في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم نحو المملكة المغربية، وهي تحتضن بشموخ واعتزاز عرس القارة الإفريقية، كأس أمم إفريقيا 2025، اختارت صحيفة «Les Échos» الفرنسية، التي طالما قدمت نفسها كمنبر مرجعي في الإعلام الاقتصادي والمالي الرصين، أن تنحدر بأسلوبها إلى درك السخرية المجانية والتعالي الاستعلائي، عبر مقال يفتقر إلى أدنى مقومات الموضوعية الصحفية واللباقة المهنية.
المقال المذكور اعتمد نبرة متعالية لا مبرر لها، أقرب إلى الكاريكاتور الاجتماعي منها إلى التحليل السياسي الرصين. وبدل مقاربة الأحداث بعين المراقب المسؤول، خلطت الصحيفة بين نقل الخبر والاستهزاء، في تجاوز واضح للخط الفاصل بين حرية التعبير وقلة الاحترام الواجب لمؤسسات دولة ذات سيادة، ما يطرح علامات استفهام كبرى حول الخلفيات الحقيقية لهذا الانزلاق المهني غير المسبوق من صحيفة يُفترض فيها التحفظ والدقة.
ويرى مراقبون أن توقيت نشر هذا المقال، المتزامن مع أجواء الوحدة والروح الرياضية التي يبثها المغرب في القارة الإفريقية، يعكس افتقارا صارخا للياقة والحس الدبلوماسي. ففي الوقت الذي يفتح فيه المغرب ذراعيه لإفريقيا والعالم، اختارت الصحيفة الفرنسية لغة الاستفزاز، في مظهر فجّ من عدم الانسجام مع السياق العام، بما يكشف عجزها عن استيعاب الأثر الرمزي والدبلوماسي العميق الذي تمثله هذه اللحظة التاريخية بالنسبة للمغاربة وللقارة جمعاء.
وذهبت الصحيفة أبعد من ذلك حين تناولت الحالة الصحية لعاهل البلاد بنبرة خفيفة وإيحائية، في مساس مباشر بالاحترام الأساسي الذي يستحقه رئيس دولة يمارس مهامه الدستورية بكل التزام. فصحة الملك ليست مادة للسرد الدرامي ولا موضوعا للسخرية الصحفية، وهو أسلوب يبرز تناقضا صارخا مع منسوب التحفظ والوقار الذي تلتزم به الوسائل الإعلامية نفسها عندما يتعلق الأمر بقادة الدول الغربية.
وفي قراءة تبسيطية ومهينة، اختزل المقال الالتزام المؤسساتي لولي العهد، الأمير مولاي الحسن، في مجرد “سعي نحو الشعبية”. وهو توصيف يعتبره مراقبين لا يعكس فقط جهلا بالواقع السياسي المغربي، بل يشكل إهانة صريحة لتقاليد دستورية عريقة، إذ إن ولي العهد يضطلع بمهامه وفق أعراف مؤسساتية مضبوطة، لا بمنطق الدعاية أو “البروباغندا” كما حاول المقال تصويره.
ولم تتوقف السقطات التحريرية عند هذا الحد، بل امتدت إلى عقد مقارنات فارغة بين ولي العهد المغربي وشخصيات أجنبية لا صلة لها بالسياق الوطني أو التاريخي للمملكة. وهي مقارنات تعكس رؤية متمركزة حول الغرب وعقلية متجاوزة، إذ إن المغرب، بمؤسساته الضاربة في عمق التاريخ، لا يحتاج إلى مرجعيات دخيلة أو نماذج مستوردة لفهم خصوصياته السياسية والثقافية.
إن المغرب، بما راكمه من حضور إقليمي ودولي وازن، يستحق معالجة إعلامية تليق بمكانته وتاريخه. فالمؤسسة الملكية المغربية ليست مادة للترفيه الصحفي أو للسخرية العابرة، والاحترام بين الدول يبدأ، بالضرورة، من الاحترام في الكلمات قبل المواقف والتحليلات.
ويرى متتبعون أن صحيفة «Les Échos» أضاعت فرصة حقيقية لتقديم مادة إخبارية رصينة وذكية، واختارت بدل ذلك السقوط في فخ الكاريكاتور الصحفي. فالمملكة المغربية لا تنتظر مجاملة من أحد، لكنها تفرض، بكل سيادة، الاحترام الذي يحق لكل دولة مستقلة أن تنتظره… وأن تنتزعه.
المصدر:
العمق