آخر الأخبار

خمس سنوات من الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء تعزز مكاسب الرباط

شارك

خمسة أعوام كاملة مضت منذ أن سطرت واشنطن فصلا جديدا في تعاطيها مع ملف النزاع الإقليمي حول الصحراء، إثر اعترافها بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية في 10 دجنبر من العام 2020، مُدشنة بذلك نقطة تحول استراتيجية أعادت رسم خريطة القوة والاستقرار في شمال إفريقيا، عززت موقف المغرب التفاوضي وأسست لتحولات كبيرة في ملف الوحدة الترابية للمملكة؛ بدءا من اعترافات كبريات العواصم العالمية وانحسار الأطروحة الانفصالية، وصولا إلى القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي الذي يثبت مخطط الحكم الذاتي كأساس لأي حل.

وسجل مهتمون أن اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على صحرائه لم يكن مجرد خطوة دبلوماسية؛ بل شهادة على دور الرباط الفاعل في معادلات الاستقرار والتنمية في القارة الإفريقية، وتقديرا لجديتها في حماية سيادتها ووحدتها، مؤكدين في الوقت ذاته أن هذا القرار الأمريكي يعكس أيضا فهما عميقا لطبيعة الصراعات والتوازنات الدولية في “القارة السمراء”، من جانب صناع القرار في “البيت الأبيض”.

قناعات أمريكية

قال هشام معتضد، الباحث في الشؤون الاستراتيجية، إن “الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، بعد مرور خمس سنوات على إعلانه، يُقرأ لا بصفته قرارا سياسيا ظرفيا؛ بل كإشارة عملياتية تعكس تقديرا معمقا لجدية المغرب في تأمين مجاله السيادي وقدرته المؤسسية على ترجمة التزاماته الاستراتيجية”، لافتا إلى أن “واشنطن لا تُقنن عادة مواقف سيادية بهذا الحجم ما لم تلمس وجود دولة تمتلك اتساقا في العقيدة الأمنية واستمرارية في سلوكها الاستراتيجي”.

وأضاف معتضد، في تصريح لهسبريس، أن “الاستقرار المؤسسي والنضج الأمني والدبلوماسي شكّل عناصر أساسية في الحالة المغربية لتعزيز القناعة الأمريكية بأن سيادة المغرب ليست مجرد مطالبة تاريخية؛ بل مشروع دولة يملك هندسة تنفيذية واضحة ومسارا قانونيا وسياسيا منضبطا”.

وأبرز الباحث في الشؤون الاستراتيجية أن “المغرب أثبت، خلال العقدين الماضيين، قدرته على ضبط حدوده، وتحقيق مستوى عملياتي مهم في مكافحة الإرهاب، وضمان حركة لوجستية حيوية في الساحل والصحراء؛ وبالتالي فإن هذا النوع من الانضباط الأمني هو ما جعل الاعتراف الأمريكي يُعامل كمُضاعف استراتيجي وليس مجرد إعلان دبلوماسي”.

وتابع المتحدث عينه: “من زاوية نظر البيت الأبيض، أسهم الاعتراف الأمريكي في تعزيز سردية الحكم الذاتي باعتبارها المقاربة الأكثر واقعية في هندسة الحلول للنزاعات الإقليمية؛ فالإدارة الأمريكية، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، تُقيّم جدوى المقترحات بناء على قدرتها على خلق الاستقرار وتقليص المخاطر، أكثر من انسجامها مع الإحداثيات الإيديولوجية”، مسجلا أن “مقترح الحكم الذاتي المغربي قدّم نموذجا عمليا يوازن بين المبدأ الأممي للحكم المحلي وبين سيادة الدولة؛ وهو ما جعله بالنسبة لصناع القرار الأمريكيين حلا قابلا للتطبيق وليس مجرد مشروع تفاوضي”.

وشدد معتضد على أن “هذا الاعتراف منح من الناحية الجيوسياسية زخْما لمبدأ الحكم الذاتي باعتباره إطارا ينسجم مع عقيدة الأمن القومي الأمريكي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، مشيرا إلى أن “الحكم الذاتي، من منظور واشنطن، ليس مجرد تسوية سياسية؛ بل آلية تمنع خلق فراغات سيادية قد تستغلها جهات غير حكومية أو قوى منافسة مثل روسيا أو إيران”.

واعتبر الباحث ذاته أن “هذه الخطوة الأمريكية أصبحت عاملا رادعا أمام أي مشروع لزعزعة الاستقرار في المنطقة؛ لأنه خلق نوعا من التكلفة الجيوسياسية لأي طرف يسعى إلى تعطيل العملية السياسية”.

وخلص معتضد إلى أن “الاعتراف الأمريكي، بعد مرور خمس سنوات على صدوره، يعد شاهدا استراتيجيا على جدية المغرب في الدفاع عن سيادته وقدرته على تحويل الشرعية السياسية إلى شرعية تنفيذية على الأرض. كما أصبح هذا الاعتراف حجر الزاوية في تعزيز المقاربة المغربية للحكم الذاتي، لأنه منحها غطاء دوليا من قوة عظمى، ودفع المنظومة الدولية نحو التعامل معها باعتبارها الحل الوحيد القابل للحياة. وبذلك، تحوّل الاعتراف الأمريكي من قرار سياسي إلى معطى بنيوي يُعاد بناء التوازنات الإقليمية في المنطقة على أساسه”.

إمكانيات مغربية

من جهته، أوضح بدر بوخلوف، أستاذ جامعي بكلية الحقوق بمكناس، أن “الموقف الأمريكي بالاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية هو موقف دولة وليس موقف حكومات أو أحزاب، إذ ينطلق من روابط البلدين التي تتعدى الجغرافيا إلى التاريخ؛ فالأمريكيون دائما ما يستحضرون الموقف المغربي التاريخي، الذي جعل المملكة أول دولة في العالم تعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1777”.

ولفت بوخلوف، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن “الموقف الأمريكي الثابت من قضية الوحدة الترابية للمملكة يستحضر أيضا مكانة ودور المغرب في المنطقة العربية والمغاربية والإفريقية؛ فصناع القرار في واشنطن يرون في الرباط بوابة لإفريقيا، بما يتوفر عليه من آليات وإمكانيات وخصائص تعزز هذا الدور الاستراتيجي؛ وأهمها الاستقرار السياسي والأمن الذي يتمتع به المغرب في محيط إقليمي مشحون أمنيا”.

وبيّن الأستاذ الجامعي أن “الدبلوماسية المغربية، التي قادها المغاربة المقيمون في الولايات المتحدة الأمريكية، ساهمت في تشكيل هذا الاعتراف وأعطت لقضية الوحدة الترابية زخْما كبيرا في دواليب صنع القرار الأمريكي، وهنالك نتكلم أيضا عن دور اليهود المغاربة في هذا الملف الذين يعتزون بأصولهم وتوبتهم ولم يدخروا جهدا في الدفاع المستميت عن جميع القضايا التي تهم الشعب المغربي”.

وشدد المتحدث ذاته على أن “الدعم الأمريكي للطرح المغربي في الصحراء ساهم في حدوث تحولات عميقة في مسار هذا الملف؛ منها خروج دول عديدة هي الأخرى بمواقف داعمة مثل إسبانيا وفرنسا وبريطانيا، ثم آخرها قرار مجلس الأمن رقم 2797 الذي ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية (حاملة القلم) في صياغته؛ وهو القرار الذي عبر بشكل واضح عن تقدير المجتمع الدولي لمبادرة المغرب للحكم الذاتي باعتبارها مبادرة جدية قادرة على تحقيق الاستقرار من جهة، وتعزيز التنمية المحلية من جهة أخرى”.

وخلص بوخلوف إلى أن “عودة المغرب إلى حاضنته الإفريقية عززت من موقع وأدوار المغرب على المستوى القاري، وجعلته فاعلا لا محيد عنه؛ وهو ما وعى به الأمريكيون وتوجهوا نحو تعزيز الشراكة مع المغرب، وقبل ذلك دعم وحدته الترابية وأمنه واستقراره، خاصة أن إفريقيا تعد اليوم محط أنظار عدد من القوى الدولية والإقليمية التي تبحث بدورها عن تثبيت موقعها في الخريطة القارية عبر إقامة شراكات مع دول موثوقة بحجم المغرب على أساس المصالح المشتركة”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا