آخر الأخبار

التربية الدامجة تعزّز تعلّم ذوي الإعاقة وتدعم العدالة بين المتمدرسين

شارك

تواصل وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة رهانها على ضمان حق الأطفال في وضعية إعاقة في التعلّم؛ من خلال اعتماد “التربية الدامجة” باعتبارها مقاربة تربوية شمولية تُتيح تعلّم جميع المتعلمين داخل الفضاء المدرسي نفسه، مع تكييف البيئة الصفية والطرائق والوسائل والتقويمات بما يستجيب لاحتياجات كل متعلم، دون عزل أو فصل أو إحداث مسارات موازية.

ويرى خبراء في الشأن التربوي أن “التربية الإدماجية” التي كان العمل بها قائمًا في وقت سابق، من خلال تخصيص حجرة داخل مدرسة عمومية للأطفال في وضعية إعاقة بمعزل عن باقي التلاميذ، قد أثبتت محدودية نتائجها وأبرزت ابتعادها عن البعد الحقوقي والاجتماعي، بخلاف التربية الدامجة التي تعتمدها الوزارة في السنوات الأخيرة، عبر تدريس الأطفال في وضعية إعاقة وسط باقي المتعلمين، مع مساعدتهم على تحقيق النجاح داخل الأقسام العادية في إطار استحضار الفروقات الفردية واحترام الاختلاف وتثمين التنوع.

أهمية التربية الدامجة

العربي الربح، مفتش تربوي مكلف بالتربية الدامجة بجهة الدارالبيضاء سطات ومكوّن وطني في اضطراب طيف التوحد واضطرابات التعلم الخاصة، قال إنه “تم القطع مع التربية الإدماجية لكون الأبحاث العلمية تؤكد على تعليم الأطفال ذوي الإعاقة في الأقسام العادية؛ وذلك لأهمية التعلم داخل الجماعة من خلال التفاعلات داخل الفصل الدراسي وكذلك تعلم السلوكات الإيجابية والمرغوب فيها”.

وأوضح الربح، في تصريح لهسبريس، أنه “خلال فترة الإدماج، يتم عزل ذوي الإعاقات في حجرة واحدة، ولديهم استعمال زمن خاص بهم، ولا يشاركون في الأنشطة المدرسية مع باقي تلاميذ المؤسسة؛ مما يشكل إقصاء حقيقيا لهذه الفئة”.

وأضاف المتحدث ذاته أن “الشيء نفسه بالنسبة للذين يعانون من إعاقة خفيفة أو متوسطة داخل مراكز خاصة؛ لأن المطلوب هو الدمج الاجتماعي الكامل داخل كل الفضاءات مع احترام الاختلاف، لكون الأطفال في وضعية إعاقة قادرون على العطاء ويمكن أن تتحسن قدراتهم متى تقبلناهم ووفرنا لهم الولوجيات المادية والنفسية، مع إرساء التكييفات اللازمة، على أن لا تقتصر على تكييف المراقبة المستمرة والامتحانات”.

وأبرز المكوّن الوطني في اضطراب طيف التوحد واضطرابات التعلم الخاصة أن “الاهتمام بالتربية الدامجة يُحدث ثورة على مستوى الممارسات وكيفية التعامل مع كل الأطفال باختلاف وضعياتهم؛ فعند الحديث عن ذوي الاضطرابات النمائية العصبية، كاضطراب طيف التوحد، واضطرابات التعلم الخاصة، واضطراب تشتث الانتباه مع أو بدون فرط الحركة…، فإن الانفتاح على العلوم العصبية وكيفية اشتغال الدماغ يجعلنا نفهم علميا أسباب الحواجز المانعة لتعلمهم، وآنذاك نستطيع القيام بالتدخل السليم اتجاههم ونمنحهم الفرصة أكثر على التقدم والتطور، علما أن المطلوب هو الإنصاف من خلال تعليم يستجيب لكل الأفراد”.

وأفاد العربي الربح بأن “مشروع الريادة كشف من خلال روائز الموضعة القبلية والبعدية نسبا مهمة من التلاميذ يحتاجون إلى تكييفات معينة، ومن بين الفرضيات أنهم يعانون من إعاقات خفية تستوجب فهم حالاتهم من أجل مساعدتهم على التعلم المناسب لهم، كون أنهم صنفوا في أدنى اللبنات”، مشددا على ضرورة “التركيز على نوعية التكوينات في المراكز التي ينبغي أن تتعدى ماهو نظري وتشريعي إلى ماهو تطبيقي بإشراك المختصين في المجال”.

ونبه المفتش التربوي إلى أن “الإعاقة مجال علمي بالدرجة الأولى ويمتد إلى تخصصات دقيقة، وبسبب الجهل بنوعية الإعاقة إما تزداد حدتها أو يتم خلق إعاقات معينة، مؤكدا على أنه “لا يخلو فصل دراسي من الإعاقات ولا توجد مؤسسة عمومية أو خصوصية ليست بها إعاقة، وبالتالي على كل المؤسسات أن تكون دامجة”، مذكّرا بأن “التربية الدامجة لا تعني ذوي الإعاقة فقط، بل هي تربية للجميع وتسعى إلى تعليم شامل وجامع”.

وبالنظر إلى المسار الإيجابي للتربية الدامجة، استعرض العربي الربح مجموعة من الاقتراحات لتطويرها أكثر، من خلال “تغيير التمثلات السلبية للجميع وتقبل كل الأطفال”، و”تكثيف التكوينات الدقيقة في المجال والاستعانة بالأخصائيين ووضع شروط الدمج الكامل”، و”التفعيل الجيد لقاعات الموارد للتأهيل والدعم ومهام المشرف على القاعة، وضبط عدد ساعات العمل الأسبوعية والتقليص ما أمكن لعدد التلاميذ المسموح بهم في كل فصل دراسي”، و”تحويل كل المؤسسات الرائدة إلى مؤسسات دامجة”.

تطوّر متواصل

جبير مجاهد، باحث في الشأن التربوي، قال إن “التربية الدامجة من أحدث الأساليب التربوية التي نهجها المغرب في إطار إصلاح التعليم، والتي تسعى إلى توفير بيئة تعليمية شاملة لجميع الأطفال، بغض النظر عن تباين مؤهلاتهم الجسدية أو العقلية أو الاجتماعية”.

وأشار مجاهد، في تصريح لجريدة هسبريس، إلى أن “هذه التربية تختلف عن التربية الخاصة التي تقدم تعليما منفصلا للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وعن التربية الإدماجية في شكلها التقليدي، التي تحاول دمج هؤلاء الأطفال في المدارس العادية بشكل شكلي غالبا”.

وأضاف المتحدث ذاته أن “التربية الدامجة تقوم على مبدأ أن لكل طفل الحق في التعلم ضمن بيئة تحترم اختلافاته وتستجيب لاحتياجاته الفردية، فهي تعزز قيم التسامح والمساواة، وتشجع على التعاون والتفاعل بين جميع المتعلمين، مما يجعل المدرسة مجتمعا صغيرا يعكس التنوع الموجود في المجتمع الكبير، كما تهدف إلى تعليم الطفل التواصل ويشعر الطفل بالانتماء وعدم التمييز”.

وفي الوقت الذي تسير التربية الدامجة وفق مسار متقدّم، اقترح الخبير في الشأن التربوي عددا من المقترحات لتطويرها أكثر؛ من خلال “تهيئة البيئة المدرسية، عبر تصميم صفوف مرنة ومجهزة لتلبية احتياجات جميع المتعلمات والمتعلمين، بما فيهم ذوو الإعاقات الحركية أو الحسية، وتوفير وسائل تعليمية متنوعة”.

وأكّد جبير مجاهد أهمية “تطوير المناهج وأساليب التدريس بما يتناسب وهذه الفئة، واعتماد مناهج مرنة تسمح بتكييف المحتوى والأنشطة حسب قدرات المتعلمات والمتعلمين المختلفة، واستخدام استراتيجيات تعليمية متنوعة، مع تخصيص تكوين رصين ومتخصص لفائدة المدرسات والمدرسين، وإشراك أفرد الأسرة والمجتمع عبر توعيتهم بأهمية التربية الدامجة ودورهم في دعم أطفالهم”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا