أصدرت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة “الإيسيسكو” تقريرا مفصلا يكشف عن العوائق البنيوية والتنظيمية والمالية التي تعيق تسريع نمو الطاقة المتجددة في الدول الأعضاء.
وأكد التقرير أن التحديات لا تقتصر على نقص التمويل أو التقنيات، بل تشمل منظومات تنظيمية وبشرية معقدة تتطلب إصلاحات شاملة ومقاربات متكاملة. وأوضح أن عدم اليقين في السياسات التنظيمية يعد أبرز المعوقات أمام استثمارات الطاقة المتجددة، حيث يمكن أن تؤدي التغييرات المفاجئة في تعريفات التغذية أو آليات صافي القياس إلى تراجع ثقة المستثمرين وتقليل تدفق رؤوس الأموال نحو القطاع.
وأشار التقرير إلى أن الربط بالشبكة الكهربائية يشكل عائقا رئيسيا، خاصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، بسبب ارتفاع التكاليف والإجراءات البيروقراطية الطويلة وغياب الشفافية في التسعير، مطالبا بتبسيط الإجراءات وتحسين الشفافية وإرساء أطر تنافسية واضحة.
وفي الجانب المالي، لفت التقرير إلى أن ارتفاع تكلفة رأس المال يمثل عقبة أمام نمو القطاع، خصوصا في الأسواق الناشئة التي تشهد أسعار فائدة مرتفعة ومخاطر صرف كبيرة.
وأكد أن المؤسسات المالية المحلية غالبا ما تفتقر إلى الخبرة التقنية لتقييم جدوى المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ما يقلص فرص التمويل المحلي ويجعل المشاريع تعتمد على المساعدات الخارجية، داعيا إلى تطوير أدوات مالية محلية مثل السندات الخضراء وصناديق التمويل المناخي.
وأضاف التقرير أن القطاع يعاني من نقص حاد في الكفاءات المؤهلة لتصميم وتركيب وصيانة أنظمة الطاقة المتجددة، خاصة في المناطق الريفية، كما أن الشبكات الكهربائية التقليدية غير مجهزة لاستيعاب مستويات عالية من الطاقة المتقطعة وتحتاج إلى تحديث نحو نماذج “الشبكات الذكية”.
وأشار إلى أن غياب المعايير الفنية المعترف بها دوليا يقلل من ثقة المستثمرين والمستهلكين في ديمومة هذه الأنظمة، ويحد من انتشار مشاريع الطاقة النظيفة.
وأكد التقرير أن مشاريع الطاقة المتجددة الصغيرة والمتوسطة تمثل فرصة غير مستغلة، خاصة في المناطق الريفية والنائية، لكنها تواجه تحديات تتمثل في نقص التمويل، وغياب المعايير التقنية المبسطة، وضعف الحوافز الاقتصادية.
وشدد على أن تبسيط إجراءات الربط بالشبكة الكهربائية وتحسين الشفافية واعتماد أطر تنافسية واضحة يوسع قاعدة الاستثمار ويقلص التكاليف.
وأشار التقرير إلى أن التعاون الإقليمي بين دول الإيسيسكو يشكل ركيزة أساسية لتسريع الانتقال الطاقي، من خلال تبادل الخبرات في المعايير التقنية وإدارة الشبكات الكهربائية، وتدريب الكفاءات الوطنية، مع التركيز على بناء القدرات في المجالات التقنية والمالية لضمان استدامة مشاريع الطاقة المتجددة.
كما أوصى التقرير بمعالجة جذور الإشكالات في أسواق الطاقة التقليدية، بما في ذلك إصلاح الأنظمة الاحتكارية لتوليد الكهرباء واستكشاف آليات تسعير الكربون كأداة لتشجيع التحول نحو مصادر طاقة نظيفة وأكثر كفاءة، وهو ما يخلق بيئة اقتصادية جاذبة للاستثمارات ويعزز الشفافية والتنافسية في السوق.
وأكد التقرير أن تحقيق أهداف COP28 يتطلب سياسات شاملة تعالج جانبي العرض والطلب، من خلال تحسين كفاءة الأجهزة والمباني، وتطوير البنية التحتية للشبكات الذكية، وتوسيع نطاق الأدوات التمويلية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، بما يتيح للدول الأعضاء مضاعفة إنتاج الطاقة النظيفة وضمان النمو الاقتصادي وتعزيز القدرة على مواجهة تغير المناخ.
وذكر التقرير أن الالتزام العالمي الذي أعلن خلال مؤتمر الأطراف COP28 في دبي، بمضاعفة إنتاج الطاقة المتجددة ثلاث مرات وتحسين كفاءة الطاقة بحلول عام 2030، يمثل لحظة حاسمة للدول الأعضاء لإعادة تقييم منظوماتها الطاقية، وتحديد العوائق البنيوية والمالية والتنظيمية، ووضع حلول عملية تعتمد على سياسات مرنة وتمويل مبتكر لجذب استثمارات القطاع الخاص.
واختتمت الإيسيسكو تقريرها بالتأكيد على أن التحول الطاقي في الدول الأعضاء يشكل فرصة استراتيجية لإرساء نموذج تنموي مستدام يربط الاقتصاد الأخضر بالنمو الشامل، ويحول الطاقة المتجددة إلى رافعة حقيقية للتنمية في العالم الإسلامي، ويضع الدول الأعضاء في صدارة التحول العالمي نحو مستقبل طاقي مستدام وأكثر عدلا.
المصدر:
العمق