آخر الأخبار

"نهاية السنة" ترفع اليقظة الأمنية في المغرب .. استباقية وتدخلات ناجعة

شارك

“حساسية خاصة” تكتسيها فترة نهاية السنة على المستوى الأمني، حيث تتقاطع فيها التحديات المرتبطة بمحاولات تهريب الممنوعات مع تصاعد وتيرة وتشابك مسارات “الحريك” أو الهجرة غير النظامية؛ ما يستدعي، حسب متابعين للموضوع، يقظة مزدوجة بتنسيق عال.

ويعكس نجاح المصالح الأمنية، بالتعاون مع رجال الجمارك، بميناء طنجة المتوسط، مؤخرا، في إحباط تهريب 8 أطنان من مخدر الحشيش (قبل ولوج شاحنة كبيرة ذات ترقيم مغربي منصة الصادرات) نجاعة متجددة تبرهن عليها استراتيجية “الاستباقية” التي تتبناها المملكة.

وبين استغلال “الضغط اللوجستي” و”رمزية الزمن” لرأس السنة تراهن شبكات التهريب والهجرة غير النظامية على كثافة الرواج التجاري والمسافرين في ميناء طنجة المتوسط خلال أعياد الميلاد ونهاية السنة، ظنّا منها أن “اليقظة قد تتراجع أو أن الازدحام قد يوفر ثغرة للعبور”.

يظهر إحباط محاولات تهريب “أطنان” من المخدرات أن هناك ترابطا عضويا بين شبكات الجريمة المنظمة؛ فالمسالك التي تستخدم لتهريب المخدرات هي غالبا المسارات نفسها التي تُستغل لتهريب البشر، ما يضع الأجهزة الأمنية أمام “تحدٍّ مزدوج” يتطلب تنسيقا استخباراتيا عاليا.

لطالما شكلت الاستباقية “قُطب رحى” منظومة التصدي المغربي، إذ استمرت طيلة العام 2025 في إثبات “فعالية الردع” التي وردت ضمن حصيلة رسمية أصدرتها المديرية العامة للأمن الوطني. ولعل العملية الأخيرة في طنجة المتوسط لم تكن مجرد حجز للممنوعات، وإنما رسالة ردع قوية تُفشل مخططات “الاستثمار في الانشغال الأمني” بنهاية السنة التي تتزامن مع تنظيم تظاهرة كروية قارية بكل ما تقتضيه ضرورات تأمينها.

تكثيف التدخلات

أكد خالد مونة، أستاذ باحث في سوسيولوجيا الهجرة بجامعة مولاي إسماعيل- مكناس، ما تشهده نهاية كل سنة من “تجدد ملحوظ في دينامية الأنشطة غير المشروعة، سواء تلك المتعلقة بالهجرة غير النظامية أو بتهريب المخدرات؛ وهو ما يفسّر تكثيف السلطات الأمنية لعمليات المراقبة والتدخل، لا سيما في النقاط الحدودية الاستراتيجية”.

ويعود ارتفاع وتيرة هذه العمليات، حسب الأستاذ الجامعي ذاته في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى “الاعتقاد السائد لدى الشبكات الإجرامية بأن فترة نهاية العام تشهد تراجعا في آليات المراقبة؛ حيث تسعى شبكات تهريب المخدرات إلى استغلال الكثافة العالية لحركة النقل والتجارة لتسريع عمليات العبور”.

ووضح مونة أن “الآلية ذاتها نجِدها في محاولات الهجرة غير النظامية، التي تنتعش نسبيا خلال هذه الفترة بفعل عوامل متعددة؛ أبرزها مراهنة بعض المرشحين للهجرة على إمكانية تجاوز الطوق الأمني خلال فترات الذروة”.

واستخلص المصرح خاتما بقوله: “بناء عليه، فإن النجاعة المسجلة في التصدي لهذه الظواهر خلال نهاية السنة، بقدر ما تعكس كفاءة المقاربة الأمنية ويقظتها، فإنها تبرز في الوقت ذاته الحاجة الملحة إلى اعتماد مقاربة شمولية ومندمجة تتجاوز البعد الزمني والمكاني الصِّرف”.

الاستباق والتكنولوجيا والتعاون

من منظار العلوم الأمنية وإدارة الأزمات، قال محمد عصام لعروسي، مدير عام مركز منظورات للدراسات الجيوسياسية والاستراتيجية، إن “المقاربة الأمنية المغربية في قراءتها للتهديدات الراهنة أبانت عن فهم عميق للديناميات المتغيرة للجريمة المنظمة العابرة للحدود، حيث لا يقتصر العمل الأمني على الاستجابة للفعل الإجرامي؛ بل يمتد ليشمل الاستباقية التكنولوجية والتحليل الجيوسياسي للمجالات الحيوية.

هذا التكامل، حسبه، “مكن المملكة من إحباط مخططات كبرى (مثل ما حدث في ميناء طنجة) وضمان استقرار البلاد في بيئة إقليمية ودولية مليئة بالتحديات الجيوسياسية المعقدة”.

زمنيا، أبرز لعروسي، مصرحا لـ هسبريس، أن “الأجهزة الأمنية تدرك أن شبكات التهريب والجريمة العابرة للحدود لا تعمل بشكل عشوائي؛ بل تختار “نوافذ زمنية” محددة لمحاولة اختراق المنظومات الدفاعية: استغلال التدفقات البشرية، إذ “تنشط هذه الشبكات في فترات الذروة مثل احتفالات رأس السنة، مستغلة كثافة التنقل من وإلى المملكة لتمرير أنشطتها غير المشروعة”.

وعن فرضية “الانشغال الأمني”، قال المصرح عينه: “تراهن الجماعات الإجرامية على انشغال الأجهزة الأمنية بتأمين التظاهرات الكبرى (مثل كأس أفريقيا للأمم) لتوهّمها بوجود تراخٍ أمني، إلا أن العقيدة الأمنية المغربية تعتمد على “تعدد المهام المتوازي” لضمان عدم وجود ثغرات ميدانية.

“جيوبوليتيك الجريمة”

انتقلت الجريمة المنظمة من شكلها التقليدي إلى نمط معقد يفرضه الواقع الجيوسياسي الجديد، وهو ما يبرز في “تلاشي الحدود بين الجرائم: لم يعد هناك انفصال بين التهريب، الإرهاب، والجريمة المنظمة؛ بل أصبحنا أمام “جيوبوليتيك الجريمة” حيث تتقاطع المصالح والمسالك، وفقا للباحث ذاته.

واستدعى لعروسي “مفهوم الجغرافيا المترابطة” لكونه يحيل إلى “قدرة الشبكات الإجرامية على التشبيك الجغرافي العالي باستخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة للتنسيق العابر للقارات”؛ ما يبرز ملحاحية التعاون الدولي “كركيزة صدّ”.

وقال: “لمواجهة هذا الترابط الإجرامي، يعزز المغرب شراكاته الدولية مع “الأنتربول” والدول الكبرى عبر تبادل البطاقات القضائية وملاحقة المطلوبين دوليا؛ ما يحول دون توفر “ملاذات آمنة” للمجرمين.

أما ثالث أضلاع المثلث فليس سوى التكنولوجيا “العمودُ الفقري” لإدارة الأزمات الأمنية المعاصرة في المملكة، حيث يتم “الجمع بين الحضور الميداني والذكاء الرقمي”.

وأضاف لعروسي معلقا إلى جانب “الرقمنة الشاملة للمجال الأمني، هناك الاستباقية الميدانية والقضائية: لا تتوقف الآلة الأمنية عند الرصد الرقمي، بل تترجم ذلك إلى دوريات مكثفة وسدود قضائية (حواجز أمنية) تبحث عن المطلوبين وتمنع وقوع الجريمة قبل حدوثها”، مع الارتهان إلى “عقيدة الاستباق لإحباط أي تهديد في مهدِه؛ ما يعكس يقظة وتبصر العنصر البشري الأمني بالمغرب”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا