على خلفية دعوة مصر إلى الإسراع بنشر القوة الدولية التي نص عليها اتفاق السلام في غزة، وتأكيد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أمس السبت من الدوحة، استمرار المفاوضات بشأن هذه القوة التي قال إنها “تواجه تحديا على مستوى التأسيس والدول التي ستشارك فيها بقوات عسكرية”، يُطرح تساؤل جدي حول إمكانية انخراط المغرب في هذا المسار والتقديرات الاستراتيجية التي قد تحكم مشاركته في هذه القوة الدولية من عدمها.
قال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراعات، إن “قرار المغرب المشاركة في قوة إرساء السلام في غزة من عدمه قرار سيادي يندرج ضمن الصلاحيات الحصرية لجلالة الملك محمد السادس، أمير المؤمنين والقائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية”، مبرزا أن “هذا القرار لا يمكن أن يخضع بأي حال من الأحوال لإملاءات أو ضغوط أو توجيهات خارجية، بل هو نابع كليا من الثوابت الوطنية الراسخة والموقف الثابت للمملكة المغربية إزاء القضية الفلسطينية”.
وأضاف البراق، في تصريح لهسبريس، أن “أي انخراط مغربي في هذا الملف الحساس سيكون تجسيدا لإرادة وطنية مغربية، تهدف إلى تحقيق نتائج إيجابية وملموسة تخدم القضية الفلسطينية التي تحتل المرتبة الثانية بعد قضية وحدتنا الترابية”.
وسجل أن “طبيعة الأزمة الحالية تتطلب أن يكون قرار المغرب استراتيجيا حذرا يضع في اعتباره مخاطر الانخراط في بيئة صراع معقدة وغير مستقرة، فالحسابات الدقيقة للعقل الاستراتيجي المغربي ستهدف أولا إلى تجنب التورط في صراعات داخلية أو عسكرية مباشرة لا تخدم الهدف الأسمى، إلى جانب ضمان أن يكون الدور المغربي دورا إرسائيا وإنسانيا يركز على الفصل، المراقبة، وتأمين المساعدات، وليس دورا قتاليا أو أمنيا يهدف إلى نزع سلاح فصيل فلسطيني أو الدخول في مواجهات معينة”.
وشدد الخبير الدولي ذاته على أن “الحساب الاستراتيجي المغربي يركز على تحديد خطوط حمراء واضحة لمهام القوات المشاركة، بحيث لا تُستخدم القوة الدولية كأداة لتغطية استمرار الاحتلال بطرق غير مباشرة أو كبديل عن الإرادة الفلسطينية الحرة، مع الحفاظ على التوازن الدقيق في علاقات المملكة الدبلوماسية والإقليمية”.
وخلص البراق إلى أن “قراءة المواقف التاريخية للدبلوماسية المغربية في القضية الفلسطينية تؤكد أن الرباط لن تقبل بالمشاركة في أي مسار من هذا النوع من دون ضمانات سياسية دولية ملزمة تضمن أن هذه القوة تمثل مرحلة انتقالية نحو بناء الدولة الفلسطينية المستقلة”، معتبرا في الوقت ذاته أن “أي مشاركة مغربية محتملة في قوة إرساء السلام سوف تأتي كاستمرارية للروح الثابتة التي جسدتها المملكة المغربية منذ زمن بعيد، والمتمثلة في التزامها التاريخي والمؤسساتي تجاه دعم عمليات السلام وحفظ الأمن الدوليين تحت مظلة الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن”.
اعتبر المحلل السياسي المهتم بالشؤون الدولية سعيد بركنان أن “من الصعب الآن تحديد موقف المغرب من مشاركته في قوة إرساء السلام بغزة في غياب تصريح رسمي”، مبرزا أنه “بالرغم من مشاركة المملكة بشكل كبير في عمليات حفظ السلام في العديد من مناطق العالم، إلا أن موقفها قد يختلف بخصوص المشاركة في نشر قوة دولية في غزة لمعطيات عدة؛ أولها طريقة تشكيل وإنشاء هذه القوة، وثانيها عدم وضوح الرؤية والتخطيط المستقبلي لقوة إرساء السلام في غزة”.
وأضاف: “بالنسبة للمعطى الأول، تكون هذه هي المرة الأولى التي نتحدث فيها من داخل الأمم المتحدة عن قوة لإرساء السلام، وليس لحفظ السلام، وهي قوة مرخص لها بالإنشاء من طرف الأمم المتحدة، وليس بقرار أممي كما هو الحال في باقي الحالات المنتشرة في العديد من مناطق العالم كقوات لحفظ السلام. هذا الترخيص بإنشائها والحديث عن الدول المتطوعة لتشكيلها يخضع لتجاذبات متدخلين إقليميين ودوليين يتحكم فيها اختلاف الرؤية المستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط، وخاصة وضع غزة وإسرائيل في المنطقة”.
وزاد شارحا: “وهذا ما يترتب عنه المعطى الثاني الذي يحكم مشاركة المغرب من عدمها، وهو اختلاف الموقف من وظيفة قوة إرساء السلام بين من يقول بأن القوة لا بد لها أن تكون قوة لإرساء السلام تفصل بين خطي المواجهة ومراقبة الحدود بين مصر وإسرائيل، وتكون درعا يحمي الفلسطينيين من إطلاق إسرائيل النار، وبين من يرى فيها فرصة لنزع سلاح الفصائل الفلسطينية، ومنها حماس، كما هو وارد في قرار الأمم المتحدة الذي يرى في قوة إرساء السلام أن من مهامها مراقبة الحدود بين مصر وإسرائيل لمحاربة التهريب، ونزع سلاح الفصائل المسلحة وتجريد غزة من السلاح”.
وأكد المتحدث لهسبريس أن “هذا الغموض يصعب معه على المغرب أن يحدد موقفا رسميا للمشاركة في القوة الدولية، خاصة وأن الإدارة الأمريكية تتبنى خطة إرساء السلام من أجل غزة من دون سلاح ومن دون فصائل مقاومة، وتدفع في اتجاه نزع سلاح حماس”.
وقال إن “إمكانية مشاركة المغرب في قوة إرساء السلام في غزة بالنسبة إليّ مستبعدة؛ لأن المغرب وإن كان قد فتح مشاورات مع إدارة بايدن سابقا في اتجاه المشاركة في قوات إرساء السلام في الأراضي الفلسطينية، فهو موقف يتناسق وموقفه من القضية المبني على حل الدولتين وإنشاء دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، وبالتالي أستبعد اتخاذ قرار المشاركة لأنه سيكون قرارا تجزيئيا لإرساء السلام في كامل الأراضي الفلسطينية وخاصا بتنفيذ رؤية ترامب لمستقبل غزة بدون سلاح وبدون حماس”.
المصدر:
هسبريس