أكد إدريس لكريني، مدير مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش، أن تكلفة جمود الاتحاد المغربي تتجسد في “مجموعة من الانعكاسات التي يمكن إجمالها في الخسائر الاقتصادية الناجمة عن غياب تعاون تجاري بين بلدان المنطقة”.
وأضاف لكريني، في دراسة بحثية له رصدت “الاختلالات المغاربية والتحديات المشتركة”، ونشرها مركز “تريندز للبحوث والاستشارات”، أنه لا تخفى في هذا السياق “المخاطر التي يطرحها نشاط وتمدد الجماعات الإرهابية، وتصاعد وتيرة الهجرة غير الشرعية بجوار المنطقة، إضافة إلى تصاعد الأطماع الدولية والإقليمية في الإمكانات الاقتصادية والثروات الطبيعية التي يزخر بها الإقليم المغاربي”.
وأشار الأكاديمي ذاته، كذلك، إلى “اختلال موازين المفاوضات مع دول الاتحاد الأوروبي بصدد عدد من الملفات الاقتصادية والأمنية والسياسية، ثم تدهور الأوضاع الأمنية في عدد من دول الساحل المجاورة للمنطقة”.
ونبّه الباحث ذاته إلى “التحولات المفصلية” التي يمر منها العالم في الفترة الراهنة، و”تحيل في مجملها على تدافع بين القوى الدولية الكبرى بشكل ناعم أو خشن، وعلى عقد تحالفات جديدة تعزز مكانة عدد من القوى داخل النظام الدولي”، وعدّ أنها تفرض على البلدان المغاربية “اتخاذ الحذر واليقظة، والتموقع كطرف فاعل ومؤثر في إطار تحركات جماعية، بدل تكرار أخطاء الماضي التي جعلت المنطقة المغاربية ضحية لنظام ما بعد الحرب الباردة وللتحولات التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر، وتحولات ‘الربيع العربي'”.
تطرّق الأستاذ الجامعي في السياق ذاته إلى “الدرس الأوروبي”، مشيرا إلى أنه “رغم التنوع والاختلاف الذي يميز القارة الأوروبية دينيًّا وثقافيًّا ولغويًّا، ورغم محطّات الحروب التي تميز تاريخها، فإنها استطاعت أن تبني تجربة متميزة على الصعيد العالمي في مجال التكتل الذي تجسده تجربة الاتحاد الأوروبي”.
وبعد أن استعرض الأكاديمي ذاته مسار الوصول إلى إبرام معاهدة اتحاد المغرب العربي في مراكش، بتاريخ 17 فبراير من سنة 1989، لفت إلى تطور “فكرة إنشاء الاتحاد المغاربي مع الأحداث السياسية التي شهدتها المنطقة، ولاسيما بعد التصالح المغربي-الجزائري والتآخي التونسي-الليبي، وما نتج عنه من تطبيع العلاقات المغاربية”.
واستدرك أستاذ العلاقات الدولية وتحليل الأزمات بأنه “خلافا للخطوات الوازنة التي اتُّخذت في إطار المجموعة الأوروبية والاتحاد الأوروبي لاحقًا ظل أداء الاتحاد المغاربي باهتًا، ودون التطلعات والتحديات التي تحيط بالمنطقة في علاقة بكسب رهانات التنمية وتحقيق الأمن الإنساني”.
“تشير الممارسة إلى أن هناك هدرًا كبيرًا للفرص ولمختلف المقومات والعناصر المشتركة الداعمة لبناء تكتل مغاربي وازن، بما يكرس حالة الانتظار ويكلّف المنطقة المزيد من الخسائر”، يضيف لكريني، وتابع: “على امتداد أكثر من ثلاثة عقود عاشت شعوب المنطقة على واقع استمرار الخلافات السياسية التي أسهمت في إذكائها بعض القنوات الإعلامية والنخب السياسية بمواقفها غير المحسوبة، ضدًّا على كل المبادرات والاتفاقيات المبرمة في إطار اتحاد المغرب العربي، وهو ما أدى إلى تأجيل الحلم المغاربي مرة أخرى”.
عدّ الباحث أن ما يُعمّق الجمود الذي يصفه بـ”الوضعية غير السليمة للمنطقة المغاربية” هو “السجالات الضيقة التي يقودها بعض المؤثرين في شبكات التواصل الاجتماعي، وكذلك من يستفيدون من هذا الجمود على مستوى تصريف الأزمات والمشكلات”.
وقال لكريني إن “اقتران هذه الشبكات ببعض المؤثرين، الذين يفتقرون إلى مستويات تعليمية تؤهلهم للخوض في نقاشات سياسية وثقافية عميقة تهم المنطقة، جعلهم يتورطون في نشر الكثير من التفاهات والشائعات والمعلومات الخاطئة التي تكرس السطحية والرداءة، والجري وراء الفضائح وافتعالها، بل والمساس بحقوق الإنسان، والتحريض على العنف والكراهية أحيانًا”.
وحذّر الأكاديمي نفسه هذا في السياق من أن “تشجيع الأصوات الشعبوية، والمراهنة عليها في تصريف الأزمات التي تعرفها دول المنطقة، وتهميش الأصوات العاقلة، يمثل مجازفة يمكن أن تدمّر صمامات الأمان داخل المجتمعات المغاربية، وتورّث العداء والأحقاد للأجيال القادمة”؛ كما عزا الوضعية سالفة الذكر إلى “صمت النخب المثقفة والقوى السياسية الحية في المنطقة، وعدم انخراطها في خلق نقاشات عمومية تبرز حجم الخسائر التي تدفعها المنطقة وشعوبها بفعل التنكر للمشترك المغاربي وعدم استثمار الإمكانات المتاحة للاستئثار بمكانة وازنة بين الأمم”.
المصدر:
هسبريس