كشفت معطيات رسمية ضمن برنامج التنمية الترابية المندمجة لإقليم العيون عن تحديات اقتصادية كبرى، يتصدرها تسجيل معدل بطالة بلغ 27%، وهو ما يفوق المعدل الوطني المحدد في 21.3%. ويطرح هذا الوضع تحديات خاصة على المستوى المحلي في مجال التشغيل والتنمية الاقتصادية، على الرغم من تمتع الإقليم بنقاط قوة استراتيجية، أبرزها التطور السريع الذي يشهده في مجالات متعددة ووجود ميناء ذي بعد قوي.
ولمواجهة هذا التحدي، أوضحت وثائق البرنامج أنه يهدف إلى توفير حزمة إجراءات واعدة لخلق فرص الشغل، تشمل تحسين قطاعي الصناعة واللوجستيك عبر بناء بنية تحتية صناعية فعالة، وتحفيز الاقتصاد المحلي من خلال إنشاء مناطق للأنشطة الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، يركز البرنامج على تعزيز الجاذبية السياحية للإقليم وتطوير القطاع الفلاحي لدفع عجلة التنمية وخلق المزيد من الوظائف.
وفي هذا السياق، قال المحلل الاقتصادي محمد جدري، إن الأقاليم الجنوبية، وفي صدارتها مدينة العيون، تستعد للعب دور محوري في معالجة إشكالية البطالة بالمغرب خلال السنوات القادمة، حيث من المتوقع أن تخلق حزمة من المشاريع الاستراتيجية آلاف فرص الشغل المباشرة وغير المباشرة للشباب في المنطقة.
وأرجع جدري في تصريح لجريدة “العمق” هذه النظرة المتفائلة إلى عدد من الأوراش الكبرى التي ستغير الملامح الاقتصادية والاجتماعية للأقاليم الجنوبية بشكل جذري، وعلى رأسها الطريق السريع تيزنيت-الداخلة الذي يعد شريانا اقتصاديا حيويا، بالإضافة إلى ميناء الداخلة الأطلسي الذي سيعزز من خلق فرص العمل في مدينتي العيون والداخلة.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن إشكالية البطالة في المغرب، التي وصلت مستويات مرتفعة، تعد قضية وطنية ترتبط بمجموعة من الأسباب، أبرزها تأثر القطاع الفلاحي، الذي يعتبر المشغل الأول في المملكة، بعامل الجفاف وتداعياته على الموارد المائية. وأضاف أن الأنشطة التجارية والصناعية والخدماتية الحالية لا تخلق قيمة مضافة كبيرة، مما يحد من قدرتها على توفير فرص عمل كافية.
وأشار إلى أن مشروع الطريق السريع تيزنيت-الداخلة لن يقتصر تأثيره على الأقاليم الجنوبية فحسب، بل سيمتد ليغير الملامح الاقتصادية لغرب إفريقيا بصفة خاصة. وتابع أن ميناء الداخلة الأطلسي سيعمل على تحويل المنطقة إلى قطب اقتصادي قادر على استقطاب استثمارات كبرى. كما لفت الانتباه إلى مشروع المستشفى الجامعي بالعيون، الذي من شأنه أن يخلق محيطا اقتصاديا وبيئة عمل متكاملة حوله، إلى جانب توفير عدد كبير من الوظائف.
وتابع جدري أن المغرب يعول بشكل كبير على أقاليمه الجنوبية لقيادة التحول في مجال الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر. وأكد أن هذه المناطق تتوفر على وعاء عقاري مهم يجعلها مؤهلة لاحتضان مشاريع ضخمة في الطاقة الشمسية والريحية، مما يفتح آفاقا واسعة للاستثمار وخلق فرص عمل جديدة ومستدامة.
وأضاف المحلل الاقتصادي ذاته أن الرهان الأكبر اليوم يتمثل في تكوين اليد العاملة المحلية وتأهيلها لشغل المناصب التي ستوفرها هذه المشاريع، وذلك بهدف تشغيل ساكنة الأقاليم الجنوبية وتجنب الاضطرار لجلب عمالة من أقاليم أخرى. وأكد أن ميثاق الاستثمار الجديد يهدف إلى جذب المستثمرين، سواء كانوا مغاربة أو أجانب، للمساهمة في هذه النهضة التنموية وخلق مجموعة واسعة من فرص العمل.
وأكد، في ختام تصريحه للجريدة، أن نجاح هذه الاستراتيجية يتطلب تضافر الجهود لتسهيل المساطر الإدارية أمام المستثمرين المغاربة والأجانب، ومنحهم تسهيلات ومرونة أكبر. وحسب جدري، فإن المنح الترابية تلعب دورا مهما في تشجيع المستثمرين على التوجه نحو الأقاليم الجنوبية، ليس فقط بهدف التصدير نحو الأقاليم الأخرى، بل بالدرجة الأساسية لاستهداف السوق الإفريقية التي يتوقع أن تكون السوق الاستهلاكية رقم واحد خلال العقود المقبلة.
المصدر:
العمق