أفاد المخرج الأمريكي ستيفن سودربرغ بأن “جوائز الأوسكار فقدت كثيراً من بريقها حين تحوّل الاحتفاء الذي كان يُفترض أن يظلّ مركّزاً في ليلة واحدة إلى موسم يمتدّ نحو 6 أشهر من الحملات الترويجية والفعاليات والحوارات الإعلامية”، مشيراً إلى أن “هذا الامتداد غير الطبيعي صار أطول من فصول السنة، وجعل جوهر العمل السينمائي يحجب خلف ضجيج الإستراتيجيات”، حيث باتت الاعتبارات الفنية تُستبدل بمسار طويل من التخطيط والضغط والعلاقات العامة.
سودربرغ، ضمن تفاعله مع سؤال لهسبريس أثناء لقاء مع الصحافة على هامش مهرجان الدوحة السينمائي، الجمعة، بخصوص “ما إذا كانت الجائزة السينمائية الأقوى في عوالم الفن السابع تفقد تفرّدها أمام الجدل المستمر بخصوص اكتساح عمل معين رغم تقييمات الضعف”، أكد أن “الإفراط في الاحتفاء القبلي بالأعمال يتعبُها ويفقدها شيئاً من وهجها وألقها”، وتابع: “بات الأمر يشبه شخصاً يعلن عيد ميلاده كل أسبوعين”.
وهكذا وضّح الفائز بجائزة الأوسكار لأفضل مخرج عن عمله “Traffic” سنة 2001 أن “هذا الاحتفال يفقد قيمته الأصلية بسبب كثرة المناسبات وتداخلها وتحوّلها إلى عادة أكثر منها حدثاً استثنائياً”، ذاكراً أن ابتعاده عن سباق هذه الجائزة منذ أكثر من 25 سنة لم يمنعه من متابعة الحفل السنوي، غير أن ما يراه من مشقّة يتكبدها المرشحون خلال موسم ترويجي طويل “ينتزع من المشهد متعته التي كان يحظى بها في أزمنة سابقة”.
كما شدد الفاعل السينمائي الأمريكي الذي يحضر كضيف مميز في مهرجان الدوحة سالف الذكر، ويشارك بعمله “ذا كريستوفرز” (The Christophers – 2025)، ضمن فئة العروض الخاصة، على أن “هذا الإيقاع الاستهلاكي المتسارع يُضعف علاقة الفنان بعمله، ويحوّل السعي إلى التقدير الفني في الأوسكار إلى ماكينة تعيد توليد عبء ممتدّ يشوّه التجربة الإبداعية بدل أن يحتفي بها”.
ومن جانب آخر ذكر المخرج أن “السبب في أن المادة السينمائية عندما ظهرت قبل أكثر من مئة عام أصبحت بسرعة الشكل الفني الأكثر تأثيراً في العالم هو أنها كانت تبدو وكأنها تجذب الناس بطريقة فريدة”، مضيفا أن “ما يتعامل معه صانعو الأفلام اليوم في القرن الحادي والعشرين هو وجود العديد من الصيغ المختلفة للسرد القصصي، ما يجعل السينما مضطرة إلى الكفاح للحفاظ على مكانتها”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “المهرجانات السينمائية تُعد إحدى الوسائل التي تواصل السينما من خلالها الوصول إلى الناس”، وقال: “مسيرتي المهنية بدأت في مهرجان سينمائي، وآمل ألا تنتهي أيضاً في حدث مماثل”، مضيفا: “المهرجانات مهمة، لأن أي تجمع لمجموعة من الناس في غرفة لمشاهدة عمل واحد معاً يشكل تجربة خاصة جداً”، وهي تجربة يظل “دائما داعماً لها”.
ويتحدث فيلم سودربرغ المشارك في “حدث الدوحة” عن أبناء أحد الفنانين المشاهير، الذين انقطعت علاقتهم به، فيقوم بتعيين مزوّرة محترفة لإكمال أعماله غير المُنجزة أملًا في بيعها بعد وفاته، ولهذا أعرب عن سعادته الكبيرة بمشاركته في الدورة الرسمية الأولى للمهرجان، مشدداً على ضرورة استمرار الفعاليات المماثلة في المستقبل، وأعاد التأكيد على إيمانه بأن “السينما شكل جوهري وحيوي ضمن مجمل تعابير وأشكال السرد القصصي”.
وتم افتتاح مهرجان الدوحة السينمائي 2025 أمس الخميس، وتستمر فعالياته إلى غاية 28 نونبر الجاري. ويتضمن البرنامج عروضاً أولى عالمية وإقليمية لمجموعة كبيرة من الأفلام، جلسات حوارية ونقاشية، جلسات سينمائية، برامج شبابية، عروضاً موسيقية، فعالية جكيدوم، ومبادرات مجتمعية أخرى تقام في مختلف أنحاء الدوحة.
ويضم الحدث، الذي تتجاوز قيمة جوائزه 300 ألف دولار أمريكي، أربع مسابقات رئيسية هي: المسابقة الدولية للأفلام الطويلة، المسابقة الدولية للأفلام القصيرة، مسابقة صُنع في قطر، ومسابقة أجيال المخصصة للشباب بين 16 و25 سنة. وتعتبر الجهة المنظمة أن المهرجان “يمثل منصّة للسّرد القصصي الهادف الذي يعيد تشكيل المشهد السينمائي العالمي”، كما سيشكل، وفق الجهة نفسها، “ملتقى نابضاً لعشّاق السينما للاحتفاء بالإبداع، والمشاركة في حوارات بنّاءة وهادفة، واكتشاف قصص تقرّبنا من بعضنا البعض”.
ويستقبل الحدث عدداً من “الضيوف المميزين”، إلى جانب ستيفن سودربرغ، من بينهم مخرجون وفنانون وناشطون ضمنهم رامي يوسف، ميكايلا كويل، مو عامر، جمال سليمان، غولشيفته فرحاني، إيليا سليمان، إنجين ألتان دوزياتان، جاسم النبهان، درّة زرّوق، صالح بكري، هيّام عباس، مهدي حسن، رحمة زينة، جيم شيريدان، ياسين باي، سانت ليفانت، آن ماري جاسر، ميسان هاريمان، وغيرهم.
المصدر:
هسبريس