آخر الأخبار

هل تعيش تونس بداية تحولات أم مجرد شد وجذب؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

تونس- أثارت تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد التي وصف فيها معارضيه بالـ"خونة"، موجة انتقادات حادة لدى المعارضة، التي اعتبرتها تشويها لخصومه السياسيين وتحريضا عليهم، وتجييش القضاء ضدهم، وذلك قبيل انطلاق الجلسة الثالثة للاستئناف فيما يعرف بقضية " التآمر على أمن الدولة 1 "، غدا الخميس.

ولم تصدر نبرة الاعتراض فقط من الشارع أو المعارضة، بل وصلت أيضا إلى قبة البرلمان الموالي للرئيس، حيث وجّه نواب انتقادات حادة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتراجع الحريات، وذهب أحدهم إلى القول إن الرئيس أصبح معزولا عن الواقع وعاجزا عن تحقيق أي إنجاز.

وكان سعيد قد قال خلال لقائه برئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري ، أول أمس الثلاثاء، إن بعض الأطراف تتحمل مسؤولية فسادها وممارساتها السابقة، معتبرا أن "محكمة التاريخ حسمت موقفها، وهو لا عزاء للخونة ولا رجوع للوراء".

وفي حين يتصاعد منسوب التوتر السياسي والاجتماعي في تونس وفق ما يرى بعض المراقبين، بما يفتح مصير البلاد على متغيرات كثيرة، يعتبر آخرون أن ما يحدث ليس إلا مرحلة جديدة من الشد والجذب المعتاد بين السلطة وخصومها.

مصدر الصورة مسيرة احتجاجية رفعت شعارات تطالب بوقف المحاكمات السياسية والتنكيل ضد المعارضين (الجزيرة)

احتقان شعبي

وشهدت العاصمة التونسية السبت الماضي مسيرة حاشدة تحت شعار "ضد الظلم" شاركت فيها أطراف سياسية ومدنية مختلفة، سبقها موجة احتجاجات لافتة شملت قطاعات الأطباء والصيادلة والصحفيين، كما خرج أهالي محافظة قابس للمطالبة بتفكيك الوحدات الكيميائية الملوثة، إضافة إلى تحركات عائلات الموقوفين السياسيين، مما يعكس احتقانا اجتماعيا وسياسيا متزايدا.

ورفع المتظاهرون شعارات تطالب بوقف المحاكمات السياسية، وإنهاء ما وصفوه بسياسة الانتقام والتنكيل ضد المعارضين والنشطاء، في تحرك أعاد الزخم للاحتجاجات، مما دفع الرئيس قيس سعيّد لاتهام المعارضة بتأجيج الأوضاع.

إعلان

وتشهد هذه الفترة اتصالات متزايدة بين منظمات كبرى مثل اتحاد الشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وهيئة المحامين، في ظل تجدد محاكمات عدد من النشطاء واتساع دائرة الملاحقات القضائية، مما دفع هذه المنظمات إلى توحيد جهودها للدفاع عن الحريات.

وتتكثف هذه التحركات خصوصا مع تواصل محاكمة عشرات المعارضين في قضايا توصف بأنها سياسية، حيث من المنتظر أن تعقد، غدا الخميس، الجلسة الثالثة للاستئناف فيما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة 1″، والتي حكم فيها على عشرات المعارضين ابتدائيا ما بين 4 و66 عاما.

وفي خضم هذا المشهد، أثارت تحركات سفير الاتحاد الأوروبي بتونس جيوزيبي بيروني غضبا لدى السلطة، بعدما التقى بالأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي قبل يومين، معربا عن دعمه للحوار الاجتماعي ودور الاتحاد في حماية السلم الاجتماعي، وهي تحركات اعتبرتها السلطة تجاوزا للأعراف الدبلوماسية.

بدوره استدعى الرئيس سعيّد أمس، بقصر قرطاج، السفير بيروني، لإبلاغه "احتجاجا شديد اللهجة على ما اعتبره عدم الالتزام بضوابط العمل الدبلوماسي والتصرّف خارج الأطر الرسمية المعتمدة في الأعراف الدبلوماسية"، دون ذكر سبب الاحتجاج.

يأتي ذلك في حين تعيش العلاقة بين السلطة واتحاد الشغل أزمة مفتوحة، خاصة بعد قرار الرئيس سعيّد رفع أجور القطاعين العام والخاص دون إشراك المنظمة في أي مفاوضات اجتماعية، في خطوة غير مسبوقة اعتبرها الاتحاد إقصاء لدوره التاريخي، وانفرادا بالقرار في ظرف دقيق.



نهاية فترة

من جهته يقول الصحفي والمحلل السياسي زياد الهاني، إن تونس "دخلت المنعرج الأخير قبل التغيير"، معتبرا أن "ما يجري لم يعد مرحلة عابرة من الشد والجذب، بل بداية تحوّل تفرضه ديناميكية الشارع والضغوط الاجتماعية والسياسية المتراكمة".

وبحسب الهاني فإن الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في الأيام الماضية -خاصة مسيرة السبت الماضي- "تجسد لحظة فارقة، لأنها جمعت لأول مرة طيفا واسعا من الأطراف رغم اختلافاتهم، وتوحدت حول الدفاع عن المواطنة والحقوق"، معتبرا أن هذه التعبئة تشير إلى نهاية مرحلة الصمت.

ويؤكد الهاني للجزيرة نت أن "إقصاء اتحاد الشغل من المفاوضات الاجتماعية شكل عملية خنق بطيء لدوره التاريخي، مما جعله يتحرك بقوة في بعض الفعاليات، مثل الإضراب في القطاع الخاص بمحافظة صفاقس، فضلا عن إضرابات قادمة في التعليم الثانوي".

ويرى أن "استهداف منظمات المجتمع المدني والإعلام يعزز مؤشرات انتهاء نموذج الحكم المنفرد، وإغلاق المسارات الوسيطة في الدولة"، مشيرا إلى أن "عوامل مثل التدهور الاقتصادي والاجتماعي المتسارع، وغلاء الأسعار، ومعاناة المواطن، لم تعد تسمح بتمديد فترة التسامح مع التشدد السياسي".

مصدر الصورة احتجاجات المحكمة الابتدائية بتونس للمطالبة بالإفراج عن المساجين السياسيين (الجزيرة)

من جانبه يقول القيادي في التيار الديمقراطي هشام العجبوني للجزيرة نت إن "الارتباك بات واضحا داخل دائرة السلطة والبرلمان الموالي للرئيس"، في إشارة إلى الانتقادات الحادة التي وجهها بعض النواب لأداء الرئيس سعيّد وحكومته خلال مناقشة مشروع موازنة الدولة لسنة 2026.

إعلان

وفي تقديره "تلوح في الأفق بوادر نهاية مرحلة حكم كاملة، إذ لا يمكن للوضع أن يستمر على ما هو عليه في ظل تراجع كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية"، ويعتبر أن الرئيس يحاول الهروب إلى الأمام، عبر اتهام المعارضة بتأجيج الأوضاع وتعليق فشله في إدارة البلاد على خصومه.

ويرى العجبوني أن مسيرة السبت الماضي "شكلت تحولا نوعيا بتوحيد المطالب الاجتماعية والسياسية، وهو ما أزعج الرئيس وجعل خطابه متشنجا"، واعتبر أن احتجاجه على سفير الاتحاد الأوروبي يهدف لصرف الأنظار عن الأزمة الحقيقية.

مصدر الصورة الناشطة السياسية المعارضة شيماء عيسى اعتبرت أن الرئيس ينتهج توجها يقوم على شيطنة كل المختلفين معه (الجزيرة)

شيطنة وتوجيه

تقول القيادية في جبهة الخلاص المعارضة شيماء عيسى، التي صدر ضدها حكم ابتدائي بـ18 سنة سجنا في قضية "التآمر على أمن الدولة 1″، إنها لا تستطيع فهم خطابات الرئيس أو توظيفها في استشراف ما سيحصل لاحقا، معتبرة أن "ما يقدّمه ليس خطاب دولة بل سلسلة من التشنجات".

وتضيف شيماء للجزيرة نت أن "خطاباته ضد خصومه الذين عارضوا انقلابه في 25 يوليو/تموز 2021 قبل أن يحكم عليهم القضاء أو يبرئهم، فيها توجيه فاضح للقضاء".

وترى القيادية أن "الرئيس يتعامل بمنطق من يوزّع صكوك الاتهام بدل أن يضمن الحقوق المدنية والسياسية للتونسيين"، معتبرة أنه "ينتهج توجها يقوم على شيطنة كل المختلفين معه، ويبث خطاب الكراهية والتقسيم، التي يزدهر فيها مناخ الاستبداد".

تضخيم الاحتجاجات

في المقابل، يعتبر الناشط السياسي أحمد الكحلاوي أن البلاد تعيش حالة استقرار، وأن "الانتقادات المتصاعدة لاسيما من بعض النواب ليست إلا ردود فعل عادية للفت أنظار الحكومة لبعض النقائص"، واعتبر أن الاحتجاج على السفير الأوروبي يدخل في صميم الدفاع عن السيادة الوطنية ضد أي تدخلات خارجية.

ويقول للجزيرة نت إن "بعض الأطراف تسعى إلى تضخيم الاحتجاجات لإظهار البلاد على حافة الانهيار"، معربا عن دعمه لموقف الرئيس من الأطراف المشاركة في المسيرة الاحتجاجية السبت الماضي، والتي قال "إنها تسعى للتموضع مجددا، رغم أنها كانت سببا في تدهور أوضاع البلاد بعد الثورة".

ويؤكد أن "الرئيس ظل منحازا لمصلحة التونسيين، وأن انتقاداته للأحزاب التي حكمت بعد الثورة ليست سوى موقف يحمّلها مسؤولية الإخفاقات السابقة"، ويرى أن هذه الرسائل تهدف إلى حماية الشعب من ممارسات من يعتبرهم سبب الأزمات دون أن يقوموا بمراجعات أو يقدموا اعتذارات، على حد تعبيره.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا