اشتعلت “بورصة” منح التزكيات البرلمانية والجماعية مع اقتراب موعد الاستحقاقات التشريعية المقبلة، حيث تجري مفاوضات مكثفة يقودها المنسقون الجهويون للأحزاب السياسية على مستوى جهة الدار البيضاء سطات، بهدف استقطاب وجوه بارزة في المشهد السياسي.
وحسب المعطيات المتوفرة لدى جريدة “العمق المغربي”، فإن عددا من الأحزاب المرشحة لتشكيل حزام الأغلبية في الانتخابات القادمة بدأت تبحث عن “كائنات انتخابية” لتعزيز تموقعها داخل جهة الدار البيضاء سطات، وخاصة “البروفايلات” التي تترأس جماعات ترابية حضرية وقروية.
وأضافت المصادر نفسها أن مجموعة من رؤساء الجماعات المحلية بالجهة توصلوا إلى اتفاقات نهائية مع مهندسي الخريطة الانتخابية في عدد من الأقاليم والعمالات، تخص منح تزكيات لانتخابات البرلمان لسنة 2026، إضافة إلى قيادة اللوائح الحزبية خلال سنة 2027.
وأشارت المصادر إلى أن “بورصة” التزكيات البرلمانية ارتفعت أسهمها في عدة مناطق، خاصة في أقاليم سطات والنواصر وبرشيد، نظرا لكون هذه الدوائر شهدت عمليات عزل واسعة لرؤساء مجالس منتخبة، فضلا عن تقارير سوداء صادرة عن المفتشية العامة لوزارة الداخلية.
وأفادت المصادر بأن عددا من الأسماء البارزة على المستوى الجهوي قررت بشكل حاسم خلع قبعة الأحزاب السياسية “المحروقة” بالجهة، والاصطفاف ضمن أحزاب يتوقع أن تحصد مقاعد برلمانية وجماعية معا.
وأكدت المصادر ذاتها أن هناك تحركات جدية للمنسقين الحزبيين، إلى جانب بعض الأمناء العامين، تستهدف استقطاب مجموعة من الأعيان وأصحاب “الشكارة” لتقوية تموقع أحزابهم في المشهد الانتخابي المقبل.
وأوضحت المصادر أن هذا “الترحال السياسي” يشمل أيضا “شيوخ” المقاعد الانتخابية بجهة الدار البيضاء سطات، بعدما قررت قيادات عدد من الأحزاب، خصوصا المنتمية للأغلبية، عدم منحهم التزكية وتعويضهم بعناصر شابة، وهو ما دفعهم إلى التوجه نحو أحزاب المعارضة بحثا عن موطئ قدم جديد.
ومن جهته، قال المحلل السياسي محمد شقير إن الأصل في انخراط الأعضاء داخل أي تنظيم سياسي هو تقاسم رؤية فكرية ومنظومة قيمية واضحة، تقوم على أسس أيديولوجية وبرامج سياسية مشتركة.
وأكد أن هذه الروابط هي التي تمنح الحزب هويته وتضمن انسجام مكوناته، غير أن ظاهرة الترحال السياسي التي باتت منتشرة اليوم تكشف – في نظره – عن غياب هذا الأساس المرجعي، مما يجعل الانتماء الحزبي مجرد انخراط شكلي لا يستند إلى قناعات راسخة أو مشروع جماعي موحد.
وأوضح شقير، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أن عددا من المنتخبين لم يعودوا ينظرون إلى العمل الحزبي باعتباره التزاما أخلاقيا ومسؤولية عمومية، بقدر ما صار بالنسبة إليهم وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية.
فهؤلاء، على حد تعبيره، “لا يغيرون أحزابهم انطلاقا من مراجعات فكرية أو تقييم لمسارات سياسية، بل يفعلون ذلك بحثا عن تزكية انتخابية أو تموقع جديد يضمن لهم الحفاظ على مقاعدهم أو الفوز بمناصب في المجالس المنتخبة”.
وتابع شقير أن الترحال السياسي تحول إلى ممارسة براغماتية محكومة بمنطق الربح والخسارة، حيث بات بعض المنتخبين يتعاملون مع الأحزاب كما لو كانت محطات عبور مؤقتة، ينتقلون بينها وفق ما يخدم مصالحهم الخاصة.
هذا السلوك -وفق تقديره- يشوه العملية السياسية ويحولها من مجال للتنافس حول الأفكار والبرامج إلى سباق محموم على الامتيازات والمواقع.
وأضاف أن خطورة هذه الظاهرة لا تقف عند حد إضعاف الأحزاب وتقويض مصداقيتها فحسب، بل تمتد إلى التأثير على علاقة المواطن بالشأن العام. فحين يرى الرأي العام أن الانخراط في السياسة يتم بمنطق الانتهازية وتبديل المواقع، تتسع فجوة عدم الثقة، ويتفاقم العزوف الانتخابي، إذ يفقد المواطن الإحساس بجدوى اختياراته وصوته.
وختم شقير بأن معالجة هذه الإشكالية تتطلب إعادة الاعتبار للقيم السياسية، وتطوير آليات داخل الأحزاب تضمن الانضباط والانتماء الواعي، فضلا عن تشديد المقتضيات القانونية المنظمة للترحال، بما يحد من العبث السياسي ويعيد للعمل الحزبي مكانته الطبيعية كرافعة للديمقراطية والتنمية.
المصدر:
العمق