كشف وزير العدل عبد اللطيف وهبي أن وزارته اعتمدت مقاربة استباقية وشمولية لمواجهة المخاطر الرقمية وتعزيز الأمن السيبراني، في سياق عالمي يتسم بتزايد وتعقّد الهجمات الإلكترونية التي باتت تستهدف بشكل مباشر الأنظمة المعلوماتية للمؤسسات العمومية والبنى التحتية الحيوية.
وأوضح وهبي، في معرض جوابه على سؤال برلماني، حول “النهج الاستباقي المعتمد من قبل وزارة العدل في التعامل مع المخاطر الرقمية والأمن السيبراني”، أن التحول الرقمي المتسارع جعل من الأمن السيبراني شرطا أساسيا لاستدامة الخدمات العمومية الرقمية، وحماية المعطيات الحساسة، وضمان استمرارية المرفق العام في بيئة آمنة وموثوقة.
وأكد الوزير أن المخاطر السيبرانية لم تعد مجرد احتمالات نظرية، بل أضحت تهديدات واقعية ومتكررة، ما يفرض على الإدارات العمومية اعتماد مقاربات منهجية واستباقية، مشيرا إلى أن وزارة العدل انخرطت في هذا التوجه انسجاما مع الإطار القانوني والتنظيمي المؤطر لأمن نظم المعلومات، وعلى رأسه المرسوم رقم 2.15.712 المتعلق بأمن نظم المعلومات، والسياسة الوطنية لأمن نظم المعلومات، والتوجيهات الصادرة عن المديرية العامة لأمن نظم المعلومات بصفتها الهيئة الوطنية المكلفة بتنسيق سياسة الدولة في هذا المجال.
وفي هذا الإطار، أبرز وهبي أن الوزارة عملت على تعزيز أنظمتها المعلوماتية عبر خطة تقنية متكاملة تروم تحصين بنيتها الرقمية ضد مختلف أنواع التهديدات الإلكترونية، من خلال اعتماد مقاربة أمنية متعددة الطبقات تشمل الشبكات، ومراكز البيانات، والخوادم، والتطبيقات، والخدمات الرقمية، والأجهزة الطرفية.
وشملت هذه الخطة، حسب وزير العدل، اعتماد أنظمة متقدمة للمراقبة والتحليل الأمني تمكن من جمع وتحليل السجلات الرقمية الصادرة عن مختلف مكونات النظام المعلوماتي في الزمن الحقيقي، ورصد السلوكيات غير الطبيعية، وإصدار تنبيهات فورية تتيح التدخل السريع واحتواء الهجمات قبل تطورها. كما جرى تفعيل جدران حماية من الجيل الجديد قادرة على تحليل حركة المرور الشبكية على مستوى التطبيقات والمستخدمين، والكشف المبكر عن الهجمات المعقدة والبرمجيات الخبيثة.
كما عملت الوزارة، يضيف وهبي، على إرساء نظام متقدم لحماية التطبيقات الإلكترونية، بهدف تحصين المنصات والخدمات الرقمية من الثغرات الشائعة والهجمات المستهدفة، خاصة في ظل توسع العرض الرقمي الموجه للمرتفقين والمهنيين القضائيين. وتم، بالموازاة مع ذلك، تعميم أنظمة لرصد التهديدات على مستوى الأجهزة الطرفية والخوادم، تتيح التدخل التلقائي لعزل الأجهزة المشبوهة ومنع انتشار الهجمات داخل الشبكة.
وفي سياق تعزيز التدبير الاستباقي، كشف الوزير عن تطوير منظومة المراقبة الرقمية عبر إحداث مركز متخصص يعمل على مدار الساعة، يشرف عليه فريق من مهندسي ومحللي الأمن المعلوماتي، مكلف بمهام المراقبة المستمرة، وتحليل المخاطر، والتنسيق الفوري لعمليات الاستجابة للحوادث الأمنية، بما ساهم في رفع الجاهزية الدفاعية وتقليص زمن التعافي.
وبخصوص تدبير الولوج إلى الأنظمة، أكد وهبي أن وزارة العدل اعتمدت سياسة صارمة لإدارة الهوية والصلاحيات، تقوم على مبدأ الحد الأدنى من الامتيازات، وتفعيل سجلات المراقبة لتتبع العمليات المنجزة داخل الأنظمة، إلى جانب التحين الدوري لقوائم المستخدمين وصلاحياتهم، بما يقلل من مخاطر الاستغلال غير المشروع للحسابات.
كما شدد الوزير على تعميم تقنيات التشفير لضمان سرية وسلامة المعطيات، سواء أثناء التخزين أو أثناء تبادلها عبر الشبكات، واعتماد بروتوكولات النقل الآمن، وتشفير قواعد البيانات والوثائق الحساسة، فضلا عن تعميم حلول التوقيع الإلكتروني لضمان مصداقية الوثائق الرقمية ومنع أي تعديل غير مشروع.
وفي مواجهة الهجمات التي تستهدف سرقة كلمات المرور، أوضح وهبي أن الوزارة اعتمدت نظام المصادقة متعددة العوامل، الذي يجمع بين أكثر من وسيلة للتحقق من هوية المستخدم، ما أسهم في تقليص محاولات الاختراق الناجحة، خاصة بالنسبة للأنظمة التي تتضمن معطيات حساسة أو صلاحيات عليا.
وأكد وزير العدل أن التنسيق المؤسساتي يشكل ركيزة أساسية في هذا المجال، مبرزا التعاون الوثيق مع المديرية العامة لأمن نظم المعلومات، خصوصا عبر إجراء اختبارات اختراق قبل إطلاق المنصات الرقمية الجديدة، وتقييم مستوى الحماية ومعالجة الثغرات قبل دخول الأنظمة مرحلة الاستغلال.
وعلى المستوى التنظيمي، كشف وهبي عن إحداث مصلحة خاصة بالمراقبة وافتِحاص أمن نظم المعلومات داخل الكتابة العامة للوزارة، وتعيين مسؤول عن أمن نظم المعلومات، وإحداث لجنة مركزية ولجان لا ممركزة لتدبير الأمن السيبراني على مستوى الدوائر الاستئنافية، تتولى السهر على تطبيق التوجيهات الوطنية وتنزيل السياسة الأمنية للوزارة.
كما أشار إلى إعداد خطة عمل لتنزيل التوجيهات الوطنية لأمن نظم المعلومات، وتخصيص موارد لتتبع مدى مطابقة النظام المعلوماتي للوزارة للمعايير الوطنية، إلى جانب إجراء عمليات افتحاص دورية للبنية التحتية المعلوماتية لبعض المحاكم والمديريات الإقليمية، وإرساء حلول تقنية لمعالجة الاختلالات المسجلة.
وفي إطار تعزيز الوعي الرقمي، أكد وزير العدل إطلاق برامج تحسيسية لفائدة موظفي الإدارة المركزية والمحاكم، تروم ترسيخ ثقافة الأمن السيبراني، ورفع مستوى اليقظة في التعامل مع المخاطر الرقمية.
وخلصت وزارة العدل إلى أن هذه التدابير تندرج في إطار نهج استباقي شامل يهدف إلى حماية المعطيات الرقمية، وضمان استمرارية خدمات قطاع العدل، وتعزيز الثقة في التحول الرقمي للمرفق القضائي، انسجاما مع مقتضيات القانون رقم 05-20 المتعلق بالأمن السيبراني، والتوجيهات الوطنية الصادرة عن إدارة الدفاع الوطني.
المصدر:
العمق