم قصر عدالة بالعاصمة.
هذا المعرض تنظمه “مؤسسة المحافظة على التراث الثقافي لمدينة الرباط”، و”مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة”، بشراكة مع “مركز التراث العالمي” و”مكتب اليونسكو بالرباط” و”الرباط الجهة للتراث التاريخي”، ويقدم باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، والصور، والمقاطع المسجلة، والشاشات التفاعلية رحلة في التراث الأثري والطبيعي للقارة الإفريقية، منذ عهود الرسوم الصباغية والنقوش الصخرية إلى اليوم.
يؤرخ المعرض لإفريقيا، القارة مهد الإنسانية مسميا دولها: “أراضي البدايات”؛ لأنه “على امتداد آفاق وادي الصدع الإفريقي العظيم، تحتفظ الأرض بذاكرة خطانا الأولى، وتحدثنا البصمات المتحجرة والأدوات الحجرية عن ذلك التشكل البطيء للإنسان: عن حركاته واكتشافاته الأولى، ونظراته المرتفعة نحو السماء”.
ويتابع نص استقبال زائري المعرض: “في وادي أومو على الهضاب الإثيوبية، أو على تلال جبل إيغود المغربية حيث اكتشفت أقدم البقايا الأثرية لأسلاف ‘الإنسان العاقل’، حيث لا يكتفي الماضي بالصمت؛ بل يبوح همسا عبر الحجارة، وعبر النقوش الصخرية، وعبر الشواهد التي نحتها الزمان على مر العصور”، فإن إفريقيا “ليست مهد الإنسان فحسب، بل هي أيضا موئل الفكر، ومطلع الفن، ومنطلق النظرة الإنسانية الأولى إلى الوجود”.
ومن الحدود الليبية الجزائرية، يقدم المعرض موقعا مدرجا على قائمة التراث العالمي، هو “تادرارات أكاكوس”؛ المرتفع الصخري “الغني بآلاف الرسوم الصخرية، ذات الأساليب المختلفة كليا، التي يعود أقدمها إلى 21 ألف عام قبل الميلاد، ويمكن اعتبار أن أحدثها يرقى إلى القرن الأول الميلادي”، وهي رسوم تعكس “التعديلات العميقة التي طرأت على الثروة الحيوانية والنباتية، وكذلك أنماط الحياة المتنوعة للشعوب التي تتالت على هذا الجزء من الصحراء الكبرى”.
ومن الرسوم الصخرية، إلى البقايا الأحفورية “الأهم لدراسة تطور النوع البشري” يحط المعرض الرحال قرب بحيرة توركانا بإثيوبيا، ثم العاصمة المصرية القديمة “طيبة” الشاهدة على “الحضارة المصرية يوم بلغت ذروتها، بما فيها من معابد وقصور الكرنك، والأقصر، ومقابر وادي الملوك ووادي الملكات”.
ومن نيجيريا يقدم المعرض “غابة أوسون أشوغبو المقدسة” التي “يعبرها نهر أوسون، وتؤوي معابد ومنحوتات وصروحا فنية شيدت على شرف أوسون وغيرها من آلهة يوروبا”، وربما “تشكل آخر غابة مقدسة في ثقافة يوروبا. وهي امتداد للعادات التي كانت واسعة الانتشار في الماضي، وتقضي بإقامة الأمكنة المقدسة بعيدا عن الأمكنة السكنية”.
ومن البنين والتوغو، يقتبس المعرض “مشهدا ثقافيا” هو موقع “كوتاماكو” بمساكنه، وبساتينه، وينابيعه، وصخوره المقدسة، ومنحدراته المتدرجة، ونباتاته “المستخدمة في بناء مساكن (…) مرتبطة بطقوس ومعتقدات باتاماريبا”، ثم من أوغندا تحضر “قبور الأمراء في بوغندا، الممتدة على 30 هكتارا من التلال تقريبا (…) ويشكل أكبر جزء من الموقع منطقة زراعية مستثمرة بحسب الأساليب التقليدية”، وهو موقع يستمر في الحفاظ على “قيمته غير المادية، التي تتمثل في الإيمان، والروحية، والاستمرارية، والهوية”.
ومن بين ما يحضر في المعرض الرباطي، الكنائس المحفورة في صخر لاليبلا الجبلي، و”الوحدة الهندسية المدهشة” لجزيرة الموزمبيق، و”الدوائر المغليثية” في السنغال وغامبيا، ومدينة لامو القديمة الكينية، المبنية “من صخور مرجانية، ومن خشب الشورى”، التي صارت منذ القرن التاسع عشر “مركزا مهما لدراسة الثقافات الإسلامية والسواحلية”، كما تقدّم “بقايا عاصمة مملكة الكونغو القديمة”، و”مدينة زنجبار الحجرية” بتنزانيا، بوصفها “نموذجا رائعا من المدن التجارية الساحلية السواحيلية في إفريقيا الشرقية (…) تروي ثقافتها المميزة القائمة على مزيج عناصر متفاوتة من الثقافة الإفريقية والعربية والهندية والأوروبية، امتد على أكثر من ألف سنة”.
ومن تونس، اختار المعرض “موقع قرطاج الأثري”، معرفا بقرطاج البائدة التي كانت “إمبراطورية تجارية شغلت جزءا كبيرا من منطقة البحر المتوسط، وشكلت مركزا تجاريا لحضارة ساطعت، كما أنها احتلت أراضٍ من روما خلال الحروب البونيقية”.
كما انتخبت الرحلة من القارة الإفريقية الشاسعة حاضرة تمبوكتو المالية “التي “تتميز بالمسجد الجامعي المدهش الواقع في سانكوري، وبمدارس أخرى، في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وكانت عاصمة فكرية وروحية ومركزا لنشر الإسلام في إفريقيا”، مع تنبيهها إلى أن “مساجدها الثلاثة، جينقري بير، وسانكوري، وسيدي يحي، تشهد على عصرها الذهبي. وبالرغم من ترميمها في القرن السادس عشر، تعتبر هذه النصب الأثرية مهددة اليوم بفعل تقدم الرمال”.
ويمثل بوركينا فاسو “البلاط الملكي في تيبيليه” وهو “مجمع معماري طيني أنشئ في القرن السادس عشر، ويشهد على التنظيم الاجتماعي والقيم الثقافية لشعب كاسينا (…) ويضطلع الرجال بمهمة بناء البلاط الملكي ثم تقوم النساء بتزيين الأكواخ بزخارف رمزية، وهن الحارسات الوحيدات لهذه المعارف، ويضمنّ استمرارية هذا التقليد”. كما تمثل موريتانيا “قصور” وادان، وشنقيطي، وتشيت، ووالات القديمة، بوصفها مدنا تأسست في القرنين الحادي عشر والثاني عشر “لتلبية احتياجات القوافل التي تعبر الصحراء. وأصبحت هذه المراكز المتحركة والدينية مقرات للثقافة الإسلامية”.
ومن التاريخ الحديث، يستدعي المعرض “المدينة التاريخية لغراند – باسام” بكوت ديفوار، التي كانت “العاصمة المينائية والاقتصادية والقضائية” وهي شاهدة على “طبيعة العلاقات الاجتماعية المعقدة بين الأوروبيين والأفارقة، ثم على الحراك الوطني الداعي إلى الاستقلال”.
ومن بين ما يهتم به معرض “إفريقيا: رحلة عبر المناظر، والحضارات، والأحلام” جبال الإندي بتشاد لما تشكله من “مناظر مذهلة، من أقواس طبيعية، وأعمدة صخرية، وقمم ومنحدرات”، فضلا عن “آلاف الصور المرسومة والمنحوتة على سطوح الكهوف الصخرية”، التي تعتبر “واحدة من أكبر المجموعات الفنية الصخرية في الصحراء”. ثم جبل مولانجي بمالاوي وما ترافقه من طقوس قدسية، و”شلالات فكتوريا الأروع في العالم” بزامبيا وزمبابوي، و”المنظر الطبيعي الثقافي دي-جيد-بي” في الكاميرون، المجسد لـ”الرابط الثقافي والروحي الراسخ بين الإنسان والبيئة”.
وفي ملتقى إفريقيا بالبحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، يجد الزائر المغرب عبر نماذج من بينها الرباط، تطوان، وليلي، مكناس، مراكش، الصويرة، فاس، الجديدة، وقصر آيت بن حدو في إقليم ورزازات… مسميا المملكة “أرض الامتداد”؛ بوصفها أرضا “تعاقبت عليها الحضارات دون انقطاع، ونسجت الشعوب على ترابها عبر القرون نسيجا واحدا من المعرفة والإيمان والجمال”.
المصدر:
هسبريس