في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
بنقاشات تستشرف “مستقبل التعلّم والعمل: السياسات والممارسات” وتساؤلاتِ: “كيف يُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل مستقبل العمل، وما الذي يفرضه ذلك على منظومات التعلم؟ وكيف نُعِدّ الأفراد بمهاراتٍ وعقلياتٍ تناسب وظائف وتحديات لم تظهر بعد؟”، استمرت فعاليات “الحوارات الأطلسية 2025” بمحادثة معمَّقة جمعت على المنصة نفسها كلاً من جاك أطالي، الباحث الاقتصادي الفرنسي، الخبير في علم المستقبليات، والوزير يونس السكوري، الحامل لحقيبة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات في الحكومة المغربية.
واستكشفت الجلسة، التي تابعها باهتمام المشاركون في الحدث، “سُبل تصميم منظومات تعلم أكثر قدرة على التكيّف، وأكثر شمولاً واستجابة للمتغيّرات الجديدة”، لتغوص في “كيفية الانتقال من مستوى النوايا والسياسات إلى مستوى التنفيذ العملي، لضمان منظومات لا تكتفي باستشراف التغيير، بل تملك القدرة على قيادته”.
متدخلاً خلال الفعالية لخّص السكوري السؤال المركزي المتعلق بمستقبل التشغيل في “القدرة على تحقيق نموذج عمل مندمج يجمع بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، بهدف تعبئة الموارد الضرورية وتحقيق نتائج ملموسة في تطوير سوق الشغل”.
المسؤول الحكومي المغربي اغتنم فرصة المؤتمر السنوي الدولي العابر للأطلسي لينادي بـ”اعتماد مراجعة شاملة للمقاربات المرتبطة بمستقبل الشغل”، مشدداً على “ضرورة ربط هذا النقاش برؤية أوسع ترتكز على مستقبل النمو الاقتصادي”، ومؤكدا أن “الاستعداد للتحولات السريعة لم يعد خيارًا، بل شرطا لازمًا لضمان قدرة الاقتصاد الوطني على مواكبة المتغيرات العالمية”.
وشدد المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، على “أهمية الاستباق في مواجهة التحولات الاقتصادية والتكنولوجية والبيئية، بهدف تحديد الكفاءات التي سيحتاجها سوق العمل خلال العقود المقبلة”، مسجلا أن “تحديد هذه المتطلبات بشكل دقيق يمثل أساسًا لتحقيق المواءمة بين منظومات التعليم والتكوين من جهة، واحتياجات الاقتصاد المتطور من جهة أخرى”.
وفي السياق ذاته مَيّز وزير التشغيل بين “الكفاءات التي يصعب تعويضها بالذكاء الاصطناعي وتلك التي تزداد أهميتها مع التحول الرقمي”، عادّاً أن “المهارات البشرية الأساسية –مثل الريادة والقيادة، واتخاذ القرار، وتدبير الوضعيات المعقدة، وتحديد الأهداف طويلة الأمد– ستظل راسخة وغير قابلة للإحلال، نظرًا لارتباطها الوثيق بالتجربة الإنسانية والتفاعل الاجتماعي ومسارات الأفراد”.
وركّز الوزير في حديثه على “حتمية الكفاءات الرقمية كضرورةٍ لا غنى عنها، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، وعلوم البيانات، والتقنيات المتقدمة”، وزاد مستدركا: “غير أن الإشكال لم يعد يقتصر على التحكم التقني في هذه الأدوات، بل يتعلق بمدى القدرة على توظيفها بفعالية لتعزيز الابتكار ورفع الإنتاجية”؛ كما أبرز أهمية الكفاءات المرتبطة بالاقتصاد الأخضر، لكون القرارات الدولية في هذا المجال تُحدث تأثيرات مباشرة على الصناعات الوطنية، من السيارات إلى الطيران والصناعات الميكانيكية.
ولم ينسَ السكوري “دور المهن اليدوية والتكوين المهني”، مؤكدًا أن الكفاءات التقنية والتجارية تظل عنصرا أساسيًا في بنية الاقتصاد المغربي، وأن “دعمها وتطويرها يمثلان رافعة محورية لضمان استدامة فرص الشغل وتعزيز تنافسية الاقتصاد”.
ظلَّ الخبير الاقتصادي والكاتب الفرنسي جاك أطالي وفيا لرؤيته النقدية تجاه أكثر القطاعات الاجتماعية حساسية وتأثيرا في مسارات التشغيل وفرص العمل، مقدماً “تحليلًا نقديًا للأنظمة التعليمية الحالية”، التي قال في حديثه ضمن الجلسة ذاتها إنها “لا تستجيب بفعالية لاحتياجات الأفراد”، وأضاف أن الأنظمة التعليمية- التربوية – بصيغتها الحالية- “تساهم في توسيع فجوة اللّامساواة بين الطبقات الاجتماعية، خاصة في دول تنتمي إلى الجنوب العالمي”.
وفي السياق قرَع الاقتصادي الفرنسي جرس التحذير من أن “التكنولوجيات الحديثة، بما فيها الذكاء الاصطناعي، تواصل تعميق الفوارق بدلًا من أن تكون جزءًا من الحل”، وفق تصوره.
ودعا أطالي إلى “ضرورة غرس إرادة النجاح والقدرة على مقاومة الفشل لدى المتعلّمين والطلاب، كركيزة أساسية لتجاوز هذه التحديات”.
إجمالاً ناقشت الجلسة تحديات “التسارع الكبير في وتيرة الذكاء الاصطناعي والابتكار التكنولوجي”، بما يفضي إلى “إعادة تشكيل عالم العمل، بما يشمل أسواق الشغل، والمهارات الجوهرية، والنماذج التقليدية للتعليم والتكوين”. ومع اتساع هذه التحولات تزداد الحاجة إلحاحًا إلى إعادة التفكير في كيفية إعداد المجتمعات الأفراد لمستقبل غير قابل للتنبؤ، وفق الخبراء المتدخلين.
المصدر:
هسبريس