آخر الأخبار

دراسة علمية: "دبلوماسية المدن" تقوي الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء

شارك

كشفت دراسة علمية محكمة معنونة بـ”دبلوماسية المدن كآلية لتعزيز الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.. اتفاقيات التوأمة والتعاون نموذجا”، أنجزها الباحث في الدراسات السياسية والاستراتيجية هشام الإسماعيلي، عن الأدوار المتنامية التي يمكن أن تضطلع بها الجماعات الترابية في الأقاليم الجنوبية للمملكة في دعم الترافع الوطني حول القضية الأولى للمغاربة.

وتأتي هذه الدراسة في سياق دولي يتسم بتعقد العلاقات الدولية وتنامي أهمية الدبلوماسية الموازية، مسلطة الضوء على اتفاقيات التوأمة كأداة عملية للقوة الناعمة ورافعة محتملة لتعزيز الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، من خلال ربط التعاون المحلي بأهداف السياسة الخارجية والتنمية الترابية المستدامة.

وأوردت معطيات توصلت بها هسبريس أنه “بناء على دراسة المعطيات الكمية والنوعية، فإن مجمل اتفاقيات التوأمة، التي أبرمتها مدن الأقاليم الجنوبية المغربية مع نظيراتها الأجنبية إلى غاية الآن، يصل عددها إلى حوالي 18 اتفاقية توأمة؛ 9 اتفاقيات منها تخص مدينة الداخلة، و5 اتفاقيات تخص مدينة العيون، واتفاقيتان بكل من مدينة السمارة وبوجدور.

وذكر المصدر ذاته أن المدن الإيطالية في طليعة الدول التي تجمعها اتفاقيات توأمة مع مدن الأقاليم الجنوبية بـ6 اتفاقيات، تليها الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا بـ4 اتفاقيات توأمة. وتتمركز جل اتفاقيات التوأمة مع بلدان أوروبا الغربية بـ10 اتفاقيات، إضافة إلى 4 اتفاقيات بأمريكا الشمالية واتفاقيتين بكل من أمريكا الجنوبية والقارة الإفريقية؛ في حين لا توجد بيانات متوفرة حول وجود اتفاقيات توأمة مع إحدى مدن بلدان القارة الأسيوية أو أوروبا الشرقية والشرق الأوسط.

كما أظهرت ملاحظة مراجع البيانات الخاصة باتفاقيات التوأمة بين مختلف مدن الأقاليم الجنوبية بالمغرب مع نظيراتها الأجنبية أنها ليست منظمة أو مجمعة في قاعدة بيانات بأحد مصادر الإنترنيت الحكومية (على المستوى الوطني أو الإقليمي). وبالتالي، لم يكن من السهل جمع المعطيات ذات الصلة؛ ما يساهم في عدم وجود وعي كاف من لدن الفاعلين الوطنيين بأنشطة التعاون الدولي المتعلقة باتفاقيات التوأمة على مستوى الأقاليم الجنوبية بالمغرب، ليس فقط لأغراض تتعلق بالمساءلة عن مؤشرات الأداء، بل أيضا للاستفادة من جميع الفرص التي تُتيحها اتفاقيات التوأمة، مثل تعزيز الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية والتعريف بمبادرة الحكم الذاتي، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية بالمنطقة. فقد يساهم التعاون الخارجي الناجح عبر اتفاقيات التوأمة “التضامنية” في تعزيز الترافع حول مبادرة الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية المغربية، مما قد يحفز السلطات المحلية الأجنبية إلى إعلان تضامنها مع مبادرة المغرب للحكم الذاتي وترافعها لدى سلطاتها الأجنبية من أجل الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

وخلصت الدراسة التي طالعتها هسبريس إلى عدم إعطاء الفاعلين السياسيين والإداريين المحليين الأولوية اللازمة لشؤون الشراكة والتعاون الدولي داخل البنية المؤسساتية للمجاس الجماعية بمدن الأقاليم الجنوبية؛ ما قد يفسر وجود نقص عام في الأهمية الممنوحة لها ضمن أولويات إدارة المدينة، إضافة إلى وجود عدد محدود في الأشخاص المتاحين لإدارة أنشطة التعاون الدولي.

وفي إطار المقارنة، فإنه من خلال المسوحات على صعيد الاتحاد الأوروبي مثلا، يوجد لدى معظم بلديات أو عمالات المدن الأوروبية مكتب أو إدارة تُدير شؤونها الخارجية، حيث تتوفر 84 في المائة من المدن على مكتب مُخصص للعلاقات الدولية، بمتوسط عدد يبلغ 10 موظفين. كما أن ثلث مدن الاتحاد الأوروبي التي شملها الاستطلاع يوجد وفد لها يمثلها في مؤسسات الاتحاد الأوروبي ببروكسيل. في المقابل مثلا، يتوفر المجلس الجماعي لمدينة الداخلة على بنية إدارية؛ وهي “لجنة التنمية البشرية والتعاون والشراكة والتكوين” لها اختصاصات عديدة ولا تركز فقط على الجانب المتعلق بالتعاون الخارجي، كما تتوفر فقط على 5 أعضاء، فمحدودية أولوية الشؤون الدولية والتعاون داخل إدارات المدن قد تعيق فتح آفاق اتفاقيات توأمة فعالة ومنفتحة على مختلف القارات.

ووقفت الدراسة من خلال البحث في برامج عمل المجالس الجماعية لمدن الأقاليم الجنوبية، على غياب نهج استراتيجي في شؤون تعزيز التعاون واتفاقيات التوأمة، حيث تميل المدن إلى الاستجابة بشكلٍ تفاعلي وارتجالي للأحداث العابرة للحدود الوطنية؛ مما يُبرز الحاجة إلى نهج أكثر استراتيجية في عملها. ومن شأن اتباع نهج أكثر استراتيجية أن يُساعد المدن على فهم احتياجاتها من القدرات وتطوير هذه المؤشرات لقياس تأثيرها.

وأكدت الدراسة التي طالعتها هسبريس أن دبلوماسية المدن تتميز بطبيعتها الابتكارية وإمكاناتها في إضافة قيمة للتنمية الحضرية المستدامة وبناء السلام وتعزيز الحصول على الاعتراف الدولي. ومع ذلك، تعاني دبلوماسية المدن بالأقاليم الجنوبية المغربية مجموعة من التحديات تعيق توسعها في جل أنحاء العالم؛ مما قد يحث الفاعلين الوطنيين على اعترافهم بإمكانيات دبلوماسية المدن من حيث القوة الناعمة والتنمية الاقتصادية، عبر اعتماد سياسات عمومية تهدف إلى إعادة تشكيل الشراكات بين المدن استراتيجيا، ومواءمة أهدافها مع أهداف السياسة الخارجية الأوسع. للاستفادة من التعاون المحلي لتعزيز المصالح الدولية والعلاقات الدبلوماسية.

في إطار مواجهة الحقائق الجديدة للعلاقات الدولية وتعزيز الدبلوماسية الموازية المغربية، خاصة في شقها المرتبط بدبلوماسية المدن للترافع عن القضية الوطنية، أكد الباحث أن الفاعلين على مستوى السلطات المحلية بالأقاليم الجنوبية مطالبون بالتركيز على مجموعة من الأولويات الأساسية، موزعة على مستويات الحكامة وبناء القدرات والتخطيط الاستراتيجي، بما يضمن نجاعة هذا التوجه وانعكاساته الإيجابية؛ فعلى مستوى الحكامة المؤسساتية، اقترحت الدراسة تعزيز الحوار والمشاورات بين الإدارات المركزية والمجالس الجماعية بمدن الأقاليم الجنوبية بالمغرب حول ترتيبات الحوكمة، لتعزيز أهداف ونتائج دبلوماسية المدن. كما يقتضي الأمر تنسيقا وثيقا بين القطاعات الحكومية المعنية والإدارات المحلية لتصميم بروتوكول مشترك يتضمن الإجراءات والأهداف المتوخاة من اتفاقيات التوأمة.

وفي السياق ذاته، تبرز أهمية خلق بنيات إدارية تتكون من موارد بشرية مؤهلة، تختص في قضايا الشراكة والتعاون الدولي داخل المجالس الجماعية والإدارات المحلية، إلى جانب ضرورة تعزيز التنسيق والتواصل بين الفاعلين المحليين والسلطات الإقليمية والقطاع الحكومي المكلف بالشؤون الخارجية، بما يخدم أهداف السياسة الخارجية الوطنية.

أما على مستوى قدرات وكفاءة الإدارة، فأوصت الدراسة بإنشاء دورات تدريبية وتكوينية لفائدة الموارد البشرية بالإدارات المحلية في مجالات التعاون الدولي، بهدف بناء قدرات موظفات وموظفي وأطر السلطات الإقليمية في مجال دبلوماسية المدن؛ معتبرة كفاءة الفاعلين السياسيين والإداريين عنصرا حاسما، خاصة في ظل ما قد يعانيه بعض السياسيين المنتخبين من نقص في القيادة أو المهارات أو القدرة اللغوية، مثل إتقان اللغة الإنجليزية، للمشاركة الفعالة في شؤون التعاون الدولي، مقترحة توظيف مؤتمرات الفيديو والاتصالات الرقمية والتقنيات ذات الصلة للبحث عن المدن الشريكة المناسبة وتحديدها، ثم متابعة مجالات المنفعة المتبادلة وتنفيذ الخطط من قبل “قادة المشاريع” المتفانين من كلا الجانبين.

وعلى مستوى التخطيط الاستراتيجي، شددت الدراسة على ضرورة أن تتضمن اتفاقيات توأمة المدن بالأقاليم الجنوبية المغربية أولويات واضحة ومحددة، تشمل الجانب السياسي، خاصة التعريف بمبادرة الحكم الذاتي بالمنطقة، والتنمية الاقتصادية من خلال جلب الاستثمارات وتشجيع شركات الطيران الدولي على فتح خطوط جديدة، كما هو الحال بالنسبة للخط الجوي بين مدينة باريس ومدينة الداخلة عبر شركة ترانسافيا الفرنسية للطيران.

كما ينبغي أن تشمل هذه الأولويات تطوير البنية التحتية، مثل مشاريع تحلية مياه البحر أو الطاقات المتجددة، إلى جانب الصحة المجتمعية أو المشاريع المماثلة التي تحقق فائدة فعلية للمجتمعات المحلية. وفي المقابل، يُستحسن تجنب الأهداف غير الملموسة التي تقتصر فقط على التبادل الثقافي، مع التأكيد على دعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص، من خلال نماذج التعاون الثلاثي التي تجمع بين الشركات والجهات المانحة والبلديات.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا