آخر الأخبار

تآكل الثقة في الديمقراطيات .. قادة سابقون يشرحون الأزمة عبر القارات

شارك

نقاشاتٌ عن “الديمقراطية في عالم ما بعد الثقة” بصمَت فعاليات اليوم الافتتاحي من “الحوارات الأطلسية”، الذي ينظمه مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد في الدورة الـ14، المنظمة من 11 إلى 13 دجنبر الجاري في حرَم جامعة محمد السادس متعددة التخصصات بالرباط.

الجلسة العامة الأولى المتسائلة بعُنوانها: “هل تستطيع الديمقراطية تلبية التطلعات في عالم ما بعد الثقة؟” استضافت في منصتها ثلاثة مسؤولين من قارات مختلفة، محاولة الإجابة عن التساؤل الجوهري حول “قدرة الديمقراطية على تحقيق النتائج الفعالة في سياق عالمي يتسم بتآكل الثقة”.

وأجمع المتحدثون، وهم قادة سياسيون سابقون من غينيا بيساو والمكسيك وإيطاليا، على أن “التحدي ليس فقط في الديمقراطية كنظامٍ، وإنما في قدرتها على التكيف والأداء الفعلي أمام توقعات المواطنين المتزايدة”.

مصدر الصورة

جذور ثقة تتآكل

أشار المتحدثون إلى أن “جذور أزمة الثقة تتنوع حسب السياق الإقليمي”. وركّز خورخي كاستانيدا، وزير خارجية المكسيك السابق، على الأداء الاقتصادي في الجنوب العالمي، حيث “تآكلت الثقة في أمريكا اللاتينية لأن التحولات الديمقراطية التي حدثت في الثمانينيات والتسعينيات فشلت في تحقيق ما توقعه الناس منها، وهو تحسن مستويات المعيشة (التعليم والصحة والسكن)؛ وهو إحباط أدى إلى تزايد الانجراف السلطوي وظهور شعور عام بأن الديمقراطية لم تُنجز”، بحسبه.

أما سوزي باربوسا فتطرّقت لحالة غرب إفريقيا، حيث “أدت النماذج الديمقراطية المستوردة من الخارج، التي لا تتناسب مع الواقع المحلي، إلى حالة من ‘عدم الرضا الشعبي’، خاصة بين الشباب الذين يمثلون الغالبية”، مردفة: “تَجسد هذا في تكرار الانقلابات، إذ يشعر المواطنون بأن النظام القائم لا يمثلهم فعلياً”.

التحديات المعرفية والهوياتية في أوروبا تولّى الحديث عنها رئيس الوزراء السابق لحكومة إيطاليا باولو جينتيلوني، موردًا: “في الديمقراطيات الأوروبية الراسخة التآكل ناتج عن عوامل أكثر تعقيداً، تشمل فشل الارتباط بين الديمقراطية والازدهار الاقتصادي المطلق، وصعود سياسات الهوية والقومية. والأهم من ذلك التحدي الذي يفرضه الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي، الذي أدى إلى وجود حقائق مختلفة وكسر الإجماع المعرفي الأساسي”.

مصدر الصورة

“الديمقراطية التكيّفية”

وأجمع المتحدثون على أن استعادة الثقة تتطلب “آليات مقاومة داخلية وجهوداً للإصلاح”. وفي السياق شدد جينتيلوني على أن “الصدق والشفافية والمساءلة يجب أن تكون شروطاً مسبقة طبيعية للسياسيين في الأنظمة الديمقراطية، وليس العكس”. بينما أكد كاستانيدا على أهمية وجود “السياسيين المحترفين”، معتبراً أن “الفوضى الناتجة عن التغيير الديمقراطي الدائم أفضلُ من أي نظام استبدادي”.

ولفت جينتيلوني متفاعلاً إلى أن “التحدي الحالي في أوروبا يكمن في التجزئة السياسية التي تمنع اتخاذ القرارات، وليس مجرد تغيير الحكومات”.

بدورها رأت باربوسا أن “أفضل طريقة لاستعادة الثقة هي العمل الملموس والسياسات الشفافة التي تبتعد عن الوعود الفارغة”، وأكدت على “الدور المحوري للشباب في غرب إفريقيا، الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال صوتهم، رغم التحدي المتمثل في مكافحة الأخبار المضللة”.

ومع انقسام واضح حول فكرة “تكييف الديمقراطية” دعت المسؤولة الغينية السابقة إلى “ضرورة ‘الديمقراطية التكيفية’ التي تتناسب مع الواقع الإفريقي الخاص لضمان الشعور بالتمثيل”. وفي المقابل حذر المكسيكي كاستانيدا من أن “تكييف الديمقراطية التمثيلية” قد يكون تبريراً لإقامة أنظمة سلطوية تحت ستار الخصوصية المحلية.

ومع ذلك أجمع المتحدثون على أن التمسك بالأساسيات الديمقراطية (الانتخابات الحرة، سيادة القانون، الإعلام الحر) يظل الأفضل، تطبيقاً لمبدأ تشرشل الشهير بأنها “أسوأ شكل من أشكال الحكم، باستثناء كل الأشكال الأخرى”.

وإجمالاً سعى النقاش إلى “دراسة كيفية استجابة ديمقراطيات من مناطق مختلفة لتراجع الثقة، وتحديد العوامل المؤسسية والثقافية والتكنولوجية التي تمكّن من التكيف”. كما تدعو الجلسة إلى “التفكير في قدرة الديمقراطية على إعادة ابتكار نفسها كنموذجٍ أكثر تفاعلاً وشمولاً وشفافية، قادر على تقديم الشرعية والنتائج الملموسة للمواطنين”.

مصدر الصورة

“نسخة 2025”

يشكل المؤتمر ملتقى يجمع القارات الأطلسية الأربع، ويهدف إلى تجديد فهم الديناميات بين ضفّتي الأطلسي وتسليط الضوء على الدور الإستراتيجي المتنامي لجنوب المحيط الأطلسي في النقاشات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية.

وتمثل هذه الفعالية امتدادًا لنسخة 2024، التي وسّعت من صيغتها لتصير منصة متعددة التخصصات.

وتهدف الدورة الرابعة عشرة من “الحوارات الأطلسية” إلى تحليل مختلف الأزمات التي يمر بها العالم، من أجل اقتراح سبل للإصلاح تتماشى مع الواقع المعاصر. وبينما تناولت الجلسة الافتتاحية موضوع قدرةَ الديمقراطية على الوفاء بوعودها في عالم يتسم بتحولات عميقة وبفقدان الثقة فهذه الدورة تلُمّ تسع جلسات عامة تسلط الضوء على مواضيع متنوعة، بالإضافة إلى عشرين ورشة عمل في إطار مجموعات صغيرة، “ما يوفر إطارًا ملائما لنقاشات مستفيضة حول التحولات الأطلسية والتحديات الجديدة التي يواجهها التعاون الدولي”، وفق ما أفاد به المنظمون.

كما سيتم الغوص في قضايا لم يتم التطرق إليها كثيراً، مثل “الدور المتنامي للممرات المائية التجارية العالمية باعتبارها منافع مشتركة إستراتيجية للتجارة العالمية، ودورها في الحد من التوترات الجيوسياسية وحماية النظم البيئية البحرية”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا