فتح ملتقى “الحوارات الأطلسية” نقاشا عميقا حول أدوار مراكز التفكير عبر العالم، ومدى نجاحها في ملامسة الواقع الدولي الآني.
ولامس اللقاء، اليوم السبت بالرباط، كيفية تمكن هذه المراكز عبر الخبرة والتعاون من تجاوز الانقسامات، وبناء الروابط عبر المناطق، وإنتاج رؤى قابلة للتطبيق، كما سعى إلى تسليط الضوء على القدرة الفريدة لمراكز التفكير على تفسير الواقع الحالي ثم العمل بشكل تعاوني لصياغة مستقبل مستدام.
وقال كريم العيناوي، الرئيس التنفيذي لمركز السياسات للجنوب الجديد، إن هذه المراكز تساهم في تشكيل الأفكار والسياسات والتوجهات، وتجمع الناس معًا، فيما يعد بناء الثقة أمرا أساسيا.
واعتبر العيناوي أن “إحدى نقاط قوة مراكز التفكير هي خلق مساحة آمنة حيث يمكن أن تجرى مناقشات صعبة، ورغم أنها ليست حلًا لجميع تحديات عالم اليوم لكنها مؤسسات فعالة”، مبينا أن مراكز التفكير تستخدم عدة أدوات منها: “النشر، إذا مازال الخبراء مرتبطين بالكتابة، ثم المشاركة مع المهتمين، ومع مجموعات لديها وجهات نظر معارضة للغاية، ونقلها إلى الطلاب في الجامعات والأوساط الأكاديمية”.
وتابع المتحدث ذاته: “هذه المؤسسات الفكرية تسعى إلى التدريب وإعداد الجيل التالي بطريقة مختلفة، وهي أكثر تعقيدًا بكثير، ولكن بالتأكيد جزء من نظام أوسع، إذ تتمتع بالقدرة على استقطاب خبرات الوزراء والسفراء وصناع القرار السابقين”، وزاد: “نحن نكمل آلية صنع القرار في السياسة العامة، ونخلق مساحة آمنة يتم فيها تبادل الأفكار، أي تشكيل قوس في عملية صنع القرار العام الفوضوية”.
من جهته قال صنجي جوشي، رئيس مؤسسة أبحاث المراقب بالهند، إن “النظام الدولي القائم على القواعد ينهار، واليوم يتم استجواب هذا النظام في الشوارع، حيث يطرح الناس أسئلة أساسية: ماذا تقدم هذه المؤسسات الفكرية؟ وما هو ناتجها؟ إنها أزمة خطاب، أزمة ثقة، أزمة شرعية”.
وأضاف جوشي أن “الاضطراب الأكبر ليس قادمًا، ولا هو اضطراب جيوسياسي بين الصين والولايات المتحدة حول التجارة والتكنولوجيا؛ إنه أزمة الثقة في النظام الدولي القائم على القواعد، الذي بدأ عام 1945، ووصل إلى ذروته بعد الحرب الباردة، ليصبح موضع تساؤل من القوى نفسها التي بدأته، لأنه لم يعد يخدم مصالحها”، وتابع: “اليوم يتعرض هذا النظام للاستجواب من جانبين: جانب يقول إنه لم ينجح معنا، وجانب آخر يقول إنه كان دائمًا تحالفًا للمصالح المشتركة دون أي أساس أخلاقي، حيث وُجد لتبرير التدخلات في أجزاء معينة من العالم عندما يناسبهم ذلك”.
وترى إليزابيث سيديروبولوس، المديرة التنفيذية للمعهد الجنوب إفريقي للشؤون الدولية، أنه عندما تقوم مراكز التفكير بمشاريع يتوقع الناس منها أن تكون قادرة على التغيير.
وأضافت سيديروبولوس أن الأمر أكثر تعقيدًا بكثير، ويتعين عليهم الأخذ في الاعتبار السياسة الكامنة وراء توصيات ومقترحات محددة؛ مع وعي بحقيقة أن هناك حركة ترى أن المؤسسات الفكرية تعمل في مساحة منفصلة ليس عن بيئة صنع السياسات، ولكن عما يحدث في القاعدة الشعبية.
وتابعت المتحدثة: “لا يقتصر الأمر على سد الفجوة بين مجتمع البحث ومجتمع صنع السياسات، رغم أن هذا يعد مهما. يجب أن نكون واعين بكيفية تقديم الحجة لسبب أهمية العمل الذي نقوم به، ولماذا تعتبر الأدلة التي ننتجها بالغة الأهمية لأنواع السياسات والإجراءات التي يتم اتخاذها”، وأشارت إلى أهمية إعادة التفكير في إستراتيجية الاتصال لدى هذه المراكز، إذ لم يعد الأمر يتعلق فقط بوضع رابط للورقة وتوقع قراءتها، فهذا النوع من المشاركة غير حيوي، بل تجب تنمية علاقات قوية قائمة على الثقة مع أصحاب المصلحة والمجتمع، لاستخدام المعرفة المنتجة بطريقة يمكن استقبالها جيدًا ومعالجتها.
المصدر:
هسبريس