أكد عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، أن مشروع القانون التنظيمي رقم 35.24 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية القوانين، يمثل اختبارا حقيقيا لمدى تكريس مبدأ سمو الدستور وحماية الحقوق والحريات الأساسية بالمغرب.
وفي نقد مباشر لمضامين المشروع، سجل رئيس المجموعة النيابية خلال يوم دراسي نظمته المجموعة بمجلس النواب، بمشاركة خبراء في المجال الدستوري، وجود بون شاسع بين الفلسفة الدستورية التي أسست لهذا الحق (الفصل 133 من الدستور)، وبين الصياغة المقترحة التي وصفها بـ “المقيدة”.
واعتبر بووانو أن ورود المشروع في نسخته الثالثة وبترقيم جديد، بعد مخاض طويل من النقاش بين السلطتين التشريعية والقضائية، يطرح علامات استفهام سياسية وقانونية حول قدرة الصيغة الحالية على تجاوز “عنق الزجاجة” الذي عطل هذا النص لسنوات. وأوضح أن المجموعة النيابية ستتعامل مع هذا المشروع بدقة قصوى، مساهمة منها في إخراج قانون متوازن ينهي حالة الانتظار المؤسساتي.
وسجل بووانو أنه بدل أن يسهل المشروع الولوج إلى الرقابة الدستورية، أقام بين المتقاضي والدستور حواجز شكلية وإجرائية تجعل الحق نظريا أكثر منه عملي.ونبه أن النص الحالي يعاني من انحراف عن غايته الأصلية، حيث طغى عليه “منطق الاحتراز” و”هيمنة الهاجس التنظيمي” على حساب الجوهر الحقوقي، مما قد يحول هذا الحق إلى امتياز لفئة معينة قادرة على تحمل أعبائه المادية والإجرائية.
وأوضح بووانو أن إحالة المشروع بترقيم جديد وصيغة معدلة، بعد مسار طويل من الأخذ والرد بين السلطتين التشريعية والقضائية، يطرح علامات استفهام حول مدى قدرة النص الحالي على تجاوز الإشكاليات السابقة. وشدد على أن هذا التأخير يفرض دقة قصوى في الصياغة لضمان إخراج قانون تنظيمي متوازن وفعال، وهو ما تعتكف المجموعة النيابية على دراسته وتحليله.
وفي قراءة تحليلية للمشروع، أكد رئيس المجموعة النيابية أن إخراج هذا القانون يعد “ضرورة مؤسساتية وحقوقية” لاستكمال هندسة الدولة الدستورية، غير أنه سجل وجود مسافة قائمة بين الفلسفة الدستورية المرجعية والصياغة التشريعية المقترحة.
وقال بووانو: “إن الصياغة جاءت في كثير من جوانبها مقيدة لروح هذا الحق، حيث تتجلى هيمنة المنطق التنظيمي المقيد على حساب البعد الحقوقي الذي يفترض أن يشكل جوهر المسطرة”. وأضاف أن المشروع أقام “حواجز شكلية وإجرائية” تجعل من حق المواطن في الرقابة الدستورية حقا نظريا أكثر منه عملياً، محذراً من حصر هذا الحق في فئة قادرة على تحمل تكاليفه المادية والإجرائية.
ووجه بووانو ثلاث استفسارات رئيسية للمشرع بخصوص المشروع الجديد حول مدى إرساء آليات مرنة تكفل للمواطنين الولوج الحقيقي للعدالة الدستورية، وحول القدرة على حل مسألة “التصفية والفرز” التي أثارتها المحكمة الدستورية في قرارها السابق رقم 18/70، فضلا عن مدى ضمان هذا المشروع للأمن القانوني والقضائي بالمملكة.
من جانبها، أكدت نعيمة فتحاوي، عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، أن تنزيل مقتضيات الدفع بعدم دستورية القوانين يعد محطة مفصلية في استكمال البناء المؤسساتي الذي أرساه دستور 2011. وأوضحت أن تفعيل الفصل 133 من الدستور يمنح المحكمة الدستورية صلاحيات حيوية للنظر في القوانين التي تمس بالحقوق والحريات المضمونة، مما يجعل من القضاء الدستوري حصناً حقيقياً لحماية المواطنين.
واعتبرت فتحاوي أن هذه الآلية تمثل “خطوة نوعية” في تعزيز دولة القانون، وتجسد إرادة المملكة في ضمان احترام الدستور من طرف جميع السلطات. وأشارت إلى أن فتح المجال أمام المواطنين وأطراف النزاع للطعن في القوانين المخالفة للدستور يضمن سمو الوثيقة الدستورية على كافة النصوص التشريعية والتنظيمية الأخرى.
وشددت عضو المجموعة النيابية على أن نجاح هذا الورش الدستوري الكبير رهين بمدى “وضوح المساطر وبساطة الإجراءات”، محذرة من أن تعقيد الولوج إلى هذه المسطرة قد يحول حقا دستوريا أصيلاً إلى “امتياز للأغنياء وفئات معينة فقط”.
ودعت فتحاوي في هذا الصدد إلى ضرورة ضمان مجانية المسطرة لتكون متاحة للجميع، مؤكدة أن “المشروع يجب أن يترجم فعلياً مبدأ سمو الدستور ويعزز الرقابة اللاحقة، خاصة في ظل تنامي القوانين ذات الطابع الزجري أو التقييدي”.
وفي سياق متصل، طالبت النائبة بضرورة توفير الإمكانيات البشرية واللوجستيكية الكفيلة بتمكين المحكمة الدستورية من البت في الدفوع داخل آجال معقولة، مع وضع ضوابط دقيقة تمنع التعسف في استعمال هذا الحق دون المساس بجوهره.
كما أكدت فتحاوي على أهمية إرساء “ثقافة دستورية جديدة” من خلال إطلاق حملات توعية واسعة للمواطنين، وتوفير تكوين متخصص للقضاة والمحامين حول آليات الدفع، وضمان إلزامية نتائج الدفع لجميع السلطات تعزيزا للأمن القانوني.
المصدر:
العمق