في سياق التحركات الحزبية لصياغة مقترحات بشأن تحيين مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، قال أحمد نور الدين، خبير في ملف الصحراء متخصص في العلاقات الدولية، الاثنين، إن “المغرب يتعيّن ألا يقدم ‘تنازلات’ في الوثيقة المحينة” على غرار تلك “الموجودة في وثيقة 2007”.
وأوضح نور الدين في مداخلة له خلال ندوة حول “تطورات ملف الصحراء المغربية بعد قرار مجلس الأمن رقم 2797″، نظمها الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أن السياق اليوم مختلف، و”المغرب في صعود سياسي واقتصادي (…) وشهد الملف تغيرات كثيرة”، مشيرا-مثلا-إلى أن “الولايات المتحدة الأمريكية تعترف اليوم بمغربية الصحراء بعدما لم يكن هذا قائما في التاريخ المذكور”.
لذلك، انتقد الخبير في ملف الصحراء من يعتبر أنه لا يمكن التراجع عن مقتضيات وثيقة 2007. وشدد على أن الأحزاب، في صياغة مذكراتها بشأن التحيين، “ليست مجبرة على الاصطفاف مع الموقف الرسمي للدولة، وهذا الأمر من مصلحة الأخيرة نفسها”.
وأضاف المتحدّث ذاته أن “على الأحزاب أن تتحرر من 2007 ومن الدولة، ويجب أن تعبر عن موقف الشعب المغربي والتضحيات التي بذلها في هذه القضية”، مطالبا في الآن نفسه وزارة “الخارجية بألّا تتعامل مع الأحزاب كمكاتب دراسات؛ فالمذكرات يجب أن تتضمن السياق والمبادئ المؤطرة”.
وشدد على أنه “لا يجب ترك المجال فارغا، حتى يقال بأن الحسم جاء بعد تفضل الولايات المتحدة الأمريكية بالاعتراف بمغربية الصحراء”، معتبرا أن ديباجة وثيقة مبادرة الحكم الذاتي المحيّنة التي ستتقدم بها المملكة “يجب أن تذكر السياق العام”، بدءا، وفقه، من “السياقات والاتفاقيات التاريخية المرسخة لمغربية الصحراء”، وصولا إلى “مرحلة شرعية المقاومة”، ثم “التعريج على مسلسل التسوية، إلى غاية عودة البوليساريو إلى حمل السلاح سنة 2020”.
وأوضح المتحدّث أن “السردية الانفصالية تدفع، تغليطا، بأننا (المغرب) من ناورنا ضد الاستفتاء”، موضحا أنه “يجب الإشارة إلى عدم الاتفاق على لوائح الهيآت الناخبة بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 1991″، وكل التطورات اللاحقة، وضمنها ما يخص إلغاء لجنة تحديد الهوية سنة 1994 بفعل انسحاب جبهة البوليساريو.
ودعا نور الدين الأحزاب السياسية إلى بلورة مقترحات “ديمقراطية، ورفض الحكم الذاتي الذي يمنح كل شيء”، و”مراجعة قوانين الجهات والجماعات؛ إذ إذا تم منح الحكم الذاتي لأقاليم الصحراء بهذه الدرجة الحالية، يثار التساؤل كيف ذلك بينما في الجهات الأخرى ممنوع على المجلس المنتخب-مثلا-أن يمضي في جدول أعمال دورة إلا بعد موافقة الإدارة الترابية”.
من جانبه، سجّل محمد بودن، أستاذ جامعي محاضر في الشؤون الدولية المعاصرة، أنه “ينبغي خلال تحيين الحكم الذاتي تحديد المسائل التي لا يمكن مراجعتها، وعلى رأسها مسألة السيادة، وكذلك صلاحيات الملك، على أن مسائل أخرى يمكن تطويرها في إطار النماذج القريبة منا ثقافيا وجغرافيا”.
وأضاف بودن، في مداخلته، أن الملف بعد القرار الأممي الأخير “سيمضي في ثلاثة مسارات؛ الأول دولي، ويجب أن تكون هناك عملية سياسية حتى يتم قبل أكتوبر 2026، ويتعيّن الانتهاء منه للوصول إلى المسار الثاني، الوطني، وأساسا ما يتعلّق بما هو دستوري. أما المسار الثالث، فهو الجهوي المتعلّق بتدبير الحكم الذاتي في علاقته بالجهوية”.
وأكد الخبير أن القرار 2797 “يحمل فرصا كبيرة، ولكن يجب مقاربتها بقيم؛ فالقرار يمنح أرضية بالفعل للثقة، ولكن يتعيّن في الآن ذاته أن تواكبها اليقظة والانفتاح”.
وبخصوص دلالات هذا التطور غير المسبوق في ملف الصحراء المغربية، أوضح بودن أن “الأولى سياسية، بحيث إنه يمثل تقويضا للأطروحات المتجاوزة، فهو يجعل الحكم الذاتي الأرضية والمرجعية، في حين يتم الاستغناء للسنة 23 على التوالي عن الاستفتاء لعدم واقعيته ولأسباب معروفة”.
أما الدلالة الثانية، وفق المتحدّث نفسه، فهي “قانونية؛ إذ إن القرار يؤسس لقاعدة تأسيسية في الشرعية الدوليةـ تتعلق بالحكم الذاتي، فمعلوم أن القرارات الأممية تعتبر من مصادر القانون الدولي”، وبالتالي، فإن “أيًّا من يعارض هذه الإرادة، يعتبر خارج الشرعية الدولية”. وزاد: “القرار يجسد المبدأ الأممي: “الفائز لا يحصل على كل شيء”.
وبخصوص ثالث الدلالات، فقال الخبير ذاته إنها “دبلوماسية؛ إذ يعكس القرار حجم الدعم الذي ناله الحكم الذاتي، سواء من قبل حامل القلم (الولايات المتحدة الأمريكية) أو من طرف الدول دائمة العضوية. فحتى روسيا والصين اللتان امتنعتا، مادام أنهما لم تستعملا حق النقض، فإنهما دعمتا وسايرتا عمليا التوجه الدولي لصالح الطرح المغربي”.
المصدر:
هسبريس