سجلت المملكة المغربية خلال السنوات الأخيرة تقدما مهما في إنجاز مشاريع السدود الكبرى، بفضل تسريع وتيرة الأشغال وتعزيز الجهود الوطنية الرامية إلى تقوية الأمن المائي ومواجهة التحديات المناخية المتنامية. وقد أفرزت هذه الدينامية رؤية جديدة ترتكز على الاستباق وتعبئة الموارد المائية بمختلف جهات المملكة، بهدف ضمان حماية الموارد الحيوية، وتأمين التزويد بالماء الصالح للشرب ودعم التنمية الفلاحية والاقتصادية وفق مقاربة مستدامة وطويلة المدى.
وبحسب الموقع الإلكتروني “الما ديالنا” فقد تم الانتهاء من عدد من السدود الإستراتيجية بمختلف مناطق المملكة، من بينها سد تيداس بإقليم الخميسات بسعة تخزينية تناهز 507 ملايين متر مكعب، وسد تودغى بإقليم تنغير بسعة 34 مليون متر مكعب، وسد أكدز بإقليم زاكورة بسعة 247 مليون متر مكعب.
ونبه المصدر ذاته إلى أن المشاريع شملت أيضا سد فاصك بإقليم كلميم بسعة 80 مليون متر مكعب، وسد مداز بإقليم صفرو بسعة مهمة تصل إلى 700 مليون متر مكعب، إلى جانب سد كدية البرنة بإقليم سيدي قاسم بسعة 12 مليون متر مكعب. كما تطرق التقرير إلى عمليات الملء الاستباقي للحقينة بسد كدية البرنة بسيدي قاسم، وسد الساقية الحمراء بمدينة العيون، في خطوة تروم تعزيز المخزون المائي والاستعداد لمواجهة فترات الجفاف.
وأشارت المعطيات التقنية إلى أن 15 سدا جديدا في طور الإنجاز حاليا بمختلف جهات المملكة، مع برمجة ملء عدد من السدود خلال السنة المقبلة، من بينها سد سيدي عبو بإقليم تاونات، وسد آيت زيات بالحوز، وسد بني عزيمان بالدريوش، وسد تامري بأكادير-إداوتنان.
وأكد المصدر نفسه أن البرنامج الوطني للسدود الصغرى خضع لمراجعة شاملة، إذ تم التركيز على إنجاز 150 سدا صغيرا، يوجد حاليا 59 منها في طور الإنجاز، مع برمجة إعطاء انطلاقة أشغال أزيد من 40 سدا جديدا السنة المقبلة.
وعن مواجهة الإكراهات المتعلقة بالعقار والإمكانيات المالية شدد التقرير على اعتماد مقاربة عملية تعطي الأولوية للسدود التي لا تتجاوز طاقة تعبئتها مليون متر مكعب، ولا يزيد علوها عن 15 مترا، بما يسهم في تسريع الإنجاز وتحقيق نجاعة أكبر في تدبير الموارد المائية.
وأورد المصدر نفسه أن هذه الجهود تأتي في إطار إستراتيجية شاملة تهدف إلى ضمان التزويد المستدام بالماء الصالح للشرب، ودعم الأنشطة الفلاحية والاقتصادية، وتعزيز صمود المملكة أمام التقلبات المناخية المتزايدة.
قال إبراهيم بلالي اسويح، المحلل السياسي والمتخصص في جغرافية التعمير، إن تسريع إنجاز السدود بالمغرب يعكس تحوّلا بارزا في السياسة المائية الوطنية نحو مقاربة أكثر استباقية ومرونة ترابية، تقوم على تنويع أحجام السدود وتوزيعها المجالي بما يساهم في تحصين الأمن المائي وتقليص هشاشة المجالات أمام الجفاف، وربط تدبير الماء بأهداف التنمية الفلاحية والاستدامة المناخية ضمن رؤية وطنية طويلة المدى.
وأضاف اسويح، ضمن تصريح لهسبريس، أن السياسة المائية للمملكة كانت ومازالت تضمن حق الولوج إلى الماء لجميع المواطنين، انسجاما مع أهداف التنمية المستدامة وأحكام دستور 2011، مشيرا إلى أن “تعزيز المخزون الإستراتيجي للمياه أصبح ضرورة ملحّة في ظل محدودية الموارد المائية وتزايد الضغط المناخي الناتج عن تذبذب التساقطات، بما يؤدي إلى تراجع الموارد السطحية واستنزاف الفرشات الجوفية”.
وأوضح عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (كوركاس) أن التوجهات الملكية الجديدة تستند إلى ثلاثة محاور رئيسية، تشمل تسريع تعبئة الموارد المائية التقليدية، وتثمين الموارد غير التقليدية مثل تحلية مياه البحر وإعادة استعمال المياه العادمة، إلى جانب تدبير الطلب على الماء مدعوما بإجراءات التحسيس والضبط لضمان النجاعة المائية.
وتابع المتحدث ذاته: “إن هذه الرؤية تتماشى بشكل واضح مع أهداف النموذج التنموي الجديد للمملكة الهادف إلى تحقيق السيادة الاقتصادية، التي يعدّ تعزيز مرونة المجالات الترابية وإرساء السيادة المائية من ركائزها الأساسية، خاصة في ظل التغيرات المناخية الراهنة التي تفرض تطوير بنية تحتية مائية أكثر مرونة وقدرة على التأقلم”.
وسجل المتخصص في جغرافية التعمير أن سياسة بناء السدود الكبرى التي أطلقتها المملكة قبل أكثر من نصف قرن مكّنت من إحداث تراث مائي مهم يضم 154 سدا كبيرا بطاقة تخزين تناهز 20 مليار متر مكعب، إلى جانب بنية تحتية للري تمتد على حوالي 700 ألف هكتار.
وبخصوص نقل المياه بين الأحواض أكد المصرح ذاته أن الشبكة الممتدة على 785 كيلومترا، وبصبيب يصل إلى 175 مترا مكعبا في الثانية، أسهمت في تحقيق توزيع أكثر عدلا للمياه بين المناطق، رغم تعاقب عشرين موسما من الجفاف خلال السبعين سنة الأخيرة، وارتفاع درجات الحرارة وما تواكبه من تأثيرات متزايدة للنمو الديموغرافي.
ولفت اسويح الانتباه إلى أن تصنيف المغرب ضمن الدول التي تعاني من الإجهاد المائي نتيجة محدودية الموارد السطحية التي تقدر بـ 18 مليار متر مكعب سنويا، واعتماد المياه الجوفية بنسبة 20 في المائة من الموارد المتاحة، فرض إعادة ترتيب الأولويات، وعلى رأسها تعميم بناء السدود بمختلف مناطق البلاد.
واسترسل المحلل ذاته بأن البوصلة الملكية تتجه نحو جعل الإنسان والمجال في صلب الاستدامة الوطنية، عبر إعادة هيكلة تدبير الموارد المائية، سواء كانت سطحية أو جوفية، وتعزيز التكامل والتضامن بين الجهات، بما يدعم تنمية متوازنة اقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا، ويضمن تسريع البرامج المتعلقة بالنجاعة المائية.
وخلص إبراهيم بلالي اسويح إلى أن المغرب بصدد الانتقال من مرحلة تلبية الحاجيات الآنية من الماء إلى استشراف مستقبل مائي آمن، يكرّس السيادة المائية كشرط أساسي لتعزيز صمود المملكة أمام تقلبات المناخ وبناء تنمية مستدامة للأجيال القادمة.
محمد بنعبو، خبير في البيئة والمناخ، سجل أن سياسة السدود بالمغرب بدأت في عهد المغفور له الملك الحسن الثاني، وتمثل إستراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى تحقيق الأمن المائي على المدى الطويل، لافتا إلى أن “هذه السياسة تشمل بناء السدود الكبيرة والمتوسطة، إضافة إلى السدود الصغيرة، في إطار مقاربة متكاملة لتدبير الموارد المائية على مستوى المملكة”.
وأضاف بنعبو، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الإستراتيجية الوطنية تتضمن كذلك تطوير مصادر المياه البحرية، مثل مشاريع تحلية المياه التي شملت مناطق طرفاية والعيون والداخلة وسيدي إفني والدار البيضاء، مع التوسع مستقبلا لتشمل الرباط وطنجة، وأكد أن بعض خزانات المياه تم تحويلها إلى مناطق زراعية، مع تخصيص مصادر مائية لتلبية احتياجات السكان في القرى والمناطق القروية، وذلك لضمان التزود المستمر بالموارد المائية.
وتابع الخبير ذاته بأن طاقة التخزين في السدود كانت محدودة سابقا بحوالي 20 مليار متر مكعب، بينما يسعى المغرب اليوم إلى رفع هذه الطاقة لتصل إلى 25 مليار متر مكعب، مردفا بأن “استكمال مشاريع السدود عزز البنية التحتية للمياه في المملكة، وهو هدف إستراتيجي ضمن السياسة الوطنية للسدود، يبحث أساسا رفع قيمة المخزون المائي الوطني وتحسين مستوى المياه العذبة المتاحة”.
أما بالنسبة للفرشة المائية والمياه السطحية فأورد المصدر ذاته أن هناك سدودا تعمل على تغذية الفرشة المائية لتعزيز المياه الجوفية، فيما تتجه السدود المتوسطة والصغيرة مباشرة نحو سقي الأراضي الفلاحية، بينما تركز الغاية من السدود الكبيرة على حماية الحواضر والمدن من مخاطر الفيضانات.
وفي هذا السياق يرى المتحدث ذاته أن هذه الإجراءات تأتي في إطار تعزيز الأمن المائي الوطني وضمان استدامة الموارد المائية للمملكة ورفع القدرة التخزينية، مؤكدا أن الإستراتيجية الوطنية للسدود تهدف إلى دمج البعد البيئي والفلاحي والحضري في تدبير متوازن ومستدام للموارد المائية، يعزز صمود المغرب أمام التحديات المناخية المستقبلية.
المصدر:
هسبريس