آخر الأخبار

تنفيذ الأحكام.. البرلمان يمنح الإدارة هامشا أوسع للتماطل في أداء المستحقات القضائية

شارك

أعادت المادة 8 مكرر، التي اقترحتها الحكومة ووافقت عليها لجنة المالية والتنمية الاقتصادية ثم صادق عليها مجلس النواب في جلسته العامة بتاريخ 14 نونبر 2025، الجدل حول مسار تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الدولة والجماعات الترابية. ويأتي هذا التعديل في سياق تعديل المادة 9 من قانون المالية 2020، في انتظار استكمال المسطرة التشريعية ودخول القانون حيز التنفيذ عقب نشره في الجريدة الرسمية.

ويهدف التعديل الجديد إلى تكريس قاعدة استبعاد التنفيذ الجبري للأحكام الصادرة ضد أشخاص القانون العام، من خلال استمرار منع الحجز على الاموال والممتلكات العمومية. كما يمنح التعديل الإدارات العمومية هامشا أوسع في البرمجة المالية لصرف المبالغ المحكوم بها، بما قد يفتح الباب امام تمديد آجال التنفيذ وتعزيز حالات الامتناع الضمني عنه، بدعوى الحفاظ على توازناتها المالية وعدم إرباك خدماتها المرفقية.

وتنص المادة 8 مكرر على تعديل جوهري للمادة 9، من بينها رفع ـجل التنفيذ من اربع سنوات الى ست سنوات، مع منح سنتين اضافيتين للاحكام النهائية السابقة على فاتح يناير 2026. كما تؤكد على عدم جواز الحجز على أموال الدولة والجماعات الترابية في جميع الحالات، مع الإبقاء على الزام الدائنين بالتوجه مباشرة الى الأمر بالصرف للمطالبة بالتنفيذ.

وبالرغم من احتفاظ التعديل بآلية التنفيذ التلقائي عبر المحاسب العمومي في حالة تقاعس الأمر بالصرف داخل آجل تسعين يوما بعد التوصل بالإعذار، إلا أن رفع مدد البرمجة وتوسيع مساحة الإستثناءات يثيران مخاوف واسعة لدى المتقاضين، لاسيما في ظل تزايد شكايات المحكوم لهم من صعوبة التنفيذ وطول انتظاره وعدم جدوى اللجوء الى القضاء الإداري.

ويرى عدد من الباحثين في القانون البرلماني والدستوري، أن التعديل الجديد يعمق أزمة تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة باسم الملك وطبقا للقانون، ويجعل حقوق المواطنين والمقاولات عرضة للتأجيل المتواصل. كما يعتبرون أن سن مقتضيات تمنح الإدارة صلاحيات تقديرية واسعة في البرمجة المالية لا ينسجم مع روح الدستور الذي يلزم السلطات العمومية بتنفيذ الاحكام والقرارات النهائية، طبقا للفصلين 124 و126.

وحذر الباحث في القانون الدستوري والبرلماني حسن أهويو من التداعيات الخطيرة لإضافة المادة 8 مكرر إلى مشروع قانون المالية 2026، بعد مصادقة لجنة المالية والتنمية الاقتصادية عليها وموافقة مجلس النواب في جلسته العامة بتاريخ 14 نونبر 2025. وأوضح أن التعديل الجديد يعيد النقاش حول معضلة تنفيذ الاحكام القضائية الصادرة ضد الدولة والجماعات الترابية، ويمثل تراجعا تشريعيا يمس حقوق المواطنين.

وأكد أهويو أن المادة 8 مكرر تهدف عمليا إلى تكريس منع التنفيذ الجبري للأحكام القضائية من خلال استمرار استبعاد الحجز على اموال وممتلكات الإدارات العمومية، مع توسيع هامش التماطل في البرمجة المالية ورفع اجل التنفيذ من اربع سنوات إلى ست سنوات، ومنح سنتين إضافيتين للاحكام السابقة على فاتح يناير 2026.

وأشار إلى أن هذه التعديلات تمنح اشخاص القانون العام فرصة جديدة لتمديد آجال الاداء دون مبرر قانوني قوي، مقابل استمرار معاناة المحكوم لهم وتعميق ظاهرة الامتناع الضمني عن التنفيذ، رغم ان الدستور يلزم السلطات العمومية بتنفيذ الاحكام النهائية الصادرة باسم الملك وطبقا للقانون.

وسجل أهويو أن التعديل يحافظ على اليات المادة 9 من قانون المالية 2020، خاصة توجيه الدائنين نحو الامر بالصرف والابقاء على مهلة تسعين يوما بعد الإعذار، لكنه في المقابل يوسع نطاق الاستثناءات ويكرس وضعية عدم فعالية اليات التنفيذ، مما يضعف الثقة في جدوى التقاضي الاداري.

وأضاف أن استمرار منع الحجز على الممتلكات العمومية وترك آجال الأداء رهينة بالبرمجة المالية للادارة يمنح هذه الأخيرة سلطة تقديرية واسعة، دون وجود ضمانات تشريعية تمنع التلاعب أو التراخي في تخصيص الاعتمادات الضرورية لتنفيذ الاحكام.

واعتبر أهويو أن هذا التعديل يتناقض مع التوجيه الملكي الواضح الداعي إلى احترام الادارة للاحكام القضائية ومعالجة التأخير في المساطر والتنفيذ، كما انه لا يستند إلى أي تقييم موضوعي لتجربة المادة 9 خلال خمس سنوات من التطبيق، رغم كثرة الشكايات من غياب التنفيذ.

وأكد أن المادة 8 مكرر تمثل تشريعا على المقاس يكرس تحصين الادارة من التنفيذ ويعمق الهوة بين حماية المرفق العام وحماية الحقوق المكتسبة للمواطنين، مشيرا إلى أن عدم التنفيذ يحول رابحي الدعاوى إلى خاسرين ويفرغ الاحكام القضائية من مضمونها.

ودعا أهويو البرلمان والحكومة والفاعلين في منظومة العدالة وهيئات الحكامة إلى تحمل مسؤولياتهم في معالجة هذه الاشكالية قبل المصادقة النهائية على مشروع قانون المالية، محذرا من استمرار تراكم الملفات العالقة وتراجع ثقة المواطنين والمستثمرين في القضاء الاداري.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا