في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
كشف محمد الساسي عضو المكتب السياسي لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي والأستاذ الجامعي، عن مجموعة من التحولات الجوهرية التي يشهدها الحقل السياسي في المغرب، مشيرا إلى تغييرات كبيرة على مستوى الهيكلة الحزبية والمواقف السياسية داخل المشهد المغربي.
واعتبر الساسي ضمن ندوة وطنية حول تحولات الحقل المغربي نزمها فريق البحث في الأداء السياسي والدستوري بكلية الحقوق السويسي بالرباط، أن فيدرالية اليسار الديمقراطي، مجرد “نواة” لتأسيس مستقبل سياسي سيقوده الجيل القادم، وأنه يتحدث عن هذه التحولات من منظور شخصي بعيدا عن التحدث باسم الفيدرالية.
تقبل السيادة الملكية
وأشار الساسي إلى تحول هام في الحقل السياسي المغربي، حيث لاحظ أن هناك “نزوعا عاما نحو تقبل فكرة السيادة الملكية”. وشرح أنه في الماضي لم يكن هناك تمييز حقيقي بين الأحزاب المغربية من حيث التوجهات اليسارية أو اليمينية، بل كان التمييز قائما بين مجموعتين أساسيتين: الأولى هي مجموعة الأحزاب التي لا تستطيع تقديم تحليلات أو قرارات مناهضة للقرارات الملكية، بينما الثانية هي مجموعة الأحزاب التي تؤمن بأن الديمقراطية في المغرب يجب أن تتماشى مع “الخصوصية الوطنية والدينية” للبلاد.
وذكر المحلل السياسي ذاته، أن هذه الفكرة تتناقض مع أطروحات الثورة الفرنسية، التي أكدت أن الملكية والديمقراطية لا يمكن أن يجتمعا. لكنه أضاف أن التجربة المغربية أثبتت أن الملكية والديمقراطية يمكن أن “تتزوجا”، وهو ما تمخض عنه ما أسماه بـ “الملكية البرلمانية”، التي توافق عليها الجميع.
وأوضح الساسي أن الأحزاب الوطنية أو “التاريخية” في المغرب كانت تتجاوز هذه القواعد، حيث كانت تشذ عن التصور السائد. وفي هذا السياق، ذكر الساسي موقف الملك الراحل الحسن الثاني في الثمانينات عندما تحدث عن التنازل عن “المخطط التنموي” لصالح “لحظة التوقف”، وهو ما قوبل بالرفض من طرف جريدة الاتحاد الاشتراكي. كما أشار إلى المواقف المتناقضة التي كانت تنتهجها بعض القوى السياسية فيما يتعلق بمفهوم الاشتراكية.
من الحكم إلى المشاركة
وأضاف الساسي أن التحولات التي شهدتها الأحزاب المغربية أدت إلى الانتقال من مرحلة “الحكم” إلى مرحلة “المشاركة” و”التدبير”، حيث أصبحت الأولوية لدى العديد من القوى السياسية هي المشاركة في الحكم. وأشار إلى أن هذا التغيير يعكس استعدادًا للتنازل عن بعض المطالب الاستراتيجية من أجل الحفاظ على مواقعهم في الحكومة، مثل قضية التطبيع التي أصبحت أحد المواضيع التي لا تشكل خلافًا كبيرًا في النقاشات السياسية.
وأكد الساسي على تحول آخر يتمثل في تحسين هيكلة الأحزاب السياسية في المغرب. حيث أشار إلى أن الأحزاب التي كانت تعرف بـ”أحزاب الإدارة” قد بدأت تتأقلم مع التغيرات السياسية الجديدة، وأصبحت تسعى لتطوير برامجها بما يتماشى مع برنامج الدولة. وأوضح أن هذه الأحزاب لم تكن تعتبر أن هناك أزمة دستورية في المغرب، لكنها في نهاية المطاف صوتت لصالح دستور 2011، معتمدين على توافقات جديدة من خلال ملاءمة برامجهم مع المسار العام للسلطة.
وفيما يتعلق بالتحولات الكبرى في مواقف الأحزاب، أشار الساسي إلى أن المعادلة السياسية في المغرب قد انتقلت من ثنائية (يسار-يمين) إلى معادلة ثلاثية تضم الإسلاميين. وأوضح أن القوى السياسية الإسلامية، التي شهدت صعودا في العالم العربي بعد فشل المشروع القومي الاشتراكي، أصبحت تشكل تحديا حقيقيا للنظام السياسي في المغرب. وبين أن هذه القوى تتمتع بنقاط قوة متعددة منها البساطة ومسايرة الحس العام، بينما تعاني من ضعف في بناء نموذج أخلاقي داخلي.
ظهور القيادات الشعبوية
وأشار الساسي أيضا إلى تحول ملحوظ في نوعية القيادة السياسية في المغرب، حيث أظهرت الفترة الأخيرة بروز ما أسماه بـ “القيادات الشعبوية”. وقال الساسي إن هذه الظاهرة ليست خاصة بالمغرب، بل هي جزء من موجة عالمية حيث أصبح القائد الشعبوي يعتمد على المظلومية واللامسؤولية والفكاهة لتوجيه الرأي العام، وهو ما يختلف عن نمط القائد الوطني أو المفكر.
وأكد الساسي على وجود تحول آخر في سلوك الأحزاب المغربية، يتمثل في التغير الجذري في التحالفات الحزبية. حيث لم تعد هناك تحالفات ثابتة أو دائمة بين الأحزاب، بل أصبح التحالف مع أي طرف ممكنا إذا كانت الظروف السياسية تقتضي ذلك. وقال الساسي إن هذا التغير يعكس حالة من “حدة التنافس” بين الأحزاب التي كانت تنتمي سابقا إلى نفس العائلة السياسية. واعتبر أن هذا التحول يعكس تحولات عميقة في المشهد السياسي المغربي.
وأوضح الأستاذ الجامعي أن التحولات التي يشهدها الحقل السياسي المغربي يمكن تلخيصها في عدة جوانب أساسية، منها الوطنية والإيديولوجيا إلى البراغماتية، علاوة على تحول مواقف العديد من الأحزاب من خطاب الثورة والنضال إلى خطاب البراغماتية والتكيف مع الوضع القائم، مسجلا أن التراجع في دور الأحزاب، حيث أصبح الفاعل الديني والشعبوي أكثر حضورا في الحياة السياسية، حيث شهدنا تراجعا في فعالية الأحزاب التقليدية لصالح حركات غير حزبية مثل الحراكات الشعبية.
وتحدث الساسي عن التغير في مصادر القوة، حيث أصبحت القرب من النظام السياسي هو المدخل الرئيس لاستخلاص مصادر القوة، ما أدى إلى تغيير في سلم الأولويات لدى العديد من الأحزاب، لافتا إلى ظهور التحالفات غير التقليدية، حيث تحول تحالف الأحزاب إلى تحالفات ظرفية، حيث لم تعد هناك تحالفات ثابتة أو دائمة بين القوى السياسية، بل أصبح التحالف مع الجميع هو السمة الغالبة.
وأكد الساسي أن هذه التحولات تعكس تحولا عميقا في طبيعة العمل السياسي في المغرب. وأنه لم يعد هناك مجال للتمييز بين القوى السياسية على أساس الأيديولوجيا فقط، بل أصبح التماهي بين الأحزاب المختلفة أمرا قائما، في حين أن القيم الملكية والديمقراطية أصبحت تمثل أرضية مشتركة بين معظم الأحزاب المغربية، رغم اختلافاتها في البرامج السياسية.
وخلص القيادي بحزب فيدرالية اليسار إلى أنه هذه التحولات الكبرى تشير إلى أن المغرب يدخل مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي، حيث تعمل القوى السياسية على إعادة تشكيل نفسها لتواكب التحديات المستقبلية، وإن كانت هذه التحولات قد تثير بعض التساؤلات حول مستقبل الديمقراطية في البلاد.
المصدر:
العمق