تعيش مدينة تطوان منذ أيام على وقع جدل واسع عقب تداول صور تظهر شاحنة تابعة لجماعة تطوان وهي تقوم بنقل صناديق تضم كتبا ووثائق نادرة من داخل المكتبة العامة والمحفوظات الواقعة بشارع محمد الخامس، وهي من أعرق المؤسسات الحافظة للتراث الوثائقي الوطني.
المشهد الذي وثق عملية شحن الصناديق بطريقة وصفت بـ“العشوائية”، أثار موجة استنكار واسعة وسط الأوساط الثقافية والسياسية، بالنظر إلى القيمة التاريخية للكتب والمخطوطات التي تضمها المكتبة، وما يشكله نقلها دون إعلان رسمي من تهديد فعلي لذاكرة المدينة وهويتها المعرفية.
ووصل الملف إلى البرلمان بعدما وجهت النائبة البرلمانية سلوى البردعي عن مجموعة العدالة والتنمية بمجلس النواب، سؤالا كتابيا إلى وزير الشباب والثقافة والتواصل، تستفسر فيه عن ملابسات نقل الكتب والوثائق النادرة في ظروف وصفت بـ“الغامضة” ومن دون احترام لشروط الحفظ والصيانة.
وقالت البرلمانية في سؤالها إن الصور المتداولة “تظهر عملية نقل تُشبه نقل الطوب”، متسائلة عن الجهة التي أمرت بهذه العملية، والوجهة التي نُقلت إليها تلك الذخائر الوثائقية، والسند القانوني الذي اعتمدته الجهات المشرفة، فضلا عن غياب أي جرد رسمي أو إشراك للباحثين والمتخصصين.
وأشارت النائبة إلى أن المكتبة العامة بتطوان مغلقة منذ أكثر من ستة أشهر بدعوى الترميم، بينما يتم نقل محتواها في غياب أي إعلان رسمي أو ضمانات تحمي الرصيد الوثائقي المغربي من الضياع أو الإتلاف أو التلاعب، معتبرة أن الأمر يمس جوهر الثقة في تدبير مؤسسات تراثية لا تقدر بثمن.
واعتبرت أن “صيانة الذاكرة الجماعية ليست ترفا، بل واجب دولة، وأي انزلاق في تدبيرها يفتح الباب أمام ضياع لا يمكن تعويضه”. خاتمة سؤالها بالقول: “ننتظر منكم توضيحات دقيقة وإجراءات فورية تحفظ ثروة معرفية حملتها مدينة تطوان لأكثر من ثمانية عقود”.
من جانبه، دعا عادل بنونة، المستشار بجماعة تطوان، إلى فتح “تحقيق فوري وحازم” للكشف عن سبب ترحيل الكتب والوثائق النادرة، والجهة التي استقبلت هذا التراث الذي خدم الطلبة والباحثين لعقود، معتبرا أن “ظهور شاحنة تابعة للجماعة في موقع النقل يزيد من الشبهات ويطرح أسئلة ثقيلة حول قانونية العملية”.
وتساءل بنونة في تدوينة له بالقول: “هل كانت العملية بتفويض رسمي أم بتصرف خارج القانون؟ ومن منح الضوء الأخضر لنقل كنوز وثائقية بهذا الحجم دون حماية أو احترام لمعايير صيانتها؟ وأين اختفت هذه الدخائر التي تُعد ملكاً أصيلاً للمدينة ولساكنتها؟”.
أما على المستوى الثقافي، فقد عبر الفنان عبد الكريم بنطاطو عن “قلق بالغ”، مشيرا إلى أن المكتبة مغلقة منذ أشهر طويلة، وأن الصناديق تنقل دون أي فهرسة دقيقة، قائلا: “كيف يمكن معرفة ما خرج وما سيعود لاحقا.. إذا عاد؟”، متسائلا عن مدى احترام حقوق الطلبة والباحثين الذين حُرموا من خدمات المكتبة طيلة فترة الإغلاق.
وأشار بنطاطو في تدوينة على حسابه بموقع “فيسبوك”، إلى ضرورة وضع لافتة توضح للرأي العام طبيعة العملية، محذرا من تكرار “كوارث تراثية سابقة”، مثل واقعة فقدان أحد أعمال الفنان بيرتوتشي قبل حوالي عشرين سنة.
يُشار إلى أن المكتبة العامة والمحفوظات بتطوان تعد واحدة من أبرز المعالم الثقافية والعلمية بشمال المغرب، وفضاء مرجعيا لحفظ الذاكرة الثقافية والإنسانية والحضارية للمنطقة، حيث بدأت إرهاصات تأسيسها الأولى سنة 1919، قبل أن ترى النور رسميا سنة 1939.
وتحتضن المكتبة رصيدا وثائقيا ومعرفيا بالغ الغنى والتنوع، موزعا على عدة طوابق وأقسام، يضم آلاف الكتب العربية والأجنبية، والدوريات والصحف، فضلا عن كنوز تراثية نادرة تشمل المخطوطات، والخرائط، والصور، والمسكوكات، والمطبوعات الحجرية، تعود تواريخ بعضها إلى القرن الرابع الهجري.
المصدر:
العمق