آخر الأخبار

بوبوش يُعدد التحديات التنفيذية والتشريعية في تجارب الحكم الذاتي الدولية

شارك

فتح قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2797 النقاش حول التحديات المرتبطة بتطبيق نظام الحكم الذاتي باعتباره آلية لحل ملف النزاع المفتعل في الصحراء المغربية.

القرار، الذي يعد انتصارا دبلوماسيا مغربيا والذي دعمته الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كبير، يأتي بعد سنوات من اقتراح المملكة نظام الحكم الذاتي لإنهاء مشكل الصحراء وإيجاد حل دائم ونهائي يراعي سيادته ووحدة أراضيه.

وعلى ضوء هذا القرار الأممي، يطرح تنزيل الحكم الذاتي مجموعة من التحديات والإشكالات والصعوبات التي تتطلب رؤية دقيقة ومتكاملة لإنجاح هذا النموذج على مستوى الأقاليم الجنوبية.

ووفق باحثين في العلاقات الدولية، فإن مفهوم الحكم الذاتي يثير في التطبيق العملي مشكلات عديدة؛ نظرا إلى غموضه وعدم تحدده، ونسبية مفهومه والافتقار إلى نص واضح بشأنه يمكن الاحتكام إليه عند الضرورة، الأمر الذي يجعل من المفهوم موضوعا للتأثر بعلاقات القوى والرؤى الإيديولوجية.

صراع المصالح

محمد بوبوش، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بالمدرسة العليا للتكنولوجيا التابعة لجامعة محمد الأول بوجدة، قال إن مبادرة الحكم الذاتي، التي طرحها المغرب سنة 2007 واعتبرها القرار الأممي الخيار الوحيد للتفاوض تحت السيادة المغربية، تواجهها إشكالات عديدة في التنزيل على أرض الواقع بالأقاليم الجنوبية.

ووفق بوبوش، فإن من بين هذه الإشكالات التي تواجه تطبيق أنظمة الحكم الذاتي نشوب صراع المصالح بين الدولة المركزية وبين الوحدات المتمتعة بالاستقلال الإداري، حيث يتخذ هذا الصراع أبعادا عديدة؛ بينما الحلول تتوزع بين ما هو سياسي وقانوني ثم التحكيم.

وقدم الأستاذ الجامعي، في مقال تحليلي، نماذج للحل السياسي الذي تم نهجه من أجل تطبيق الحكم الذاتي على غرار إقليم “السار” الذي منحته المعاهدة الألمانية- الفرنسية حكما ذاتيا مضمونا من ثماني دول، ثم إقليم تريست في إيطاليا.

أما الحل القانوني، فحسب بوبوش، يتم استخدامه في إطار الدولة الاتحادية، إذا ما نشب نزاع بين بعض الولايات الاتحادية، إذ إن المحكمة الاتحادية هي الجهة المختصة في الفصل في هذا النزاع، مستدلا بتجربة إقليم جامو وكشمير بالهند، وما أثارته المادة 370 من دستور البلاد من جدل.

بالنسبة لحل التحكيم، أشار المتخصص في القانون الدولي والعلاقات الدولية إلى أنه يقوم على أساس تشكيل مجلس تحكيم للبتّ في المشكلات المثارة على غرار المعاهدة الفرنسية التونسية التي أنشأت مجلس تحكيم من سبعة أعضاء لاتخاذ القرارات اللازمة.

الوحدات الذاتية

إذا كانت الدولة كوحدة في القانون الدولي تتمتع بالشخصية الدولية، فإن مختلف تطبيقات الحكم الذاتي، سواء كان داخليا أم خارجيا، لم تتمتع فيه الأقاليم الخاضعة له بالشخصية الدولية.

واستدل بوبوش بواقعة تونس في الإطار الاستعماري و”بورتوريكو” و”غرينلاند”، إذ لم تحظ، طبقا للحكم الذاتي الممنوح لها، بحق تقرير الشؤون الخارجية والدفاع. فبورتوريكو ترتبط بالولايات المتحدة الأمريكية باتحاد حر، وتقوم هذه الأخيرة بتقرير شؤون الدفاع والخارجية.

وحسب الأستاذ المتخصص في القانون الدولي والعلاقات الدولية بالمدرسة العليا للتكنولوجيا التابعة لجامعة محمد الأول بوجدة، فإن “وحدات الحكم الذاتي، سواء كانت في الإطار الداخلي أو الدولي، وسواء تعلق الأمر بالأقاليم أو الجماعات القومية، لا تحظى بالشخصية الدولية. ومن ثم، فليست موضوعا للقانون الدولي وإنما موضوعا للقانون الداخلي وشخصا له”، موردا بأن بعض الوحدات الإقليمية المتمتعة بالحكم الذاتي استطاعت الدخول إلى “المجال الدولي بصلاحيات محدودة، كتوقيع اتفاقيات دولية في المجال الاقتصادي والثقافي والأمور المشابهة، ولم تمتد هذه الاتفاقات لتطال أمورا عسكرية”.

وعلى ضوء ذلك، فإن المملكة، وفق الباحث ذاته دائما، ستمارس سلطة كلية في الصحراء كما هي معمول بها في مختلف الأقاليم، مؤكدا أنه “يمكن القول إن منطقة الصحراء لن تتمتع بشخصية دولية على المستوى الدولي، باعتبارها جهة من جهات المملكة، وأن السيادة لا تفوض للجهات. كما أن الصلاحيات الدبلوماسية للرئيس التنفيذي لمنطقة الصحراء ستكون محدودة بنطاق خطة الحكم الذاتي؛ فهو لن يستطيع إقامة علاقات دبلوماسية مع الخارج أو توقيع اتفاقيات ومعاهدات سياسية، فهذه من صلاحيات السلطة المركزية في الرباط، باستثناء بعض الاتفاقيات ذات الطابع الاقتصادي والثقافي حيث يتم توقيعها باستشارة مع الحكومة المركزية في العاصمة”.

كما أنه يمكن للحكومة المركزية في الرباط، حسب بوبوش، استشارة سلطة الحكم الذاتي في المسائل والقضايا الاقتصادية والدبلوماسية التي تهمها على المستوى الخارجي؛ كالعلاقات مع الاتحاد الأوروبي في مجال الصيد البحري أو اتفاقيات الاستثمار الأجنبية والتبادل الثقافي مثلا.

الثروات والصلاحيات

يخلف تنزيل الحكم الذاتي على الصعيد الدولي إشكالات عديدة؛ بعضها مرتبط بكيفية تدبير الثروات الطبيعية الموجودة على مستوى الإقليم الذي يحظى بهذه الاستقلالية، وكذا كيفية توزيع الصلاحيات.

وحسب بوبوش، فإن استغلال الموارد الطبيعية يمثل “أحد أكثر الملفات حساسية في تجارب الحكم الذاتي”، حيث تتفاوت سلطة الحكومات الذاتية على مواردها الطبيعية واستغلالها بتفاوت طبيعة ونوعية الحكم الذاتي ودرجته التي تتمتع بها.

وأبرز أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية أنه في حالة إقليم الصحراء “فإن للحكومة المركزية الصلاحية المطلقة فيما يتعلق بحق إصدار التشريعات الأساسية الخاصة بحماية البيئة والأخشاب، وكذلك تنظيمات البحرية والصيد، وسلطة ضبط المياه ومصادرها وتصريحات التجهيزات الكهربائية عندما تؤثر طاقتها في الأقاليم الأخرى، إضافة إلى الطاقة والمعادن؛ في حين أن سلطة الحكم الذاتي للصحراء تحتفظ بمسؤولية عن الجبال والغابات والزراعة والصيد في المياه الداخلية ومصادر المياه الداخلية وقنوات الري وإنتاج وتوزيع ونقل الطاقة الداخلية، طالما ظلت هذه المسؤولية في الحدود التي لا تمس الأقاليم الأخرى، ويحتفظ إقليم الصحراء كذلك بمراقبة التخطيط المديني، والأشغال العامة، وبناء الطرق في الإقليم”.

وأضاف المختص عينه أن الحكم الذاتي في التجارب الدولية يطرح إشكالات تتعلق بكيفية توزيع الصلاحيات التنفيذية والتشريعية بين الأقاليم المحكومة ذاتيا وبين السلطة المركزية، موردا بأن توزيع هذه الصلاحيات يتم من خلال تعيين الصلاحيات التشريعية والتنفيذية بين الوحدات الذاتية والسلطة المركزية”، لافتا إلى أن عيوب هذا الحل تتمثل في وجود فجوات في الممارسة؛ نظرا إلى تداخل العديد من الصلاحيات والمجالات في التطبيق، فضلا عن أنه نظري أكثر منه عملي، ثانيا الاقتصار على توزيع وتعيين صلاحيات الوحدات الذاتية في مجالات محددة، كما في إسبانيا وإيطاليا وكندا، ثالثا الاكتفاء بتعيين الصلاحيات والمجالات التي تقتصر على الدولة والسلطة المركزية ذات السيادة”.

الأمن والسياسة المالية

أوضح بوبوش أن الوحدات المتمتعة بالحكم الذاتي تبقى لها صلاحية تشكيل قوة أمنية محلية، والتي تعتبر جزءا من سلطات الحكومة الذاتية.

وفي هذا الصدد، أورد الباحث المختص في القانون الدولي أن المسائل الأمنية في تطبيقات الحكم الذاتي تقتصر على “الأمن الداخلي المحدود بنطاق الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي؛ ذلك أن قضايا الأمن القومي تدخل في عداد صلاحيات الأجهزة المركزية للدولة”.

وشدد على أن الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي بإمكانه تشكيل قوة شرطة محلية تضمن تنفيذ التشريعات في مجال الضرائب والتجارة، وحماية البيئة، كما هو الحال في جزيرة غرينلاند وفي إقليم الباسك.

وفيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية والمالية العامة، فأوضح بوبوش أن وحدات الحكم الذاتي تمثل بدرجات متفاوتة “جزءا من اقتصاد قومي موحد وسياسة مالية موحدة على الصعيد القومي، إذ تحتفظ الحكومة المركزية بحقوق وصلاحيات لا تقبل المنازعة في تقرير السياسة المالية وسك النقود وتحديد معدلات الصرف والإشراف على نظام قومي للجمارك والضرائب، وكذلك في وضع خطط التنمية الاقتصادية، وعقد الاتفاقيات المالية، والقروض مع الدول الأجنبية.

ولفت إلى أنه “ومع ذلك، فقد تسمح الدولة في بعض الحالات للحكومات الذاتية، بفرض وتجميع بعض الضرائب المحلية، أو تفويضها في ذلك”.

وسجل الأستاذ المختص في القانون الدولي والعلاقات الدولية بالمدرسة العليا للتكنولوجيا التابعة لجامعة محمد الأول بوجدة أن الأصل في سلطة الحكم الذاتي “لا يصدر عن الوحدة المتمتعة بالحكم الذاتي؛ بل عن سلطة خارجة عنها تنتمي لها”، مبرزا أن “هذا العمل يتميز بإنكار الحرية الدستورية للوحدة الذاتية؛ فسلطتها ليست ناشئة عن إرادتها”.

وعلى ضوء هذه الإشكالات التي تواجه نظام الحكم الذاتي، دعا محمد بوبوش، في المقال التحليلي المشار إليه، إلى وضع خطة تفصيلية لمبادرة الحكم الذاتي تراعي أحكام القانون الدولي والتجارب الدولية المعمول بها في هذا الإطار وخصوصيات المنطقة الصحراوية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا