آخر الأخبار

القري يسائل الذكاء الاصطناعي ومستقبل الثقافة والفنون والديمقراطية

شارك

أصدر إدريس القري، الباحث المغربي والناقد في الجماليات البصرية والفلسفة، كتابا جديدا بعنوان “الذكاءَ الاصطناعي ومستقبل الثقافات والفنون والديمقراطية”؛ ليجد مكانه في قلب الأسئلة الكبرى التي تواجه الثقافة والفنون والديمقراطية في زمن التحولات الكبرى التي يعرفها العالم.

وانطلق المؤلف، الذي راكَمَ أكثر من ربع قرن من الاشتغال النظري والعملي في السينما والتلفزيون والفلسفة والفوتوغرافيا، من “وعيٍ نقدي” يعتبر أن “الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية مساعدة؛ بل أصبح بنية شاملة تعيد صياغة علاقتنا بالمعرفة وبالإبداع وبالسلطة وبالذات الفردية والجمعية”.

وهكذا قدم القري هذا العمل بوصفه “أول محاولة مغربية تتناول هذا التداخل المُركب، بين الذكاء الاصطناعي والثقافة والفنون والديمقراطية، بنَفَسٍ شمولي وبعمق تأملي فكري فلسفي الطابع والأبعاد”.

وقال المؤلف إنه أصدر “كتابه شخصيا خارج منظومة النشر التقليدية، بعد تجربة طويلة مع دور نشر احتضنت الأعمال السابقة”، مؤكدا منذ البداية أن “المرحلة الراهنة لا تحتمل وسائط كثيرة بين الكاتب والقارئ بسبب التحولات في طبيعة القارئ والقراءة”، مسجلا أن “هذا الخيار أن الذكاء الاصطناعي، بما يعيد تشكيله من وسائط التعبير والمعرفة، يفرض أيضا إعادة التفكير في الكتاب ذاته كوسيط”.

في قلب عاصفة التحولات

انطلق الكتاب من فرضية أساسية مفادها التساؤل عما إذا كان الذكاء الاصطناعي مجرد أداة تقنية محايدة أم أنه قوة ناظمة تعيد ترتيب تفاصيل الحياة اليومية، الفردية والجمعية.

ووضح الكاتب أن المؤلف يكشف بين سطوره كيف يتدخل الذكاء الاصطناعي في تشكيل، سلاسل التوريد وتنظيم فضاء الإنترنت وإعادة توزيع القوة الاقتصادية، كما يتدخل في إنتاج الصور وفي توجيه الأذواق وفي هندسة الرأي العام.

وبيّن العمل الجديد وهو يستثمر مراجع عالمية موثوقة – منها أساسا The Age of IA and our human future – أن “الخوارزميات لم تعد تعمل في الهامش، بل أصبحت في صلب القرارات التي تؤثر بقوة على الثقافات والفنون والديمقراطية، علاوة على الاقتصاد والسياسة”.

كما كتب المؤلف من “موقع المراقب المنخرط، لا من موقع المتفرج البعيد”، ليحلل الذكاء الاصطناعي باعتباره، وفق تعبيره، “واقعا معيشا متعدد الاختراقات والتجليات؛ فهو يتجسد في الهاتف الذكي وفي الكاميرا الرقمية وفي منصات البث وفي شبكات التواصل الاجتماعي، بل وفي أدوات الاستعمال اليومي للطبخ والتنقل والخبر وتدبير اليومي العاجل والآجل”.

من الثقافة إلى الفنون

وضح الكاتب لهسبريس أن العمل يستعرض مفهوم الثقافة بوصفه مجالا للصراع الرمزي في القرن الحادي والعشرين، كما يشرح كيف أصبحت الثقافة ساحة مركزية للتنافس العالمي، حيث تتواجه سرديات القوى الكبرى والصاعدة، وتتصارع القيم وتُصاغ الهويات عبر الصورة والخطاب البصري والمنصة.

وأشار إلى أن الكتاب يبرز الذكاء الاصطناعي يُغير طبيعة هذا الصراع، عندما يُحوِّل الذوق الثقافي إلى بيانات والاختلاف إلى معادلات إحصائية، والتنوع الثقافي إلى نتائج خوارزمية تخضع لمنطق السوق أكثر مما تخضع لمنطق الحوار والتبادل.

حلل القري، كذلك، أثر المنصات الرقمية في إعادة تشكيل الخريطة الثقافية العالمية، وبين كيف ترفع الخوارزميات محتويات معينة وتهمِّش أخرى، ليس بناء على قيمتها الفنية أو المعرفية؛ بل وفق قدرتها على جذب الانتباه وتحقيق الربح ووفقا لمصالح الشركات المهيمنة على القطاع وانتماءاتها الجيو-استراتيجية.

في هذا السياق، قدم الكاتب أيضا سؤالا مركزيا: ما الذي يحدث للتعدد والتنوع الثقافي عندما تصبح الخوارزمية وسيطا غير مرئي يقرر ما يُرى وما يُخفى؟

تطرق الكتاب، وفق القري، أيضا إلى “الفنون بوصفها مجالا حيويا لاختبار هذه التحولات. واستند المؤلف، في مقاربته لتشبيك الذكاء الاصطناعي بحياة الإنسانية، إلى خبرته في الصرامة النقدية للتفكير الفلسفي ولتركيبية صناعة الفيلم الجيد ولذكاء التلفزيون ولجماليات الفوتوغرافيا، ليحلل كيف غيرت الثورة الرقمية طرائق كتابة السيناريو وإدارة الصورة وتقنيات المونتاج وأنماط التلقي”.

ووضح الباحث في الجماليات البصرية كيف دخل الذكاء الاصطناعي في مراحل الإنتاج والتوزيع، من اقتراح القصص إلى تحليل تفاعل الجمهور، ومن توليد الصور إلى محاكاة الأساليب الفنية، متأملا النتائج القائمة والممكنة على طبيعة الثقافة والفن والديمقراطية عموما.

تحديات الخيال البشري

وضع المؤلف “سؤالا حاسما” حول تحولات الخيال البشري عندما تصبح الخوارزميات شريكا في الإبداع؟ لا يتعامل التحليل، كما أبرز الكاتب، “مع السؤال بنبرة تشاؤمية أو احتفالية، بل يختار مقاربة نقدية توازن بين الإمكان والمخاطر، حيث بيّن أن الذكاء الاصطناعي قادر على توسيع أدوات الفنان؛ لكنه في الوقت نفسه يهدد بتوحيد الأساليب وإعادة إنتاج ما هو مألوف، انطلاقا من بيانات الماضي، ونظرا لارتباطه بأهداف جوهرية للهيمنة وللربح وللاحتكار”.

وأبرز القري أن الكتاب يدافع عن فكرة مفادها أن “الفنون لا تموت أمام التقنية؛ بل تتغير، وذلك انطلاقا من تجارب الماضي”؛ غير أن “هذا التغير يصبح خطِرا عندما يفقد الفنان وعيه النقدي، ويتحول إلى كسول ومستسهل للإبداع تحت غواية الربح والنجاح، ليصبح في النهاية مجرد مُنفذٍ لما تقترحه الخوارزميات. لذلك، دعا المؤلف إلى امتلاك الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة، لا التسليم بكونه مرجعية جمالية نهائية”.

الديمقراطية تحت المجهر

فيما يخص الديمقراطية، أعاد القري إثارة سؤالها في ضوء التحولات الرقمية. عرّف المؤلف الديمقراطية بوصفها نظاما سياسيا وثقافيا يقوم على المشاركة والاختيار الحر وتداول السلطة، ثم بيّن كيف تعيد البيئة الرقمية تشكيل هذه المبادئ. ووضح كيف تؤثر الخوارزميات في تشكيل الرأي العام وفي توجيه السلوك الانتخابي وفي إنتاج الاستقطاب السياسي الموجَّه.

وأبرز الكتاب كيفية انتقال الدعاية السياسية من الفضاء العمومي التقليدي، إلى منصات رقمية تمتلك قدرة هائلة على جمع البيانات وتحليلها والتنبؤ بالسلوك السياسي للأفراد. كما بيّن المؤلف أيضا كيف تعرف هذه المنصات المستخدمين أكثر مما يعرفون أنفسهم أحيانا، وكيف تستثمر هذه المعرفة في توجيههم نحو اختيارات بعينها. كما ربط المؤلف أيضا بين هذه الممارسات وبين أزمة الثقة في المؤسسات وتراجع النقاش العمومي وصعود الشعبويات الرقمية؛ وهو ما يغير بقسوة أسس النظام الديمقراطي وحده الأدنى من الحرية والوعي السياسي والقيمي.

كما عمّق الكتاب النقاش عبر ربط أزمة الديمقراطية بسؤال السيادة في زمن البيانات الضخمة كيفية الاستفادة منها وتوظيفها. ووضح المؤلف كيف تفقد الدول جزءا من سيادتها عندما تصبح معطيات مواطنيها مُخزَّنة ومُحللة داخل منظومات عابرة للحدود.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا