تتجه وزارة العدل، ممثلة في المرصد الوطني للإجرام، وبشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، إلى إجراء دراسة ميدانية وطنية تستهدف من خلالها دراسة “جنوح الأحداث” بالمغرب، موازاة مع الإصلاحات التشريعية الجارية بخصوص منظومة العدالة.
وبحسب وثيقة رسمية طالعتها هسبريس فإن هذه المبادرة تروم “سدّ فجوات مؤكدة في البيانات، منها غيابُ دراسات وطنية شاملة لأكثر من 15 سنة، وتشتّت المعطيات بين المؤسسات، وكذا غياب رؤية منهجية لمسارات الجنوح لدى هذه الفئة”.
ومن المنتظر أن تنطلق هذه الدراسة مطلع شهر دجنبر المقبل، وستستهدف عينةً تضم حوالي ألف طفل، منهم من يوجدون في نزاع مع القانون (جنايات، جنح)، فضلاً عن فئات تكميلية أخرى توجد في وضعية صعبة، من قبيل المنقطعين عن الدراسة والأطفال في الشارع أو في وضعيات الترحال، إضافة إلى القاصرين الموجودين تحت حماية إدارية داخل بعض مؤسسات الرعاية.
وأطلق الطرفان الشريكان، قبل أيام، طلبات اهتمام لتوظيف فريق من الخبراء ستُعهد إليه مهام تنفيذ هذه الاستشارة/الدراسة، شريطة أن تتوفر لدى المترشحين تجربةٌ مثبتة في المجال وقدرات منهجية عالية، مثل خبرة لا تقل عن 12 سنة في عدالة الأطفال، أو التوفر على دكتوراه في العلوم الاجتماعية أو السوسيولوجيا أو علم الإجرام، خصوصاً بالنسبة لرئيس المهمة.
وستشمل هذه الدراسة على مدى 80 يوم عمل، على امتداد 6 أشهر، سبع جهات بالمملكة، من بينها الرباط ـ سلا ـ القنيطرة، الدار البيضاء ـ سطات، الجهة الشرقية، طنجة ـ الحسيمة، سوس ماسة، إلى جانب بني ملال ـ خنيفرة، وأيضاً جهة مراكش ـ آسفي.
وجاء ضمن الوثيقة ذاتها أن “هذه الاستشارة تأتي بالنظر إلى التعقّد المتزايد لظاهرة جنوح الأحداث في المغرب، والحاجة إلى إرساء مقاربة إستراتيجية وعلمية للوقاية والحماية وإعادة إدماج الأطفال في تماس مع القانون”، موضحة أن “مساهمة اليونيسيف ستتركز في توفير الدعم التقني للمرصد الوطني للإجرام”، وتابعت: “لا يُنظر، وفق الأمم المتحدة، إلى الجنوح لدى الأحداث فقط كأفعال مخالفة للقانون، بل كظاهرة اجتماعية تتأثر بالسياق الأسري والتعليمي والاقتصادي والثقافي، والغاية هي الوقاية قبل العقاب”، مبرزة أن هذه المبادرة تسعى إلى “توفير معطيات موثوقة وتوصيات إستراتيجية وعملية لتوجيه إصلاح نظام عدالة الأحداث نحو نهج ترميمي ووقائي ومتوافق مع المعايير الدولية”.
ويُتوقّع في هذا الجانب أن تسفر هذه الدراسة عن “تشخيص شامل يجمع المعطيات الكمية والنوعية حول جنوح الأطفال، وتوفير أدلة علمية لتحديد المتغيرات المؤثرة في الظاهرة، مع تقديم توصيات لإصلاح السياسة الجنائية، ومشاركتها مع الفاعلين القضائيين لتعزيز العدالة الترميمية المتوافقة مع المعايير الدولية”.
وأكد مصدر من داخل المرصد الوطني للإجرام، التابع لوزارة العدل، أن “الأمر يتعلق، فعليا، بإعداد دراسة وطنية ستكون مرجعية بخصوص هذا الموضوع”، مبرزاً “الحاجة إلى دراسة ومسح عام لهذا الأمر، مع إبراز ما قامت به الدولة في هذا الجانب، وتقديم اقتراحات إستراتيجية أيضا”.
وأوضح المصدر للجريدة أن “هذه الدراسة تستهدف الأحداث في تماس مع القانون أكثر من الموجودين في نزاع معه، إذ إن هذه الفئة العمرية، بين الفينة والأخرى، تكون في وضعيات صعبة تجعلها في تماس مع القانون، وقد تتحول أيضاً إلى متنازعةٍ معه، بفعل وجود وضعيات اقتصادية واجتماعية محفزة”.
وشدّد مصدر هسبريس على أن “هذا العمل سيكون مرجعياً وسيُشكل إضافة إلى الإصلاحات التشريعية التي تهمّ إخراج الوكالة الوطنية لحماية الطفولة إلى حيز الوجود”، وتابع: “كثيراً ما نجد أحداثاً/ أطفالاً في وضعيات صعبة وفي تماسٍ مع القانون، ما يجعلهم في ما بعد في نزاعٍ معه؛ الأمر الذي يجب أن نحيط به كثيراً من الدراسة والتمحيص للوقوف بدقة عند ما هو مطلوب من إصلاحات تشريعية، وفهم كل الديناميات المحيطة به”، موضحاً أنه “سيتم السعي إلى إنجاز هذا العمل في أقل من المدة الزمنية المخصصة له”.
المصدر:
هسبريس