آخر الأخبار

الروابط بين العملات المشفرة وتمويل الإرهاب تستعجل التقنين في المغرب

شارك

ساند باحثون مغاربة مختصون في الشؤون المالية الرقمية والتكنولوجيا المالية خلاصاتِ التقرير الثامن لرئاسة النيابة العامة لسنة 2024 بشأن إلحاح الحاجة إلى “وضع إطار قانوني واضح ينظم التعامل بالعملات المشفرة في الوقت الراهن، خاصة ما يتعلق بوضع مقتضيات إجرائية تنظم كيفية حجزها ومصادرتها لفائدة الدولة، ما يتعيّن معه تسريع وتيرة إعداد إطار قانوني ينظم التعامل بها”.

السنة موضوع التقرير شهدت “ما مجموعه 17 قضية ترتبط بالتعامل غير المشروع بالعملات المشفرة” بعدد من محاكم المملكة، وفي جهات مختلفة.

التقرير جاء في شق “تنفيذ السياسة الجنائية” بتحذير صريح من لجوء الجماعات والتنظيمات الإرهابية إلى تمويل أنشطتها وعملياتها بالعملات الرقمية (تحديداً USDT في حالة لجمع التبرعات لصالح التنظيم الإرهابي ‘داعش’ أواخر 2024)… “ما يؤكد أن الجماعات الإرهابية أصبح لديها اليوم إلمام كبير بطرق استعمال وتداول مختلف العملات الرقمية، لتمويل أعمالها الإرهابية، دون لفت انتباه أجهزة الرصد والمراقبة الرسمية”، بحسبه.

ومن الرباط إلى واد زم “مازالت بعض محاكم المملكة تُعرض عليها بعض القضايا ذات الصلة بالتعامل بالعملات المشفرة، سواء من خلال الاتجار غير المشروع بها أو استعمالها كوسيلة تُسهّل ارتكاب جرائم أخرى من قبيل النصب والابتزاز الجنسي”؛ والتأكيد هنا من مصالح رئاسة النيابة العامة المختصة.

إشكالية حاضرة

بدر بلاج، خبير في “البلوكتشين” وتحليل الأسواق المالية الرقمية، لفت إلى أن التقرير الرسمي تضمّن “إشارات مقلقة إلى استخدام العملات الرقمية من طرف جماعات إرهابية”، حين ذِكره “جمع التبرعات عبر العملات المشفّرة، خصوصًا USDT، ومن خلال منصات معروفة مثل ‘BINANCE'”، ما يسلّط الضوء بوضوح على أهمية تقنين هذا المجال وتأطير استعمال العملات الرقمية.

غير أن بلاج زاد مستدركا، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس: “لكن يبقى التساؤل مطروحًا: هل يمكن رصد هذه العمليات في جميع الحالات؟”، مثيرا إشكال أن “هناك تقنيات متقدمة لإخفاء المعاملات والتمويلات، إلى جانب تشعبات سوق سوداء نشطة تصعّب عمليات التتبع والمراقبة”.

وأشار المتحدث إلى أن “تقارير النيابة العامة كانت تشير إلى العملات الرقمية منذ سنوات، لكن تقرير 2024 تميّز بالإشارة إلى حالة واقعية وميدانية تتعلق بـ ‘تمويل الإرهاب'”.

وعن “إشكالية التتبع” وصف الخبير ذاته استخدام منصة “بينانس” بالأسلوب “البدائي” الذي يشبه التحويلات البنكية، لأن المنصة تفرض بروتوكول “اعرف عميلك” (KYC)، ما يجعل تحديد هوية المرسل والمستقبل أمراً ممكناً عند ربط المعاملة بشخص معين؛ “أما التحديات الحقيقية فهيَ تهم العملات التي توفر خصوصية عالية مثل ‘Monero أو Zcash’ أو استخدام ‘الخلاطات’ (Mixers) التي تُخفي أثر المعاملات تماماً، ما يمثل التحدي الأكبر للسلطات”، بتعبيره.

ولم يُخف بلاج أن “سهولة التسْييل” التي تتيحها “السوق السوداء في المغرب” تسهل تحويل العملات الرقمية إلى “درهم كاش”، ما يشجع على هذه العمليات، وحذر من أن “المتعاملين في السوق السوداء قد يجدون أنفسهم تحت طائلة المساءلة القانونية إذا اشتروا عملات من أشخاص مرتبطين بقضايا إرهاب، لأن سجلات ‘البلوكشين’ ترصد وتؤرّخ كل المعاملات إلى الأبد”.

ومتحدثا عن الإشكالات القانونية والإجرائية (الحجز والمصادرة) نبه الخبير في تحليل أسواق العملات الرقمية إلى “وجود فجوة كبيرة بين الواقع التقني والنص القانوني”، خاصة “تضارب التأويلات”، وعلّق: “القضاة لا يملكون رؤية موحدة للتعامل مع هذه القضايا، والأمر يخضع حالياً للتأويلات الشخصية (أشار التقرير إلى 17 قضية)”.

أما بشأن “غياب المسطرة القانونية” ففي الجرائم التقليدية تَذهب الأموال المحجوزة لخزينة الدولة عبر مسارات بنكية واضحة، بينما العملات الرقمية لا يعترف بها المغرب قانوناً أصلاً، ما يطرح تساؤلاً: “كيف يمكن للدولة تقنياً وقانونياً نقل العملات من محفظة المتهم إلى محفظة تابعة للدولة؟”، وفق المصدر ذاته.

كما أثار المتحدث “غياب البنية التحتية”، فعلى عكس دول مثل الولايات المتحدة (التي تملك حسابات خاصة لدى وزارة العدل DOJ للمصادرات الرقمية) “يفتقر المغرب إلى منصة أو حسابات رسمية تتيح للسلطات حجز وإدارة هذه الأصول”، خاتما حديثه للجريدة بـ”ضرورة تسريع إخراج القانون المنظم للعملات الرقمية في المغرب، للانتقال من مرحلة ‘المنع’ إلى مرحلة ‘الضبط والتحكم’ الإجرائي والتقني”.

الخبرة التقنية

يرى الباحث في المستجدات المعلوماتية حسن خرجوج أن “مكافحة الجريمة المرتبطة بالعملات الرقمية تتطلب قانوناً مرناً يضعه تقنيون وقانونيون جنباً إلى جنب، مع ضرورة الانتقال من مقاربة الزجر السجني إلى مقاربة الاستيعاب التقني والتعاون الدولي الاستباقي”، وفق تصوره.

وأشار خرجوج، متحدثا لهسبريس، إلى أن “العملات المشفرة، وفي مقدمتها ‘البيتكوين’، لم تتطور منذ ظهورها (2010-2012) عبر معاملات تجارية تقليدية فحسب، بل استُمدت قيمتها وانتشارها تاريخياً من أنشطة ‘السوق السوداء’، مثل تجارة الأسلحة، المخدرات، وتبييض الأموال”، وزاد: “هذا الارتباط جعل المجتمع الدولي يواجه صعوبة في الرقابة لعدم وجود جهة بنكية مركزية يمكن مخاطبتها”.

وعن إشكالية “المشرّع” وغياب الخبرة التقنية شدد الباحث ذاته على أن “العائق الأكبر أمام وضع قانون فعال هو ‘الفجوة المعرفية’ بين واضعي النصوص القانونية وبين التكنولوجيا الرقمية”، لافتا إلى “غياب الاستشارة: القائمون على التشريع في البرلمان أو وزارة العدل يفتقرون إلى الخلفية التقنية ولا يستشيرون الخبراء الممارسين في الميدان”.

وحذر المتحدث ذاته من أن القانون المقترَح (لتقنين الأصول المشفرة بالمغرب) “قد يولد ميتاً أو متجاوزاً” بمجرد صدوره؛ “لأن التطور التقني أسرع بكثير من الدورة التشريعية”.

وبينما سجل تقرير النيابة العامة 17 قضية سنة 2024 إلا أن خرجوج أوضح أن “أغلب هذه الحالات لم تُضبط بسبب المعاملات الرقمية بحد ذاتها، بل اكتُشفت بالصدفة أثناء التحقيق في جرائم أخرى كالنصب، الاحتيال، أو الابتزاز الجنسي”، محذرا من كون (17 قضية) “قد لا تعكس الواقع المتنامي، فهناك آلاف الشباب والمتعاملين الذين يشتغلون خارج الرادار الأمني والقانوني”، حسب تقديره.

كما نبه المصرح للجريدة إلى أن “استضافة المغرب تظاهرات كبرى (كأس إفريقيا وكأس العالم 2030) ستؤدي إلى ظهور أنماط جديدة من ‘الجريمة الإلكترونية’ لم تظهر بعد، ما يتطلب استباقاً تشريعياً وتقنيا”.

وبشأن تمويل الإرهاب والتعاون القضائي أشار الباحث إلى “خطورة استغلال هذه العملات في تمويل الإرهاب” (مستشهداً بنماذج دولية في ألمانيا وهولندا)، مؤكداً أن “التعاون الدولي العابر للحدود هو الحل الوحيد لملاحقة المحافظ الرقمية”، وختم بأن “تحديث التكوينات الأكاديمية والمعارف المؤسساتية ضرورة، مع إدماج الممارسين الميدانيين في صياغة القوانين وتكوين القضاة ومهنيي العدالة”.

جدير بالذكر أن تقرير النيابة العامة أورد أن “من بين مظاهر التطور الذي عرفه اقتراف هذا النوع من الجرائم أن الجناة فطِنوا لما توفره العملات المشفرة من إمكانية إخفاء هوياتهم بمناسبة ارتكابهم أفعالا جرمية، كما هو الحال بالنسبة للقضية التي تم عرضها على المحكمة الابتدائية بوادي زم، التي تتلخص وقائعها في أنه إثر توقيف الشرطة القضائية بوادي زم مبحوثا عنه من أجل احتراف الابتزاز الإلكتروني واستكمال إجراءات البحث معه تبين أن المعني بالأمر يتوفر على محفظة إلكترونية ‘wallet’ يستعملها من أجل التوصل من ضحاياه من الابتزاز بتحويلات مالية بالعملة الرقمية ‘USDT’، ويقوم بتحويلها إلى العملة المغربية عن طريق شخص تعرف عليه على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا