آخر الأخبار

خبراء: الفيضانات في المغرب ليست "قدرا مناخيا" بل فاتورة ثقيلة لـ "فوضى التعمير"

شارك

أجمع خبراء البيئة ومتتبعو الشأن المحلي على أن تصاعد مخاطر الفيضانات لا يرتبط بالعوامل المناخية وحدها، بل يجد جذوره أيضا في ضعف تدبير البنيات التحتية المخصصة لتصريف مياه الأمطار والسيول، خاصة ما يتعلق بشبكات الصرف العمومي ومنشآت ترشيح المياه وتوجيهها نحو محطات ونقط معالجة المياه العادمة.

وسجل الخبراء افتقار الجماعات الترابية والمجالس المنتخبة إلى رؤى واضحة وخطط عملية لمواجهة الكوارث الطبيعية، وفي مقدمتها الفيضانات، تراعي الخصوصيات الجغرافية والديمغرافية لكل منطقة على حدة، إضافة إلى قصور بارز في مجالي الصيانة والتدبير الاستباقي للأعطاب والأضرار التي تلحق بالتجهيزات.

في هذا السياق، قدّم الخبير البيئي مصطفى بنرامل قراءة تحليلية معمقة، مؤكدا أن الظاهرة هي نتيجة تداخل عوامل مناخية وهيكلية ومؤسساتية، وليست بسبب واحد معزول.

وأوضح بنرامل، في تصريح لجريدة “العمق”، أن المغرب بات يعيش، على غرار العديد من دول العالم، آثار التغير المناخي بشكل مباشر وملموس، حيث لم تعد التساقطات المطرية تخضع لنمطها التقليدي المنتظم، بل أصبحت تتسم بالتقلب الحاد والتطرف.

وأشار إلى أن فترات جفاف طويلة قد تمتد لأشهر، تعقبها أمطار غزيرة ومركزة في وقت وجيز، وهو ما يتجاوز قدرة التربة والبنيات التحتية على الاستيعاب، ويؤدي إلى تشكّل السيول والفيضانات، خصوصا داخل الأوساط الحضرية وشبه الحضرية.

وأكد الخبير البيئي أن هذا التحول في النمط المطري يرفع منسوب المخاطر، لأن جزءا كبيرا من المدن المغربية لم يُصمَّم تاريخيا للتعامل مع هذا النوع من الأمطار القصوى.

وشدد بنرامل على أن العامل المناخي، رغم أهميته، لا يفسّر بمفرده حجم الخسائر المادية والبشرية المسجَّلة أحيانا، مبرزا أن الإشكال الحقيقي يكمن في طريقة تدبير المجال وسياسات التهيئة الحضرية.

وفي هذا الإطار، لفت إلى أن سوء التخطيط العمراني وغياب رؤية استباقية لتدبير مخاطر الكوارث الطبيعية يشكّلان عاملا مضاعِفا لحدة آثار الفيضانات.

وقال: “إن ضعف صيانة شبكات تصريف مياه الأمطار، وعدم ملاءمتها للتحولات المناخية الراهنة، إلى جانب التوسع العمراني غير المنظم، والبناء في مجاري الأودية والمناطق المنخفضة المعرضة بطبيعتها للغمر، كلها عناصر تجعل من أي تساقطات قوية تهديدا حقيقيا للأرواح والممتلكات”.

واعتبر بنرامل أن الفيضانات لا تتحول إلى كوارث إلا عندما تفشل السياسات العمومية المحلية في التكيف مع المخاطر المناخية المتوقعة، موضحا أن المسؤولية في هذا المجال جماعية ومتشعبة، تشمل الجماعات الترابية والقطاعات الوزارية المعنية ومكاتب الدراسات، فضلا عن أجهزة المراقبة والتنفيذ.

وسجل أن الظرفية الراهنة تفرض انتقالا عاجلا من منطق التدخل بعد وقوع الضرر إلى منطق الوقاية والتخطيط المسبق المبني على تقييم علمي دقيق للمخاطر.

وعن سبل المواجهة، شدد الخبير البيئي على أن الحد من آثار الفيضانات يستوجب اعتماد مقاربة شمولية ومندمجة، تقوم أساسا على إدماج البعد المناخي في التخطيط الحضري وسياسات التهيئة، بما يضمن احترام الخصوصيات الطبيعية للمجالات، وتفادي البناء في المناطق الهشة.

ودعا إلى تعزيز البنيات التحتية الخضراء، مثل المساحات الرطبة والحدائق الحضرية والأحواض الطبيعية لتجميع المياه، باعتبارها حلولا مستدامة تقوم على توظيف الطبيعة بدل مقاومتها.

كما أكد أن تقوية آليات الحكامة المحلية، وربط المسؤولية بالمحاسبة في مجالي التعمير وتدبير المخاطر، يشكلان شرطا أساسيا لأي إصلاح حقيقي، إلى جانب الاستثمار في نظم الإنذار المبكر وتطوير قدرات الرصد والتوقع، مع العمل بالتوازي على رفع مستوى الوعي المجتمعي بمخاطر الفيضانات وسبل الوقاية منها.

وخلص بنرامل إلى القول: “الفيضانات التي عرفتها بعض المدن المغربية هي نتاج تسارع التغير المناخي، غير أن آثارها تتفاقم بفعل اختلالات التدبير المحلي وضعف التأقلم المؤسساتي، وهو ما يجعل من الإصلاح الهيكلي للسياسات الترابية، واعتماد استراتيجيات ناجعة للتأقلم المناخي، خيارا استراتيجيا مستعجلا لا يحتمل مزيدا من التأجيل”.

وفي السياق نفسه، أوضح عبد الرحيم القصيري، الخبير في الشأن البيئي، أن الفيضانات التي شهدتها عدد من المدن المغربية خلال فترات زمنية وجيزة لا يمكن فصلها عن التحولات المناخية العميقة التي يعرفها العالم، مؤكدا أن المغرب أصبح بدوره جزءا من هذه الدينامية المناخية غير المستقرة.

وأبرز أن مختلف الدراسات العلمية الوطنية والدولية تجمع على أن البلاد مقبلة على استمرار تساقطات مطرية قوية ومركزة، تتخللها فترات من الجفاف، ما يزيد من حدّة المخاطر الطبيعية.

وأشار القصيري، في تصريح لـ”العمق”، إلى أن السبب الرئيسي والمباشر لهذه الفيضانات يتمثل في التقلبات المناخية الحادة التي باتت سمة بارزة خلال السنوات الأخيرة، مبرزا أن عددا من الدول الأوروبية القريبة جغرافيا من المغرب تعاني بدورها من اضطرابات جوية خطيرة، من قبيل الفيضانات المفاجئة والعواصف العنيفة، بما يؤكد الطابع العالمي للظاهرة وعدم ارتباطها بعوامل محلية فقط.

وفي تحليله للخسائر المسجلة، شدد الخبير البيئي على أن الأضرار الكبيرة، سواء المادية أو البشرية، لا ترجع فقط إلى قوة التساقطات، بل تتفاقم بسبب هشاشة البنيات التحتية في عدد من المدن المغربية.

واعتبر أن مدينة آسفي تمثل نموذجا صارخا لهذا الوضع، حيث تسببت الفيضانات في خسائر جسيمة خلال ساعات قليلة، نتيجة ضعف شبكات تصريف المياه وعدم قدرتها على استيعاب الكميات الكبيرة من الأمطار.

وأضاف القصيري أن إشكالية التعمير غير المنظم تعد من أبرز التحديات التي تواجه المملكة في هذا المجال، محذرا من استمرار تشييد المباني فوق مجاري الأودية وفي المناطق المنخفضة، دون احترام للمعايير البيئية والهيدرولوجية.

ودعا إلى إعادة الاعتبار للمجال الطبيعي من خلال توفير مساحات خضراء واسعة داخل المدن، لما لها من دور أساسي في امتصاص مياه الأمطار وتغذية الفرشات المائية الجوفية والحد من مخاطر الفيضانات.

كما سجل الخبير البيئي ضرورة ملحّة لإعادة النظر في منظومة قنوات الصرف الصحي وشبكات التطهير السائل، معتبرا أن هذه الأوراش الكبرى لن تُكلل بالنجاح إلا في إطار إرادة سياسية حقيقية ورؤية استراتيجية بعيدة المدى.

وختم بالتأكيد على أن مواجهة آثار التغير المناخي تستدعي اعتماد مقاربة تشاركية تنخرط فيها مختلف القطاعات الحكومية، والجماعات الترابية، والخبراء، والمجتمع المدني، من أجل بناء مدن أكثر صمودا وقدرة على التكيف مع التحولات المناخية المتسارعة.

العمق المصدر: العمق
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا