متجها نحو تحقيق قمم سعرية جديدة وقياسية قبل نهاية العام 2025، ما زال الذهب أحد أكثر “مَخازن القيمة استدامة” في العالم؛ فيما أبرزت بيانات حديثة لمنصات دولية متخصصة أن البنوك المركزية في معظم دول العالم، خاصة المتقدمة، “تراكمه بمستويات قياسية”، مفسرة ذلك بإسهام “هذا الإقبال في دفع المعدن إلى بلوغ أسعار قياسية خلال عام 2025، تجاوزت “العتبة الرمزية” المتمثلة في أربعة آلاف دولار للأونصة.
في مشهد اقتصادي عالمي سِمتُه الأساس “ضبابية اللايقين”، أثبت “المعدن الأصفر” نفسَه مَلِكا متوجا على عرش الملاذات الآمنة، ليس فقط لمجتمع المستثمرين بل كذلك للبنوك المركزية. وبينما يتوقع مهنيون مغاربة في قطاع صياغة وتسويق المجوهرات اقتراب الذهب من 5 آلاف دولار متم 2025، لم يعد الصعود مدفوعا بمخاوف الأفراد فحسب؛ بل بسباق محموم تقوده البنوك المركزية حول العالم لمراكمة الذهب بمستويات قياسية.
وبين “هيمنة” أمريكية راسخة بأكثر من 8 آلاف طن “تدعم قوة الدولار”، ومحاولات دولية من قوى فاعلة لتنويع الاحتياطيات، يتموقع المغرب في المرتبة الـ63 عالميا، وفق ما أبرزته الأرقام الواردة ضمن تقرير “مدعوم بخريطة وبيانات” بعنوان: “أيُّ البلدان تمتلك أكبر احتياطيات من الذهب؟”، مُقدرة الاحتياطيات الرسمية من المعدن النفيس في نحو 22.1 طن، وفق البيانات المحصورة إلى متم سنة 2024، مع ملاحظة أن الرقم لم يتغير خلال الخمس سنوات بين 2019 و2024.
وكشفت بيانات أوردها الموقع المتخصص “Visual Capitalist” “استمرار” صدارة الولايات المتحدة ومعظم دول الاتحاد الأوروبي في التربع على عرش الدول التي تمتلك أكبر احتياطات من الذهب ضمن احتياطاتها الرسمية، بالاعتماد على بيانات جمعتها منصة “BullionVault” المتخصصة في تتبع احتياطيات الذهب لدى البنوك المركزية حول العالم.
وتواصلت الهيمنة الأمريكية على “احتياطيات الذهب العالمية”، إذ لا تزال “أكبر حائز للذهب في العالم بفارق كبير”، حيث تمتلك 8133.5 أطنان؛ وهو رقم لم يتغير تقريبا منذ عقود.
وبالأسعار الحالية، تبلغ قيمة احتياطيات أمريكا أكثر من 1 تريليون دولار، “وهي بمثابة أصل استراتيجي يدعم الثقة في الدولار الأمريكي”، وفق ما أورده المصدر ذاته.
قدر إدريس الهزاز، رئيس الفيدرالية المغربية للصائغين، التي تضم أكثر من 30 جمعية مهنية لصانعي وصائغي الحلي والمجوهرات بالمغرب، أن “تصنيف الولايات المتحدة الأمريكية كصاحبة أكبر احتياطي ذهب في العالم (ما يفوق 8100 طن) هي رواية محل شك كبير (..)”.
وقال الهزاز، في تصريح لجريدة هسبريس، إن هذا الطرح التحليلي يستند إلى “مؤشرات ملموسة”؛ أبرزها “الفجوة الشاسعة بين “الذهب الورقي” المتداول في البورصات العالمية وبين الرصيد المادي الفعلي”.
واستشهد الفاعل المهني سالف الذكر بـ”واقعة عجز الولايات المتحدة تاريخيا عن تلبية طلبات دول أوروبية حليفة -مثل فرنسا وألمانيا- لاسترداد أماناتهم من الذهب المودع لديها إبان الحرب العالمية الثانية، حيث لم تتمكن واشنطن من إعادة سوى نسب ضئيلة بعد مماطلات؛ مما يرجح فرضية أن المخازن الأمريكية قد تعاني من استنزاف حقيقي، وأن ما يُتداول هو أرقام “على الورق” لا يسندها رصيد في الخزائن”، وفق توصيفه.
وفي قراءته لخريطة الاحتياطيات، كما أوردها التقرير سالف الذكر، بالنسبة للصين، أكد الهزاز أن “بكين تتبنى استراتيجية التعتيم، حيث راكمَت الذهب خلال السنوات السبع الماضية عبر قنوات غير مباشرة، مستخدمة شركات وسيطة وشراء مناجم في إفريقيا، فضلا عن “إعادة تشغيل مناجم محلية منخفضة المردودية بعد ارتفاع الأسعار. وبالتالي، فإن حجم ما تملكه الصين فعليا يفوق بكثير الأرقام المصرح بها رسميا”.
أما روسيا، فأشار المصرح إلى أثر “العقوبات الغربية” التي دفعت موسكو إلى سياسة “الاكتفاء الذاتي”، حيث أصدر الرئيس بوتين توجيهات ببيع الذهب المستخرج محليا للبنك المركزي الروسي حصرا وبالأسعار العالمية؛ مما يعني أن “وتيرة التخزين الروسية تفوق التقديرات الغربية التي لا تملك نفاذا للبيانات الروسية الحقيقية”.
خلص رئيس الفيدرالية المهنية ذاتها، في تحليله، إلى أن “العالم يشهد تحولا جذريا في العقيدة المالية للدول، مدفوعا بتآكل الثقة في الدولار الأمريكي كعملة احتياط؛ لا سيما أن توجه دول تكتل “بريكس” (BRICS) لبيع الدولار وشراء الذهب ليس إجراء روتينيا؛ بل هو تأسيس لنظام نقدي جديد يستند إلى عملة قوية مدعومة بأصول مادية حقيقية (الذهب)، نقيضا للدولار الذي يفتقر إلى أي غطاء ذهبي منذ عقود ويعتمد فقط على الثقة السياسية التي بدأت تتلاشى”، بتقديره.
من جهته، أكد حسن أوداود، تاجر ذهب بالدار البيضاء متخصص في تسويق وصياغة المجوهرات، أن “حمى الشراء المركزي من البنوك تقود الذهب نحو 5000 دولار”، موردا أن “الارتفاعات القياسية التي يشهدها سوق الذهب العالمي، والتي تجاوزت حاجز 4000 دولار للأونصة، ليست وليدة الصدفة، بل هي نتيجة مباشرة لـ”إقبال غير مسبوق” من البنوك المركزية حول العالم على شراء المعدن النفيس. عازيا هذا التوجه إلى “تراجع الثقة في العملات الورقية كأدوات ادخار؛ مما دفع الدول الكبرى لتعزيز “مخازنها السيادية” بالذهب كملاذ آمن”.
وبناء على قراءته لاتجاهات السوق، توقع أوداود “استمرار هذا المنحنى التصاعدي، مرجحا بقوة أن يلامس سعر الأونصة سقف 5000 دولار بحلول عام 2026، في ظل استمرار شهية البنوك المركزية المفتوحة للشراء؛ وهو ما ينعكس بشكل مباشر على الأسعار النهائية للمستهلك والحرفي على حد سواء”، وفق ما أفاد به هسبريس.
مقاربا الوضع الوطني، أشار الفاعل ذاته إلى أن “المغرب، الذي يحتل حاليا المرتبة الثالثة والستين عالميا باحتياطي يناهز 22.1 طن، يمتلك مقومات حقيقية لتحسين هذا التموقع”.
وربط الخبير المهني بين “الدينامية الاقتصادية” التي تعيشها المملكة وحجم الاستثمارات والمشاريع الكبرى المفتوحة وبين “إمكانية تعزيز الاحتياطي الاستراتيجي من الذهب”.
وختم أوداود حديثه بـ”نظرة تفاؤلية لعام 2026، معتبرا أن الرواج الاقتصادي المتوقع قد يشكل فرصة للمغرب لرفع احتياطياته من الذهب؛ مما سيعزز من قوة الاقتصاد الوطني وملاءته المالية”. كما لم يخفِ طموحه “كفاعلٍ في القطاع أن يرى المغرب يقتحم قائمة “أفضل 50 دولة” في احتياطيات الذهب، مؤكدا أن “قوة الدولة وتصنيفها العالمي يرتبطان وثيقا بمتانة مخزونها من هذا الأصل الاستراتيجي، أسوة بالدول الصاعدة التي تعمل بجهد على تقوية مراكزها المالية”.
المصدر:
هسبريس